رأى

من التحديات في الحج

استمع الي المقالة

كمال الهلباوي 11_kamal-el-helbawy

 التحديات فى العالم العربى دون بقية العالم كثيرة، لذلك فإن الموضوعات التى تتطلب علاجاً أو نقاشاً تزداد يوماً بعد يوم، ويغطى بعضها من الحديث على ما سبقه من أحداث. لكننى هنا أردت أن أتحدث عن الحوادث المؤسفة فى الحج هذا العام، حيث تتكرر مصائب الحج رغم كثرة التجديدات والإنفاقات والإشرافات.

«سلامة المرء أولاً وقبل كل شىء».. هذا هو الشعار الواجب.

عندما ينوى المسلم أداء فريضة الحج، يتجه بنيته إلى الله تعالى، ويستعد لذلك نفسياً وروحياً وبدنياً -قدر الاستطاعة- فيقل تمسكه بالدنيا والشهوات، ويتذكر معظم ذنوبه التى يأمل أن يخرج منها برحمة الله تعالى من خلال أداء الفريضة، إذ إن «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أو كما جاء فى الحديث.

ما أعظم هذه البشرى من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم).. وهى البشرى التى تذكرنا بمفتاح عظيم آخر من مفاتيح الجنة «مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه»، إذ إن ليلة القدر خير من ألف شهر، رغم أنها ليلة واحدة فى شهر رمضان المبارك، وكذلك فإن الحج «عرفة» أى إن الوقوف بـ«عرفه» هو الركن الأعظم الذى لا يصح الحج إلا به، ومن أداه ابتغاء وجه الله تعالى، ومراعاة الضوابط والشروط الأخرى، يرجع كيوم ولدته أمه. إذن ليلة فى رمضان هى مفتاح أكيد من مفاتيح الجنة، ويوم فى ذى الحجة (يوم عرفة) هو كذلك من أكبر وأعظم مفاتيح الجنة. ما أرحمك يا ربى بعبادك المذنبين.

شهد الحج العام المنقضى (1436 هجرية)، ما اصطلح على تسميته «تدافع منى» وبرزت اتهامات شديدة من عدة أطراف لأطراف أخرى وكثرت تلك الاتهامات خصوصاً بين السعودية وإيران، وهى اتهامات قد تكون صحيحة وقد تكون باطلة، وتلعب فيها السياسة دورها، وليس وراء هذه الاتهامات أدلة واضحة، إلا التقصير أو الإهمال فى حقوق الحجاج. نعم أقول ذلك رغم كل التسهيلات والأعمال المرهقة التى تتم كل سنة.

وحتى اليوم لم يتم الحصر الكامل للوفيات والمفقودين والمصابين، رغم أن السنة الهجرية الجديدة قد هل هلالها. كان أغرب الاتهامات اتهام الحجاج أنفسهم بأنهم السبب فيما حدث، وهى مسألة تنظيمية تتعلق بإدارة عملية الحجاج والحج، إذ إن الحجاج مشغولون بأنفسهم وقد يكون بعضهم شديداً فظاً فى تعاملاته، فلماذا لا يتم تعليمهم قبل أداء الحج؟ ولماذا لا يتم تنظيم الأعداد حسب الحجاج وحسب المشاعر حتى يكون الوجود فيها محسوباً؟

كانت حصيلة هذه الكارثة هى الأعلى فى العقود الأخيرة فى مواسم الحج، إذ توفى نحو ألف وخمسمائة حاج ولا يزال الحصر جارياً، فضلاً عن المفقودين والمصابين، أما واقعة سقوط «الكرين» (الرافعة) على الحجاج فأمر غريب ولا يمكن اتهام الحجاج ولا أى دول خارجية بهذا الذنب والإهمال الواضح. صحيح أن القدر نافذ، ولا يغنى حذر من قدر، ولكن القدر من وراء الإهمال أو سوء الإدارة يمكن أن نفر منه إلى قدر أفضل، بحسن الإدارة والاهتمام والعلم والتقنية الحديثة التى قد يستخدمها بعضهم فى البيوت الخاصة، ولا يستخدمونها فى الحرم بحجة أو بأخرى أو بفتوى بدوية متخلفة أو خوف من التحديث الواجب، للآلات والأدوات والوسائل اللازمة، خصوصاً فى موسم الحج.

هكذا كان السلف الصالح (رضوان الله تعالى عليهم) يفرون إلى الله تعالى بالعبادة والعمل الصالح والتدبر والنظرة المستقبلية والأدب فى أداء المناسك إلى قدر أفضل. ولنا فى «يا سارية الجبل» الدرس النافع، حيث كانوا يفرون من قدر الله تعالى إلى قدر الله تعالى الأفضل أو الأحسن أو الأقل سوءاً.ولعل السنين المقبلة تكون أفضل أمام الحجيج جميعاً.

دعونا، حجاجاً وحكاماً وشعوباً ومؤسسات، نتعلم معنى التلبية «لبيك اللهم لبيك»، والمعانى الجميلة فيها؛ وسنكون فى أحسن حال.

والله الموفق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى