ليس دفاعا عن الشيعة!
سليمان الحكيم
إن ما نراه الآن من خراب ودمار فى أقطارنا العربية يرجع بالتأكيد إلى ما تقوم به بعض الأنظمة العميلة من تحويل الصراع فى المنطقة من صراع عربى إسرائيلى إلى صراع سُنى شيعى. وإذا سألتَ القائمين من السُّنة على توجيه تلك الدفة على هذا النحو المدمر عن أسبابهم فى ذلك فلن تجد سوى حجج واهية لا تستحق كل تلك الدماء التى أُريقت والأرواح التى أُزهقت والخراب الذى وقع، فأعادنا قرونا إلى الخلف والتخلف، فالشيعة فى نظر أهل السُّنة متهمون بسب الصحابة، والعبث فى الدين والإخلال بثوابته، كما لو كان أهل السُّنة أنفسهم أبرياء من كل تلك الافتراءات، التى اختلقوها أسبابا للعداء لدرجة الاقتتال والتناحر، فقد سبق لأهل السُّنة العبث بثوابت الدين، لدرجة التكفير الذى رمى بعضهم به البعض. ألم يتم تكفير ابن تيمية من قِبَل أئمة المسلمين من مختلف المذاهب السُّنية، ليحكموا عليه بالسجن والقتل؟ ألم يُكفروا الإمام ابن حنبل بعد اتهامه بالخروج عن أصول الدين؟ وحديثا وجدنا مَن يرمينا من الجماعات السلفية السُّنية بالكفر والخروج عن الملة، إعمالا لفتاوى ابن تيمية، الذى جرى رميه هو نفسه بالكفر والزندقة، ألم يُكفَّر ابن رشد وابن سينا وغيرهما ممن حاولوا الاجتهاد فى الدين، حتى صدرت الأوامر العليا بحرق مؤلفاتهم والرقص على رمادها؟ فلماذا يُكفَّر الشيعة على ما هو أهون من ذلك وأقل خطرا؟!
وإذا كان بعض غلاة الشيعة قد سب السيدة عائشة فقد فعل ذلك لموقف سياسى اتخذته بالوقوف ضد على بن أبى طالب وآل البيت فى حربهم ضد معاوية بن أبى سفيان. لم يكن الخلاف إذن مع عائشة خلافا دينيا، بل كان خلافا سياسيا لا يستوجب تكفير أصحابه، حتى وإن خاضوه بالسباب وليس بالسيوف المُهَنَّدة، فالشيعة فصيل إسلامى يشهد بالله الواحد الأحد، وبمحمد نبيا ورسولا، ويؤدى أصحابه الصلوات الخمس، كما يحجون إلى البيت الحرام، ويقيمون فيه صلواتهم خلف إمام سُنى، ولا يجدون فى ذلك حرجا أو مخالفة لمعتقدهم، فهل يستوى توجيه السباب لعائشة وبعض الصحابة بقتل الصحابة أنفسهم والتمثيل بجثثهم كما فعل يزيد بن معاوية وعمرو بن سعد بن أبى وقاص وزياد ابن أبيه (ابن الحرام) والحجاج بن يوسف الثقفى، الذى هدم الكعبة بالمنجنيق؟ هل مَن اكتفى بسباب الصحابة دون إعمال السيف فى خصومه هو الكافر، بينما مَن قتل الصحابة ومثَّل بجثثهم هو المؤمن الذى رضى الله عنه وأرضاه؟! ألم يقتل معاوية بن أبى سفيان الصحابى «الأشتر» بالسم فى العسل، ليقول معاوية بعدها: (إن لله جنودا من عسل)، ألم يأمر معاوية بحرق جثة محمد بن أبى بكر بن الصديق فى جوف حمار؟ ألم يقم السُّنة بقتل الحسن والحسين، سبطى رسول الله؟ ألم يأسروا حفيدات الرسول من النساء ليعاملوهن معاملة السبايا؟ ألم يعلق السُّنة من بنى أمية رؤوس آل البيت من أحفاد الرسول على أَسِنَّة الرماح، ليدخلوا بها على يزيد بن معاوية فى قصره بالشام، والذى حين رأى تلك الرؤوس معلقة قال: «اليوم قضيت دَيْنى من النبى»؟!!
هذا ما فعله أهل السُّنة بأهل السُّنة من الصحابة، فهل فعل الشيعة بعض ذلك فى أحد من الصحابة؟ مَن الذى أباد الصحابة من آل البيت، ومَن الذى جاد بروحه دفاعا عنهم.. أليس هم الشيعة، الذين نجد فى هذه الأيام مَن يستسهل رميهم بالكفر، قارعا طبول الحرب ضدهم؟ هل مَن يدافع عن أهل البيت ليعصمهم من القتل والإبادة هو الكافر، والذى أعمل فيهم سيف الغدر قتلا هو المؤمن حقا؟ لقد قلناها مرة تلو المرة ولم يتوقف أحد للتفكير فيها. إن الخلاف بين السُّنة والشيعة خلاف مفتعل ومصطنع لغاية نراها الآن ماثلة أمامنا، وهى تدمير أقطارنا العربية وتمهيد الأرض أمام إسرائيل لتكون هى صاحبة السطوة والهيمنة، فمَن الأَوْلَى إذن بالدعم والمناصرة: هل هم الذين يقفون خلف إسرائيل، أم الذين يقفون أمامها ممانعين ومقاومين؟!