مجتمع روسي قاس و”بلا حب” في مهرجان كان
بعد اختيار “نفي” ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان في 2007، ثم فوز “إيلينا” بالجائزة الخاصة للجنة تحكيم قسم “نظرة ما” في مهرجان كان العام 2011، وفوز “ليفياتن” بجائزة أفضل سيناريو في دورة العام 2014، هاهو المخرج الروسي أندري زفياجينتساف يعود إلى الكروازيت مع فيلم “بلا حب” الذي ينافس 18 فيلما آخرين على السعفة الذهبية.
الجمع بين السياسي والحميمي صار طابعا لأسلوب المخرج الروسي أندري زفياجينتساف الذي صور من خلال أفلامه أسطورة التدهور المادي والأخلاقي في بلاده. يستعين زفياجينتساف ثانية في “بلا حب”، الذي يشارك في المسابقة الرسمية للدورة السبعين لمهرجان كان، بالكاتب أوليغ نجين بعد تأليفهما “لفياتن” الذي أحرز جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان 2014.
“لفياتن” يسرد قصة عمدة قرية صغيرة في روسيا يحاول مصادرة أرض ميكانيكي بسيط بمساعدة الكنيسة الأورثودوكسية، فيحلل الفيلم عالم الفساد والسياسة تقابلهما الديانة. “بلا حب” يسبر مسائل وتساؤلات شبيهة، عبر تفكك العلاقة التي تربط بين زوجين. لم يعد بوريس وزهانيا يحبان بعضهما فيقرران الطلاق، لكل منهما غراميات جديدة تدفعهما لبناء حياة مختلفة. لكن من سيتولى تربية أليوشا طفلهما البالغ من العمر 12 عاما والمنهك من كثرة الشجار الجارح بين والديه.
يضع المخرج صورة باردة ومقرفة عن إحدى ضواحي المدن الروسية، ليعكس كواليس أزمة عائلية. يختفي أليوشا من فرط لا مبالاة والديه و”غياب الحب”. قال زفياجينتساف في المؤتمر الصحفي بعد العرض “انطلاق السيناريو قائم على نقطة التصادم بين درامية الفراق بين الزوجين وفي نفس الوقت ما يجمعهما وهو اختفاء الطفل”. اتبع الفيلم من آنها أطوار الإثارة، وكانت الحادثة بداية غوص في عالم الإدارة والمجتمع الروسي بين الشرطة والمستشفيات والشركات.
كل شيء يسير في الفيلم وكأن حادثة خيالية ستقع وشيكا، فيصل التشويق إلى أشده دون أن ينجلي أي غموض. فنعيش مع الكاميرا على وقع خطر أصم ومحدق بنا، لا نراه لكن نشعر به، على غرار حكاية فلسفية خالية الطرقات. يعتبر ميشالأنجلو أنطونيوني من المخرجين الذين يستمد منهم زفياجينتساف إلهامه. فيقول عنه الروسي “لقد خلق عالما متماشيا مع نسقه. وأجابه العالم: معك حق، هكذا يجب أن نعيش فنمشي في الشوارع ونطوّل النظر في مدخل عمارة أو في ملامح امرأة، حتى نكشف” حقيقة الأشياء.
قال من جهته الممثل الرئيسي دجان بادمياف، الذي يتقمص دور الزوج والأب، في نفس المؤتمر الصحفي، إن المخرج “فنان ذو نزاهة كبيرة فلا يصور أفلاما من أجل أن يحصد إعجاب جمهور موسّع بل يتناول مواضيع تؤثر فيه وتحرك مشاعره” وتابع أن العمل معه “صعب جدا لأن الأدوار من العيار الثقيل والمشاكل التي يتطرق إليها قوية فلا تخرج من هذه التجربة سالما لكنها تجربة هائلة”.
في صلب السرد تبسط التناقضات التي تمزق الروابط بين الأفراد والمجموعات في البلاد وسط العنف المنغرس في المؤسسات و”الأرواح”. فيقول المخرج الروسي إن “الروح هي أكبر كسب للإنسان”. وعبر قصة الطلاق، يعود أيضا إلى الأذهان فيلم “مشاهد من الحياة الزوجية” لبرغمان. يقول زفياجينتساف “يسعى فيلمي إلى إثبات أن لا الذكاء ولا القدرة على تحليل الوضع تساعد على تفادي الكارثة”.
هكذا يصور “بلا حب” بورتريه بوريس وزهانيا ويظهر مدى تأثير الفقد والاختفاء على تغيير مجرى حياتهما. لكن في نفس الوقت فإن القرار الحر لأليوشا بمغادرة البيت يعطيه فرصة للحياة وقوة التحكم في المصير، وسط مجتمع بلا روح، أناني وفظ، لا هم له سوى الاستهلاك. فيصمم المخرج ديكورات فخمة لأشخاص يعيشون في الترف. فحتى النزاع الأوكراني لم يعد سوى خلفية تلفزيونية تملأ صورها شاشاتهم بين وصلتين إعلانيتين.
المصدر : فرانس 24