سلايدرسياسة

“الدبلوماسى” يرصد طقوس وعادات عيد النوروز

استمع الي المقالة

أشرف أبو عريف

تعود تقاليد الإيرانيين في الاحتفال بمقدم الربيع إلى العصر الساساني الذي بدأ فيه التأريخ للسنة الفارسية في اللحظة التي يتساوى فيها الليل والنهار (21 آذار / مارس)، ومنذ ذلك العصر اعتاد الإيرانيون على استقبال الربيع وسنتهم الجديدة بعدة طقوس تبدأ بحملة تجديد المنزل التي تسمى بالفارسية “خانه تكاني”، وتقوم فيها الأسر بإعادة ترتيب وتأثيث محل السكن، والاستغناء عن الأشياء البالية، وغسل السجاد والستائر أو استبدالها، مع طلاء الجدران بألوان جديدة، وفي الغالب يتم اختيار مشتقات اللون الأخضر تناغما مع اخضرار الأرض في الربيع.

وتمتد الحملة إلى تنظيف الأزقة والحارات بصورة جماعية، وتترافق معها حركة تبضع على نطاق اجتماعي واسع تسمى بـ”خريد شب عيد” (أي الشراء لليلة العيد). وتبدي المرأة الإيرانية حماسا أكثر من الرجل لإحياء هذا العرف المتوارث؛ حيث تشهد أسواق المدن الإيرانية حركة تبضُّع غير مسبوقة للنسوة اللواتي تصيبهن “حمى الشراء” مع إطلالة عيد النوروز في أواخر شهر مارس.

ويسود الاعتقاد لدى الإيرانيين أن التبضع في عيد النوروز وغرس الأشجار أو وضع مجموعات الخضرة والأزهار في المنازل من شأنه أن يوسع الرزق في العام الجديد، ويبعث التفاؤل في النفوس. وقبيل انبلاج فجر أول أيام السنة الفارسية الجديدة يحرص كل إيراني على أن يكون متواجدا ضمن أسرته لاستقبال النوروز؛ حيث ترسخت على مر العصور قناعة؛ مفادها أن الذي لا يحضر طقوس النوروز في أول أيام السنة الجديدة مع أفراد الأسرة سيصيبه مكروه يبعده عنها فيما بعد.

مائدة السينات السبع

وفي ليلة حلول السنة الجديدة تجتمع العائلة حول سُفرة خاصة تسمى بسفرة “هفت سين” (أي السينات السبع)، وتضم 7 مواد يبدأ اسمها بحرف “السين”، وهي: “سبزي (خضروات)، سيب (تفاح)، سنجد (تمر)، سير (ثوم)، سكة (قطعة نقد معدنية)، سركه (خل)،وسمنو (الحلوى التي يشكل عشب القمح مادتها الاولية )”. وتتوسط السفرة نسخة من المصحف الشريف طلباً للبركة وسعة الرزق، وإلى جانبها أيضا ديوان أشعار حافظ الشيرازي للتفاؤل بقصائده، ويقوم كل فرد في الأسرة بالاستخارة عبر فتح الديوان ليرى -حسب اعتقادهم- من خلال أبيات حافظ ماذا ستخبئ له السنة الجديدة.

وورد في كتب تاريخ بلاد الفرس أن هذه السفرة قبل اعتناق الإيرانيين للإسلام كانت تسمى بسفرة “هفت شين” لاحتوائها على مواد تبدأ بحرف الشين تتضمن الخمرة (شراب بالفارسية)، وقد تم تحويلها إلى “هفت سين”؛ لتكون منسجمة مع التعاليم الإسلامية التي تحرم الخمر.

كما تقوم جميع الأسر الإيرانية بشراء أسماك الزينة الملونة بعدد أفراد الأسرة، وتوضع في آنية زجاجية في شرفات المنازل أو قرب النوافذ إلى جانب باقة الأزهار، ويتم الاعتناء بهذه الأسماك حتى يمر يوم الثالث عشر من أول أشهر السنة الجديدة؛ فإن ماتت السمكة قبل هذا الوقت عُد ذلك فألا سيئًا، وإن بقيت على قيد الحياة واجتازت نحس الرقم “13” ساد التفاؤل بأن الأسرة لن تفقد عزيزًا خلال هذه السنة.

ومع اقتراب لحظات دخول العام الجديد يقرأ أفراد الأسرة بصورة جماعية دعاء “يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال.. حول حالنا إلى أحسن الحال”، كما يقومون بمزج قطع من النقود المعدنية (سكة) مع حبات الحنطة (سمنو)، ونقلها من يد إلى يد طلبا للرزق.

وفي القرى والأرياف يقوم الشباب العزاب في ليلة النوروز وتحت جنح الظلام بوضع هدايا خاصة ملفوفة بالسليفون أمام منازل ذوي الفتيات اللواتي يرغبون بالزواج منهن مستقبلا، وينتظرون النتيجة في صباح أول أيام عيد النوروز، فإذا لم يجد الشاب الهدية ينتابه الفرح والحبور؛ لأن ذلك معناه أنه سينال بغيته في الزواج من فتاة الأحلام هذا العام، أما إن وجد الهدية في مكانها يعود أدراجه بخفَّيْ حنين.

الوصايا الخمس

وعلاوة على هذه الطقوس الفلكلورية التي يتمسك بها الإيرانيون أيما تمسك وردت في التراث الشعبي جملة من التعاليم المتصلة باستقبال السنة الفارسية يحفظها كل إيراني عن ظهر قلب وإن لم يعتقد بها، وهي:

1-عدم غسل الملابس في الأيام الخمسة الأولى من “عيد النوروز”؛ لأن الهواء والماء في هذه الأيام يساعد على تمزيقها بسرعة، ولا بد من ارتداء الملابس الجديدة التي لم تغسل من قبل.

2-عدم إظهار أي عصبية أو مشاعر غضب في عيد النوروز؛ حرصا على أن تكون السنة الجديدة خالية من أي توتر عصبي.

3-تحاول ربة البيت في ليلة العيد ألا تكسر أي شيء زجاجي في البيت، وإن حدث ذلك فلا بد من رمي الزجاج المهشم سريعا خارج المنزل؛ لأنه يجلب الفأل السيئ.

4-عدم ارتداء الملابس القديمة في أيام عيد نوروز؛ لأن ذلك يجلب الفقر والحظ السيئ لهم.

5-قبل حلول النوروز يجب رمي الأدوية الموجودة في البيت بعيدا؛ لأن وجودها يجلب المرض في السنة الجديدة.

يوم النحس!

وفي اليوم الثالث عشر لعيد النوروز (2 إبريل) المسمى بالفارسية “سيزده بدر” تخلو غالبية البيوت الإيرانية من ساكنيها -إن لم نقل جميعها-؛ ذلك أن الاعتقاد السائد لديهم هو أن اليوم الثالث عشر من العام الإيراني الجديد يجلب النحس، ومن يبقى في المنزل خلال هذا اليوم ستحل عليه مصيبة أو كارثة ما خلال السنة، وجرت العادة منذ القدم على أن يغادر جميع أفراد الأسرة المنزل في هذا اليوم، وتمضية الوقت خارجه في المتنزهات والحدائق العامة حتى حلول المساء؛ الأمر الذي يؤدي إلى حالة ازدحام شديد لا تعرف المدن الإيرانية نظيرا لها في بقية أيام السنة.

وإمعانا في محاربة “النحس” وطرده من سنتهم الجديدة يقوم الإيرانيون برمي باقات الأزهار أو سنابل القمح على الحشائش والساحات الخضراء، وإخلاء الأواني التي ضمت أسماك الزينة في أحواض نافورات المياه لتواصل الأسماك حياتها الطبيعية. ويقول علماء الاجتماع الإيرانيون: إن هذا “السلوك الجمعي” يرمز إلى الرغبة في الانسجام مع صفاء الطبيعة في مطلع الربيع وطرد “النحس” من زمن العام الجديد.

ولحراسة البيوت الخالية من أهاليها تستنفر الشرطة الإيرانية دورياتها في هذا اليوم، وتضعها في حالة الإنذار القصوى، وتصدر تعليمات للعامة تمنع فيها مرور أي شاحنة تنقل أثاثا منزليا، ومن يهم بالانتقال إلى منزل آخر خلال هذا اليوم يتوجب عليه إعلام الشرطة بذلك حتى لا يتعرض لتهمة السرقة.

تبيان

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى