الحلف الأمريكي الإسلامي.. الوصل والفصل!
محمد السيد عيد
كانت مصر دائماً ضد الأحلاف، وحددت موقفها منذ الخمسينات، حيث كان حلف الناتو في الغرب وحلف وارسو في الشرق يمثلان قوتين متعارضتين يحاولان استقطاب الدول الأخري، ونشأ نتيجة ذلك ما يعرف بـ » الحرب الباردة » بين القطبين الكبيرين. وبدلاً من سياسة الأحلاف التي رأت فيها مصر نوعاً من التبعية شاركت في تأسيس حركة » عدم الانحياز »، وحضرت مؤتمر باندونج عام 1955. وكان مؤسسو الحركة هم : جمال عبد الناصر ( مصر )، وجواهر لال نهرو ( الهند )، وتيتو ( يوغوسلافيا ).
في الخمسينات أيضاً حاولت أمريكا إقامة حلف يضم بعض الدول العربية والإسلامية، ونجحت في عام 1955 في إعلان حلف بغداد، الذي ضم في عضويته : المملكة المتحدة ( بريطانيا العظمي )، تركيا، إيران، باكستان، والعراق التي سمي الحلف باسم عاصمتها. والملاحظ أن الولايات المتحدة لم تنضم للحلف، بل اكتفت بدفع بريطانيا للصدارة، ووقفت هي في الخلفية رغم أنها كانت الداعم الأول له، وصاحبة فكرته. كان هدف الحلف المعلن هو الوقوف ضد المد الشيوعي في المنطقة، أما هدفه غير المعلن فكان : إبعاد نظر العرب عن إسرائيل بوصفها العدو الرئيسي لهم. وقد وقف عبد الناصر في وجه هذا الحلف بشدة، حتي سقط بعد قيام ثورة 1958 في العراق، إذ أعلنت العراق انسحابها منه 1959.
ولعل حلف بغداد يؤكد لنا ونحن علي شفا حلف جديد تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية، أن أمريكا تستنسخ أفكارها وتحاول إلباسها ثياباً جديدة كي تضللنا عن حقيقتها، وتبتعد بنا عن محور الصراع الرئيسي في المنطقة، وهو الصراع العربي الإسرائيلي. لكن أمريكا هذه المرة لا تخوفنا من المد الشيوعي، بل من المد الإيراني. لتقنعنا بضرورة الدخول في حلف سني في مواجهة إيران الشيعية، وطبعاً هذا معناه استبدال العدو الحالي ( إسرائيل ) بعدو جديد ( إيران ).
إن ما تفعله الولايات المتحدة بقيادة ترامب الآن لا يختلف أبداً عما كانت تفعله في ظل قيادة أوباما وسابقيه، فهي لا تحاول الوصول بالمنطقة لحالة الهدوء الذي يسمح لها بالتنمية، بل تحاول استبدال الصراع الحالي بين الأنظمة العربية من ناحية والتنظيمات الإرهابية من ناحية أخري بصراع جديد أشد وأنكي، هو الصراع بين السنة والشيعة. وأرجو أن ينتبه العرب والمسلمون السنة الذين يسيرون في الركاب الأمريكي إلي أن الشيعة مسلمون مثلهم، يشهدون الشهادتين، ويصلون، ويزكون، ويصومون رمضان، ويحجون البيت. لا خلاف بيننا وبينهم حول الأركان الأساسية للإسلام. الخلاف، أو الخلافات بيننا وبينهم خلافات في موضوعات تحتمل النقاش والتفاهم. بل هناك فرق شيعية لا تكاد تختلف مع السنة في شيء، مثل الشيعة الزيدية، الذين يرون جواز خلافة أبي بكر وعمر رغم وجود علي بن أبي طالب، ويبررون ذلك بقولهم بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل. ومن الناحية الفقهية هناك اتفاقات كثيرة بين الفقه السني وفقه بعض الفرق الشيعية، لحد أن الأزهر يجيز بعض الآراء الفقهية لبعض فرق الشيعة.
وأظن أن أمريكا وذيولها في المنطقة سيحاولون الضغط علي مصر بعدة أوراق للانضمام لهذا الكيان الجديد، منها :
أولاً : المعونات، علي أساس أن مصر تمر بظروف اقتصادية صعبة وتحتاج لمعونات واستثمارات لدعم اقتصادها.
ثانياً : التلويح بحل للمشكلة الفلسطينية، لكن هذا الحل سيكون وهمياً، لأننا نذكر وعد ترامب لإسرائيل بالموافقة علي نقل عاصمتها للقدس، كما نري إسرائيل تعلن تمسكها بإسرائيل دولة عبرية، وهذا يعني طرد فلسطينيي 48
ثالثاً : وعود بوقف النشاط العدائي التركي القطري ضد مصر، ولذلك فليس من الغريب أن تكون الدعوة لحضور مؤتمر مواجهة الإرهاب قد وجهت لكل من مصر وقطر وتركيا في وقت واحد.
باختصار، الحلف الأمريكي الجديد فخ جديد يجب أن تنبه له مصر.