هل أحبّ رسولُ الله محمد (ص) مصر ؟!
د. أحمد تُركي
تحدثت معكم أحبائي في مقال سابق عن ذكر مصر في القرآن والسنة وفضلها تحت عنوان ” القرآن باقٍ؟! ، فمصر باقية …
وقد عرضت كل الروايات من السنة النبوية المطهرة التي تتحدث عن مصر وجندها وأهلها وقبطها ، وعسلها وبعض أماكنها حتي الملابس القطنية التي كانت ترد من مصر أثني عليها رسول الله ودعا لصناعها بالبركة.
وهذه الروايات تقدر بعشرين رواية. منها الصحيح ومنها الضعيف. غير ان الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال والمناقب ، وخاصة أن القرآن ما ذكر مصر الا في صورة المدح حتي وهو يشنِّع علي فرعون وملأئه ، وأيضاً وهو يقص قصة يوسف عليه السلام مدح مصر مرتين ومدح المصري العظيم الذي اشتري نبي الله يوسف ليكرمه وليس ليتخذه عبداً !!
قال تعالي : ”
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يوسف: 21.
وقد تبادر إلى نفسي هذا السؤال ، عندما قرأت احاديث رسول الله عن مصر رغم أن الإسلام لم يدخلها إلا بعد انتقاله الي الرفيق الأعلي بعشر سنوات كاملة.
” غير أنه صلي الله عليه وسلم زار مصر ومر عليها وصلي علي أرضها المباركة ليلة الإسراء والمعراج ”
وهذا الحديث يُبين هذه الحقيقة التي ينكرها كارهو مصر من تجار الدين !!
فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
« أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا ، فَرَكِبْتُ وَمَعِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَسِرْتُ ، فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ ، فَفَعَلْتُ .
فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ.
ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ ، فَصَلَّيْتُ ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ ، فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
نعم صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم بطور سيناء !!
وهذا الموقف له دلالة عظيمة جداااااااا. ، ومن ذلك بركة رسول الله التي كان يلتمسها الصحابة في أنفسهم وبيوتهم وكانو غالباً ما يتنافسون عليها إلى حد العراك !! انتقلت الي مصر المحروسة بسجود الحبيب صلي الله عليه وسلم علي أرضها قي طور سيناء !!!
وفِى العام السادس للهجرة بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم بستة رسل فى يوم واحد إلى الحكام في العالم ، يعرض عليهم سماحة الاسلام ويطمنئنهم أن الاسلام رسالة سلام مع الله ومع الانسان وأنه نبي يريد اتباع الهدي وليس محتلاً يريد الهيمنة وثروات الناس !!
واسمحو لي عرض الرسالة التي بعث بها الي المقوقس عظيم القبط في مصر :
” جاء فيها : “«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، واسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم الآريسين !!
ورد عليه المقوقس. بقوله :
” وكان المقوقس قد دعا كاتبه الذي يكتب له بالعربية، فكتب إلى النبي (صلّى الله عليه وآله): بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط: سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبثياب، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك.
لاحظو معي رسالة السلام والود بين رسول الله وبين المقوقس !!
وذكره رسول الله بالآريسين !! نسبة إلى الراهب آريوس ( الذي ظهر بدعوة اصلاحية في القرن الرابع الميلادي وهو من صعيد مصر )
” وذكر رسول الله لآريوس في رسالته يحمل. دلالة عظيمة !! أنه كان يعلم تاريخ مصر والمشتركات الدينية والإنسانية بين رسالة الإسلام ومصر !!
وننتقل الي مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.
” مارية بنت شمعون القبطية، إحدى أمهات المؤمنين و أنجبت له
ثالث أبنائه الذكور إبراهيم والذي توفي وهو طفل صغير. وكان أبوها عظيم من عظماء القبط، كما ورد على لسان المقوقس في حديثهِ لحامل رسالة الرسول إليه.
” لمارية شأن كبير عند رسول الله صلي الله عليه وسلم. وفي صحيح الامام مسلم : “قال رسول الله ص:”انكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً”، أو ذمة وصهراً” وفي رواية: “استوصوا بأهل مصر خيراً، فإن لهم نسباً وصهراً” . والنسب من جهة هاجر أم إسماعيل عليه السلام ، والصهر من جهة مارية القبطية رضي الله عنها.
ويروى كثير من أهل السير مظاهر حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لزوجته مارية أم المؤمنين. لدرجة أنه كان يحرص علي رضاها وإكرامها وحسن عشرتها.
. “و أنزل الله صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية، وقد أوردها العلماء والفقهاء والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم”. وقد توفي الرسول وهو راضٍ عن مارية، وكانت مارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول.
بعد مرور عام على قدوم مارية إلى المدينة ، حملت مارية، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم لسماع هذا الخبر فقد كان قد قارب الستين من عمرهِ وفقد أولاده جميعاًما عدا فاطمة الزهراء وولدت مـارية في “شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية” طفلاً جميلاً يشبه الرسول، وقد سماه إبراهيم، تيمناً بأبيه إبراهيم خليل الرحمن.
ومن ناحية أخري. كان ابراهيم بن محمد رابط عظيم بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وبين مصر التي أحبها وسجد علي أرضها ونسبه يصل الي هاجر المصرية ، وتزوج منها ، ولبس ملابسها وأثني علي أهلها .
وكأنه يستنبيء أيضاً أن مصر ستعلم الدنيا كلها علوم الإسلام وتصدره بنقائه ومحجته البيضاء إلى كل ربوع الأرض حتي إلي الحجاز الذي نزل فيه الاسلام كما ذكر مولانا الشيخ الشعراوي رحمه الله.
وكانت تسمية رسول الله لابنه من مارية المصرية. ” ابراهيم ” أيضاً مجاملة لأهل مصر ، حيث كانو أهل كتاب ، والعرب لا يشتهرون بتسمية ابنائهم ابراهيم !! فسمي إبنه هذا الإسم ترضية لهم ومد جسر حب بينه وبينهم !!
عاش إبراهيم ابن الرسول سنة وبضع شهور يحظى برعاية النبي
صلى الله عليه وسلم ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، فرفعه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقهقه (ينازع) ومات إبراهيم وهو بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فبكى عليه ودمعت عيناه وكان معه عبدالرحمن بن عوف فقال له: أتبكي يارسول الله؟ فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: إنها رحمة “إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزونون “وكان ابن ثمانية عشر شهراً. وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة”، وحزنت مارية رضي الله عنها حزناً شديداً على موت إبراهيم.
هذه الملامح كلها وغيرها تدل على محبة رسول الله صلي الله عليه وسلم لمصر المحروسة .
اللهم إنى أشهدك وأشهد نبيك ، أنى أحبك وأحب قرة عيني رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأحب بلدى مصر المحروسة .
اللهم كما ذكرتها فى كتابك ، احرسها بكفايتك ورعايتك ، اللهم إنَّا استودعناكها فكن لها نصيراً ومؤيداً واجعلها آمنة وارزقها من الثمرات والثروات وقها شر أعدائها وجهل الجهلاء من أهلها.
أن حب مصر من الإيمان .