“الدبلوماسى” يرصد ملامح رمضان فى الهند
مهند أبو عريف
الهند أرض الروحانيات ويمثل مفهوم الصيام جزءا لا يتجزأ من الثقافة الهندية منذ قديم الأزل. وقد قال مهاتما غاندي الذي كان يؤمن إيمانا قويا بالصيام “إن الصيام هو سلاح ناجع في ترسانة المقاومة السلمية. ولا يمكن لكل الشخص القيام به ولا تمثل القدرة البدنية فقط مؤهلا للقيام به لأنه لا أهمية للصوم بدون وجود إيمان حي بالله. ولا ينبغي أن يتحول الصوم إلى سلوك ميكانيكي أو مجرد قيد. لكنه يجب أن ينبع من أعماق الروح. ولذا فهو دائما ما يمثل أمرا نادرا “.
وفي الهند، حيث يعيش أكبر تجمع للمسلمين في العالم، يمارس المسلمون الصيام في شهر رمضان (أو روزا باللغة الأردية أو أوبواس بلغة الهندي) بتواضع مع الله. ولا شك أن تعاليم الإسلام واحدة في كل الدول لكن هناك اختلاف في الممارسات بسبب التاريخ الثقافي في المنطقة. وقد ترك التراث الفرعوني والفاطمي أثرة على احتفالات رمضان في مصر والهند من حيث ضخامتها وتنوعها وتاريخها الثقافي الطويل واختلاف أشكال احتفالات رمضان. ففي ولاية جامو وكشمير، التي شهدت تاريخا طويلا من ممارسة الديانة الهندوسية والتصوف، فقد تأثرت الاحتفالات بالتقاليد القديمة بما في ذلك تناول الناس للفاكهة أثناء الصيام، والذي يطلقون عليه اسم أوبواس وهو يعنى حرفيا التقرب من الله. ويقوم الناس باستخدام شخص يسمى “سحر خوان” وتكون مهمته الأساسية التجول في الحي والقرع على طبله في وقت السحور لدعوة المسلمين للاستيقاظ لتناول وجبة السحور. وغالبا ما يتم ذلك كأحد التقاليد التي تتناقلها الأسرة ولا يوجد مال محدد أو أجر مقابل هذا العمل، لكن يتطوع الناس بدفع أموال لهذا الشخص أو تعويضه بأنواع مختلفة من هدايا العيد. ويمثل مشروب “بابري تريش” أو “كان شاربيت” جزء لا يتجزأ من الإفطار في جامو وكشمير وهو عبارة عن مشروب مصنوع من مزج بذور المريمية الأسبانية (Chia) مع اللبن والماء. وعندما ننتقل من شمال الهند إلى جنوبها نجد الناس تفضل أنواعا من الطعام أثناء الإفطار مثل “جالبي”، و”باكاودي”، و”تشانا المحمرة”، الخ.
وتدعونا فلسفة الصوم إلى معرفة وتهذيب أنفسنا، وكذلك التعرف على احتياجاتنا وتحرير أنفسنا منها. وكما هو الحال في مصر، يحب الناس في الهند شراء الملابس الجديدة ويبدأون في الاستعداد للعيد قبل قدومه بفترة طويلة. وقد ارتبط شراء ملابس العيد الجديدة بسمات دينية وثقافية وهو ما يجعل رمضان شهر التسوق بالنسبة للأغنياء والفقراء على حد سواء. وفضلاً عن ذلك، يعد رمضان أيضاً شهر الخير حيث يتصدق الأغنياء خلال هذا الشهر بجزء من ثرواتهم للفقراء، فيما يعرف محلياً باسم "زكاة". وفي نهاية شهر رمضان، يقوم المسلمون في أنحاء الهند المختلفة بإعداد "كيمامي فيرميسللي" وهو من الأطباق الأساسية في احتفالات العيد في شبه الجزيرة الهندية. في الصباح الباكر يوم العيد، يذهب المسلمون في الهند لحضور صلاة العيد مرتدين ملابس "كورتا باجاما" التقليدية. ويطلق على صلاة العيد اسم "إيد ناماز" (يطلق على الصلاة الإسلامية في الهند لفظ "ناماز" المشتقة من الكلمة السنسكريتية "ناما" وتعني السجود). كما أن لاحتفالات العيد أصول راسخة في الثقافة الهندية وعندما يعود الناس من صلاة العيد، فإنهم يهنئون بعضهم بعضاً بعبارة "عيد مبارك" ويحصل الأطفال على "العيدية" من الكبار وينفقونها على شراء الحلوى والألعاب. وفضلاً عن الشعائر الدينية، هناك جانب آخر لرمضان يتمثل في حفلات الإفطار التي تقام ويحضرها الناس على مختلف مشاربهم الثقافية والدينية في البلاد، كما تقوم المؤسسات الحكومية أيضاً بإقامة حفلات الإفطار على مختلف المستويات. وفي ليلة العيد أيضاً، تقوم مؤسسات عامة ومنظمات المجتمع المدني بتنظيم احتفاليات "عيد ميلان"، وهي احتفاليات يقيمها عادة غير المسلمين للمسلمين. وخلال مهرجان الألوان "هولي"، يقيم المسلمون احتفاليات "هولي ميلان" للهندوس.
تعزز المهرجانات المختلفة التي تقام في الهند فكرة "الوحدة في التنوع" وهي فكرة متأصلة في الثقافة الهندية وروح شعبها. وهذه الفكرة نفسها هي التي تجعل من الهند دولة ديمقراطية قوية تتميز بالحيوية والتعددية. وقد عبر عن هذه الفكرة أحد شعراء اللغة الأردية البارزين في القرن العشرين، وهو راجوباتي ساهي الذي يعرف باسم "فراق جوراكبوري"، في بيتي الشعر التاليين: