رأى

أمير المؤمنين «ترامب»

استمع الي المقالة

عبدالناصر سلامة

لا أستطيع استيعاب معنى أن يأتى رئيس أمريكى- أياً كان اسمه- إلى المملكة السعودية لعقد لقاء قمة مع ملك المملكة، ثم يتم جمع القادة الخليجيين لعقد اجتماع قمة مجمعة معهم، ثم بعد ذلك يتم جمع قادة الدول العربية والإسلامية لعقد لقاء قمة مجمعة ثالثة، ذلك أن الرجل لا وقت لديه لزيارة هذه الدول، كما لا وقت لديه لاستقبالهم فى قصره بالبيت الأبيض، حيث يحكم، بالتالى كان هذا الشرف الكبير عربياً وإسلامياً.

لا أستطيع الاقتناع بمثل هذه الحالة إلا إذا كان ذلك الشخص هو أمير المؤمنين أو الخليفة الذى من حقه ومن سلطاته جمع ولاة الأمصار فى أى بقعة يشاء من محيط دولة الخلافة إلى أى قصر من قصورها.

على طريقة الخلفاء أيضاً، لا أحد من الولاة يدرى لماذا يريد الخليفة رؤيتهم، وعن أى قضية سوف يتحدث، وما هى التعليمات أو الأوامر التى جاء بها من أقصى بقاع الخلافة، شأنهم فى ذلك شأن الرعية تماماً، كل ما هو متوافر من معلومات هو أن الخليفة غاضب على الولاة، ليس ذلك فقط، بل هو يطمع فيما بأيديهم من أموال، لقد قال نصا خلال حملته الانتخابية: (إنهم بقرة، متى جف حليبها سوف نذبحها)، قد يعلن رفع قيمة الجباية السنوية التى يقدمها كل والٍ، قد يفصح عن نيته إعادة التقسيم الإدارى للولايات، قد يكشر عن أنيابه فيما يتعلق بالأدوار الجديدة المطلوب من كل والى أداؤها، قد يكون ذلك من خلال توريطهم فى حروب برية مع بعضهم، وليس مع العدو الحقيقى، ذلك أنه فى طريقه إلى إسرائيل، وما أدراك ما إسرائيل؟!

الخليفة الجديد لا يُخفى أنه يريد التمكين لإسرائيل فى الأرض أكثر وأكثر، من تل أبيب إلى القدس، إلى كل بلاد الشام، إلى الجزيرة العربية، بل إلى بلاد فارس، لذا سوف يغادر الأراضى الحجازية إلى الأراضى الفلسطينية المحتلة إسرائيلياً، قبل أن يتوجه مباشرة إلى الفاتيكان، فيما يشير إلى أنها جولة سياسية بأهداف دينية واضحة، سوف يتبادر إلى أسماعنا بالتزامن معها طوال الوقت تعبيرات ومصطلحات الإرهاب، والتطرف، والتشدد، والمذاهب، والإسلام السنى، والمحور الشيعى، إلى غير ذلك من إمعان فى مزيد من الأزمات والأحلاف بالمنطقة، وإن كان الغطاء مغلفاً بالمصالح المشتركة.

كنت أتمنى ألا نشهد أو ألا نعيش هذه الحالة أو ذلك اليوم الذى نرى فيه تلك الهرولة عربياً وإسلامياً تجاه شخص لا يخفى مشاعره تجاه العرب والمسلمين، على الأقل كنت أود أن نرى اجتماعات تنسيقية مسبقة تتقدم بمطالب معلنة فيما يتعلق بقضايا المنطقة، وفى مقدمتها إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، كنت أتمنى أن تتضمن المطالب فى هذه الحالة عدم التدخل الأمريكى فى شؤون المنطقة، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالعراق وسوريا واليمن وليبيا، كنت أتمنى مطالب عربية بتعويض العراق عن ذلك الخراب الذى لحق به جراء الغزو الأمريكى، أو تعويض سوريا عما لحق بها جراء صناعة داعش الأمريكية، أو تعويض اليمن وليبيا جراء القصف والتخريب الذى لحق بهما.

الأمر المؤكد هو أن الشعب العربى من المحيط إلى الخليج يحبس أنفاسه، وينتظر بقلق بالغ معرفة ما ستسفر عنه هذه اللقاءات، وما هى النكبات الجديدة التى يمكن أن تحل بالمنطقة بعد الفوضى الخلافة، والفوضى المدمرة، والفوضى التى لا نهاية لها، والشرق الأوسط الجديد، وهل مازال فى المنطقة ما يمكن اعتباره متماسكاً أو مترابطاً حتى تستهدفه مثل هذه الزيارة المريبة، خاصة أن كل المعلومات أكدت أنه تم فرض إتاوات فى صورة مبالغ طائلة على دول بعينها، من خلال تعليمات صدرت من البيت الأبيض مباشرةً، بالتالى لم تكن هناك حاجة إلى الزيارة لمجرد توقيع المزيد من عقود السلاح، إلا إذا كان الأمر أكبر من كل التوقعات، على غرار صفقة القرن، ومبادرة الألفية، ومزيد من عقود إذعان أخرى لا طائل لنا بها.

لن نستطيع أن نتنفس الصعداء، إذن، إلا إذا كانت هناك شفافية من القادة فى التعامل مع شعوبهم بالمصارحة والمكاشفة بكل ما يدور فى الأروقة الرسمية، ذلك أننا بصدد مستقبل شعوب قد تفاجأ بأنها أمام «سايكس بيكو» جديدة، أو وعد «بلفور» آخر، أو حتى «١٩٦٧» أخرى، ولنا فى الأجداد أو فى السابقين العظة والعبرة، ذلك أن ما تم الكشف عنه من تواطؤ وخيانة وعمالة، منذ ١٩٤٨ حتى الآن، جدير بأن يجعلنا نخشى من كل شىء، ونشكك فى أى شىء، خاصة إذا كانت هناك بوادر واضحة فى الأفق هنا وهناك.

للأسف سوف يسعى المتآمركون فى مصر وغيرها من الدول العربية إلى التبشير والترويج لمثل تلك الزيارة أو هذه الاجتماعات على أنها المخلِّص للمنطقة من آفاتها، متجاهلين تجارب الماضى القريب والبعيد معاً، معتمدين على ضعف الذاكرة العربية عموماً، وهو الأمر الذى يجب التحذير منه فى ضوء الصراع الروسى الأمريكى على الهيمنة فى سوريا، والصراع السعودى الإيرانى على الهيمنة فى اليمن، والصراع السنى الشيعى على الهيمنة فى العراق ولبنان، وقبل كل ذلك الوجود الإسرائيلى بالمنطقة، وجميعها صناعة أمريكية غربية.. على ماذا التعويل، إذن، من دونالد ترامب، أو أمير المؤمنين الجديد؟!

على أى حال، سوف نعيد التذكير بما قاله ترامب نصاً: «سأذهب إلى دول الخليج، إنهم لا يمتلكون أى شىء آخر غير الأموال، لدينا ديون ١٩ تريليون دولار، لن ندفع منها شيئاً، سأجعلهم يدفعون، سأجعلهم يدفعون، لا تنسوا أن هذه الدول بدوننا لم تكن لتكون موجودة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى