منطلقات الرؤية العُمانية لأمن الخليج العربي
مهند أبو عريف
منذ تولي السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان مقاليد الحكم في السبعينيات وحتى الآن وعلى مدار سبعة وأربعون عاماً، سعى إلى إطلاق فكرة إقامة التعاون الإقليمي باعتباره يعزز الكتلة الخليجية في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، وباتت تلك الرسالة العمانية بشأن التعاون الإقليمي، أحد العناصر الرئيسية للسياسة العمانية
وكان لسلطنة عُمان نظرة أمنية متفردة لدول مجلس التعاون، وقد تشكلت تلك النظرة العمانية تجاه القضية الأمنية في الخليج العربي من مصدرين: أولهما: هو ما فرضته الحقائق الجيواستراتيجية، المتمثلة بموقع سلطنة عُمان على مدخل الخليج العربي (مضيق هرمز)، حيث إنها تشرف على الجهة الغربية من هذا المدخل، وهي الجهة المؤثرة والمهمة، حيث يمر فيها معظم خطوط الملاحة الدولية العابرة لهذا المضيق، الأمر الذي حمّل سلطنة عُمان مسؤولية أمنية وسياسية إقليمية كان عليها أن تتعامل إزاءها بكل وعي، لحماية مصالحها الوطنية أولاً، وإسهاماً منها في حماية الملاحة الدولية ثانياً.
وثانيهما: هو تلك الخبرة التاريخية التي تكونت لدى السلطنة من خلال تجاربها مع القوى الدولية والإقليمية في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي، بحكم موقعها الجغرافي.
وتقوم الرؤية العُمانية لأمن الخليج العربي على مجموعة من الأسس: الأوّل يتحقق عن طريق بناء القوّة وإقامة التعاون والتنسيق بين دول الخليج، متسلحة بالإرادة السياسية التي تدفع نحو هذا التوجّه من دون أن تكون الاستراتيجية قائمة على تشكيل الأحلاف، وعلى أن تكون البداية بالتركيز على الدائرة المباشرة، أي التي تضم الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المتشابهة.
أما الأساس الثاني فمؤداه إيجاد مساحات من التفاهم والتعاون بين دول الخليج العربية، وكذلك بين هذه الدول والدول الأخرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة، التي يهمها أصلاً أمن الخليج العربي واستقراره. وقد راعت دول الخليج، وخاصة سلطنة عُمان مصالح هذه الدول، ورأت أن مشاركتها في بناء الأمن لا تعني انفرادها به، بل أكدت دول الخليج العربية وفي مقدمتها السلطنة أن أمن الخليج لا يمكن أن يبنيه إلا دوله، وهي التي تقرره وتصونه.
الحكمة والعقلانية
وقد أثبتت تطورات الأحداث في الخليج والمنطقة العربية أن سلطنة عُمان قد أخذت بمفهوم التكتل والتوحد والتجمع المشترك أساسا لمبادراتها، وأسست سياستها الخارجية على أساس ثابت، هو إقامة علاقات سلمية وتعاونية بكل دول العالم، مدركة أهمية موقعها الجيوستراتيجي، والتبعات التي تترتب على ذلك من مسؤوليات وأعباء في حماية مضيق هرمز، الذي تعد مياهه من أهم المياه الدولية، وفي الممارسة السياسية، انطلقت في تعاملاتها من القضايا المتفق عليها، وتركت الأمور الخلافية منها إلى التطورات مع الاستمرار، حتى يمكن التوصل إلى تفاهمات وقناعات حولها لدى جميع الأطراف.
وقد استثمرت سلطنة عُمان جميع إمكانياتها وقدراتها في سبيل إيصال التعاون الخليجي إلى أهدافه، وأثبتت قدرة كبيرة في قيادة الكثير من التوجهات الخليجية في فض المنازعات، لا سيما ما تعلق منها بأزمات أو قضايا، كما استطاعت أن تفرض منهجيتها الهادئة في حل المنازعات الخليجية.