“إجتماع طارئ لوزراء خارجية العرب”..لماذا الآن.. وهل فات الميعاد ؟!
أشرف أبو عريف
كم تمني الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، ولو لمرة واحدة، أن تستجيب الأنظمة العربية لمطالبه خاصة فيما يتعلق بالهوية العربية والإسلامية. أليس من الممكن تسليم الكيان الصهيوني قائمة من ثلاثة عشر بند وفي موعد أقصاه عشرة أيام مفادها احترام كافة ألوان السيادة العربية والإسلامية للعِرضِ العربي المغتصب لسنوات طوال؟! أليست الجيوش العربية معدة لمثل هذه المواقف سلفا أم أنها فقط للكيد والاقتتال الداخلي لصالح غطرسة الصهاينة المدعومة بالصمت العربي المريب؟! فيا سادة العرب لربكم “ماذا أنتم قائلون” يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون؟!
واليوم بعد النجاح المبهر لأهلنا في القدس الشريف وإجباره علي خلع بوابات اللاكرامة، ينعقد مؤتمر وزراء خارجية العرب بشكل طارئ.. وكما يردد الشارع العربي، ليس إلا للسطو علي نضال أهل القدس ودعوات المسلمين الصادقة لدحر الغاصب.. علي أية حال، نسوق إليكم كلمة أمين العرب في الاجتماع الطارئ المتأخر جداً..
كلمــــــة
السيد أحمد أبو الغيط
الأمين العام لجامعة الدول العربية
معالي الوزير عبد القادر مساهل
وزير خارجية الشئون الخارجية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية – رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري
معالي السادة الوزراء
السيدات والسادة..
أتوجه بالشكر لكم جميعاً على استجاباتكم السريعة بالحضور اليوم لعقد هذا الاجتماع الهام.. وأخص بالذكر معالي الوزير أيمن الصفدي، وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية (صاحبة الوصاية الهاشمية) الذي بادر إلى الدعوة لعقدِ هذا الاجتماع..
وأقول إن اجتماعنا اليوم يُعدُ رسالة واضحة في مغزاها ومعناها ورمزيتها .. إنها رسالةٌ للعالم أجمع بأن العرب لن يتخلوا يوماً عن المسجد الأقصى المُبارك أو الحرم القدسي الشريف.. إذا دعانا الأقصى فكلُنا يلبي النداء بلا تردد أو تهاون أو تأخير .. ويخطئ من يظنُ أن الأقصى يعني الفلسطينيين وحدهم بحكم أنه يُعد جزءاً من وطنهم المحتل .. فهذه البُقعة المباركة هي عنوانٌ لهويتنا العربية والإسلامية .. إليها تتطلع أفئدة العرب والمسلمين جميعاً.. وبها تتعلق أرواحهم وعلى حجارتها الطاهرة تشكل وجدانهم الديني والروحي.. إن قلوبَ العرب والمسلمين جمعياً مُعلقةٌ منذ أربعة عشر قرناً بأولى القبلتين وثالث الحرمين، وعيونهم تتطلع إلى هذه الأرض المُقدسة بكل خشوع ومحبة وإيمان.
معالي السادة الوزراء ..
رسالتنا اليوم واضحةٌ لا لبس فيها … إن القدس خطٌ أحمر لا نسمح لأيٍّ كان بتجاوزه.. ولا نقبل أن يكون واقع الاحتلال المرفوض منّا، ومن العالم أجمع، مُقدمة لتغيير الوضع القائم في هذه البُقعة الشريفة المباركة.. القدس الشرقية، مثلها مثل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الخامس من يونيو 1967، هي أرضٌ محتلة.. ولا سيادة لدولة الاحتلال على الحرم القدسي أو المسجد الأقصى المُبارك.. لا أحد في العالم يُقر بهذه السيادة.. ومحاولة فرضها بالقوة وبحكم الأمر الواقع هي لعبٌ بالنار
.. ولن يكون من شأنها سوى إشعال فتيل حربٍ دينية وتحويل وجهة الصراع من السياسة إلى الدين.. بكل ما ينطوي عليك ذلك من مخاطر لابد أن يكون الجميعُ على وعيٍ بها..
إن أزمة الأيام الاثني عشر الماضية، ومنذ قامت سُلطة الاحتلال في 14 يوليو الجاري باتخاذ عدد من الإجراءات غير القانونية وغير المسبوقة في محيط الحرم القُدسي الشريف، والتي تنتهك حرية الأفراد في العبادة، وحقهم الثابت في إقامة شعائرهم الدينية .. أقول إن هذه الأزمة كشفت قبل أي شيء آخر عن أن تضامننا وتكاتفنا هما السبيل الوحيد لمواجهة أي تحد، والوقوف بوجه كل من تسول له نفسه المس بمُقدساتنا .. التحيةُ أولاً إلى الشعب الفلسطيني البطل، الصامد والمرابط.. والذي تدفقت جموعه حتى فاضت الساحات المُحيطة بأبواب الأقصى بعشرات
الآلاف من أبنائه الذين أتوا من كل حدب وصوب للصلاة والاعتصام والاحتجاج على الإجراءات الإسرائيلية الظالمة.. وتحية احترامٍ للقيادة الفلسطينية التي أعلنت موقفها الواضح من اليوم الأول بُمطالبة سُلطات الاحتلال بالتراجع عن كافة الإجراءات التي اتخذتها، وعدم القبول بأي حل وسط في هذا الخصوص.
إنني أتوجه بالشكر والتقدير إلى الزعماء والوزراء العرب، الذين تحركوا سريعاً وبادروا إلى إجراء الاتصالات الضرورية من أجل وقف الإجراءات الإسرائيلية.. ويقيني أن هذه الأزمة لم تكن لتجد طريقها إلى الحل بهذه الصورة المرضية للرأي العام العربي، إلا عبر التحرك السريع اليقظ، وبروح التضامن والتكاتف.. ورُب ضارة نافعة.. فمثل هذه المواقف تُجدد فينا الأمل بأن تضامننا يُمكن أن يتحول إلى واقع ملموس، وإرادة فاعلة، وأن تكون له نتائج على الأرض .. إذا صدقت النوايا وصحت العزائم.
إن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والتصدي لجموحه وإمعانه في القمع والقهر هو أمرٌ ممكن عندما تجتمع الإرادة العربية، وتتوحدُ كلمة العرب كما تُعبر عنهم هذه الجامعة، وهذا ــــلسيداتُ والسادة..
إن تراجع إسرائيل عن إجراءاتها الاستفزازية وغير القانونية، وإن كان يُمثل حلاً للأزمة التي افتعلتها، إلا أنه لا يعني أن نهج الاحتلال نفسه قد تغير… فجميعُنا يتابع المخططات الإسرائيلية الحثيثة منذ سنوات طوال لتهويد القُدس الشرقية عبر تكثيف البناء الاستيطاني بها، والسعي إلى تغيير طابعها العربي والإسلامي من خلال أعمال الحفر والتنقيب الخطيرة في محيط الحرم القدسي الشريف، بحثاً عن معالم يهودية لا دليل علمياً على وجودها.. وجميعنا يُتابع ما يتعرض له سُكان القُدس من قمع وحصار وتضييق بغرض دفعهم لمُغادرة المدينة حتى تصير يهودية خالصة .. ولم تكن الإجراءات الأخيرة في مُحيط الحرم القُدسي سوى حلقة في سلسلة متصلة من هذه السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى فرض السيطرة والسيادة على المدينة المُقدسة… وحصار سكانها من العرب والمسلمين.
إن الأزمة تُذكرنا، وتُذكر العالم كله، بأهمية التصدي إلى هذه السياسات الإسرائيلية الرامية إلى استباق مفاوضات التسوية النهائية، وفرض أمرٍ واقع يلغي الوضع القائم في المدينة.. ومطلوبٌ منّا جميعاً، ومن المجتمع الدولي، الانتباه إلى أن التعامل مع المقدسات الإسلامية بهذا القدر من الرعونة والصلف ينطوي على تهديد حقيقي بإشعال حرب دينية، لأنه لا يوجد مسلمٌ في العالم يقبلُ بتدنيس الأقصى، أو إغلاقه في وجه المُصلين، أو وضعه تحت سيطرة إسرائيل.
أرجو مُخلصاً أن تصل دروس هذه الأزمة إلى الجميع .. وأُطالب القوى الفاعلة في المجتمع الدولي، باتخاذ ما يلزم من الضمانات والإجراءات، التي تضمن عدم تكرارها في المُستقبل.
أكرر شُكري للسادة الوزراء الذين حضروا اليوم.. وأدعو دولة الاحتلال إلى أن تقرأ بعناية دروس هذه الأزمة، والرسالة التي تنطوي عليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،