تداعيات الحرب بالوكالة
د. حازم الرفاعى
من التعبيرات التى تحمل تداعيات سياسية وقانونية ومالية خطيرة تعبير (الحرب بالوكالة) وهكذا فلقد كان تصريح وزير الخارجية البريطانى (بوريس جونسون) يوم 7 ديسمبر الجارى فى لقاء باسم (حوار البحر المتوسط) فى روما بشأن احدى الدول الخليجية و(إثارتها للقلاقل فى الشرق الأوسط بتبنى حروب بالوكالة) غريباً وخطيراً ومثيراً للاندهاش العميق، فى توقيت تدور فيه معارك دامية فى سوريا، ويستعيد فيه الجيش العربى السورى حلب من أرتال من قوى إرهابية غامضة التكوين والتمويل والأعداد من المرتزقة المسلمين.
توقيت التصريح الذى أتى مركزاً ومحدد الكلمات تزامن مع سعى بريطانى متصاعد وواضح لاستعادة دورها القديم فيما يطلق عليه سياسة (العودة لشرق السويس). ورغم أن الدور البريطانى لم يغب أبداً إلا أن هناك اليوم وسط المؤسسات البريطانية من يستشعر أن عودة (الدور الكلاسيكي) و(الملامح الإمبراطورية) سيصاحبه مكاسب مالية وفى المكانة الدولية لبريطانيا. هذا التوجه السياسى هو أحد التيارات العميقة والقوية التى شجعت فكرة الخلاص من السوق الأوروبية المشتركة. فبريطانيا تعود إذن بقوة إلى مناطق نفوذها القديم بتنسيق مع الولايات المتحدة أثناء ما يبدو أنه تفرغ أمريكى قادم لما هو أهم فى (الصين وآسيا).
وقد أتى تصريح الوزير عقب زيارة رئيسة الوزراء الانجليزية (تيريزا ماي) للبحرين وما استقبلت به من حفاوة بالغة حيث تصدرت صورها الصحف العالمية وحدها تقف (دون مساعدين) وسط صف طويل من أمراء وشيوخ وملوك الخليج . وكانت زيارة المسئولة البريطانية ناجحة بكل المقاييس، فلقد نشرت التصريحات عن (استثمارات بريطانية) فى الأمن والسلاح فى السعودية بمليارات من الجنيهات الإسترلينية عقب الزيارة..
ولم يتوقف الأمر على تصريحات الوزير فلقد تبعها ما بدا أنه شقاق أو خلاف بين المسئول الرفيع وبقية مكونات الدولة، فلقد نأى مكتب رئيسة الوزراء البريطانية والدولة بأنفسهم عن تصريح وزير الخارجية فى بيان رسمى نادر. إلا أن الأمر لم ينته هكذا، فلقد فاجأت السعودية الجميع باستقبالها الحافل للوزير المتميز فحظى بشرف خاص، وهو لقاؤه مع الملك السعودى؟!
للحرب بالوكالة تاريخ طويل فى شمال العالم وأوروبا وقد تحولت إلى تراث يشبه أحد أنواع علوم السحرة والمشعوذين الذين يستطيعون ببراعة ذر الرماد فى العيون وسرقة الكحل من العين. ففى تاريخ أوروبا والاستعمار تحولت الحروب وأنواعها إلى علم كبير يدرس فى مدارس الإستراتيجية والسياسة ويتسابق البعض للحصول على درجات أكاديمية فيه. فالحرب مهما بلغت قوة وإمكانات من يطلقها لها ثمن وهذا الثمن يتحول للعنة تطارد أصحابها فى مجتمعات تتتبع قرارات سياسييها وتساؤلهم، فهى حقل ألغام السياسه الأخطر. وهكذا فان رجال السياسة فى المجتمعات التى تطلق الحرب يدفعون ثمن التتبع والاتهام بسفك دماء الشعوب الفقيرة بل والسجن والاعتقال من مواطنى دولهم ذاتها. وها هى حرب العراق التى شنت عام 2003 تحاصر الساسة البريطانيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق تونى بلير. فإذا كانت أسر الـ 179 بريطانيا الذين ماتوا فى حرب العراق يهددون بمقاضاته لأنه كذب بشأن أسلحة الدمار الشامل عن عمد وخدع الشعب الانجليزى وقاده إلى حرب دموية، فماذا لو تحركت الشعوب العربية مطالبة بتعويضها تجاه هذه الحرب غير القانونية، والتى تمت رغماً عن مجلس الأمن الدولي.
وهكذا فإن الحديث عن (الحروب بالوكالة) فى سوريا والعراق صار خطيرا، فهناك اتهامات واضحة وصريحة من بوتين مثلا بأن المرتزقة المسلمين فى سوريا والعراق وليبيا لهم من مولهم ومن سلحهم ومن شجعهم على التجارة فى النفط والآثار. وإذا كان بوتين يعلن هذا فإن الأمر يتجاوز التصريحات الإعلامية للمعلومات الاستخبارية الموثقة التى قد تتحول إلى مقصلة قانونية تطارد رجال السياسة المتورطين فى هذا الأمر. ولا يهم إن كان المتهم شرقياً أو أميراً أو رجل بورصة ومال فى لندن أو مصارف بنما. فها هى هيلارى كلينتون التى كانت مترشحة لأرفع المناصب تتم مطاردتها بأعضاء فى الكونجرس الأمريكى باتهامها بالتواطؤ بنقل أسلحة الجيش الليبى إلى المرتزقة المسلمين فى سوريا. .
كلمة الحرب بالوكالة إذن هى تعبير جادٌ وقاسٍ، وإذا كان وزير بريطانى يصرح علناً بهذا الأمر، فإنه يفعل هذا بناء على معلومات وعلى رغبة أكيدة بأن تنأى بلاده بنفسها عن الأمر بمجرد التصريح ذاته. وهو أيضاً يعرف أن للمعلومات ثمناً كبيراً، وأن لإخفائها ثمناً أكبر يتم دفعه بينما يذرف أصحابه دموع التماسيح على اضطرارهم للمداراة على حلفائهم ذوى الملابس البيضاء التى تخضب بعض أصحابها بالدماء. وقد أتت تصريحات وزير الخارجية البريطانى فى زمن تشددت فيه رموز عربية مع وزير آخر لدولة عربية. وهو أمر يثير اندهاش فوق اندهاش، فالوزير البريطانى الذى كان قاسياً فى تصريحاته يتم الترحيب به بينما تتوالى التلميحات والتسريبات عن غضب عارم ضد وزير الخارجية العربي، الذى كانت كل خطيئته أنه سعى لرأب الصدع بين عرب عاربة ؤأخرى مستعربة، إن جاز التعبير.