سقطة وزير الأوقاف.. سلبية وزير الخارجية.. إبداع وزير الشباب.. وغرائب !
بما أن الدبلوماسية معنية بكل مكونات العلاقات البينية بين مصر ودول العالم، سياسيا وثقافيا واجتماعيا، فلماذ لم تتدخل وزارة الخارجية المصرية لإلغاء قرار وزير الأوقاف المحترم بمنع “المشايخ القُراء” الذهاب إلى دول إيران وتركيا وقطر؟! أليست الخارجية المسؤلة عن تبليح وترتطيب وضبط إيقاع عمليات المد والجذر بين مصر ودول العالم خاصة الفُرقاء؟! أليس القرار تقزيم لمكانة مصر الأزهر وعشق دول العالم لبلابل مجودى ومرتلى قُراء مصر؟! أليس فى قرار المنع والحجب.. طمس للهوية المصرية الثقافية؟! ألم نعتبر من الخسائر الفادحة من قرار السادات فى ثمانينات القرن المنصرم بمنع مدرسى اللغة العربية السفر لإيران بعد إقرار اللغة العربية “الأساسية” فى إيران؟! ألم يُدرك وزير الأوقاف أن رسالة الأوقاف “دعوية” وليست “سياسية” لبلاد العجم والمسلمين؟! أليس فى قرار “المنع أو الحجب” “ذنب” لحرمان عطشى الشعوب الإيرانية والتركية والقطرية بالارتواء بعذب القراءات السبعة لمشايخ مصر الأزهر؟! ألم يعى الوزير الموقر من أن قرار المنع هو بمثابة طامة كبرى لدور مصر المحورى؟! متى يصبح الوزير مرآة “مستوية” وليست محدبة أو مقعرة للرئيس الحاكم؟! لا شك أن الرئيس المنتخب ديمقراطيا حريص على سماع الرأى والرأى الآخر، لأنه ببساطة شديد الحرص على نجاحه وبالتالى إرضاء شعبه. الم يدرك وزير الأوقاف أن منصبه إلى زوال، وإلا ما آل إليه؟! ألم يُقِّر وزير الأوقاف أن مصر “السيسى” دولة حرية الرأى المسؤل وليست دولة الخوف أو التجمُّل والتلميع؟!
ومن الغريب ان هناك ما يُعرف بــ “نقابة” مشايخ القُراء، لكنها لم يكن لها صدى على الإطلاق.. أيضا إسترضاءا للوزير المبجل.. لا شك أن البشر جميعا خطَّاؤن، فما الضير إذن أن يكون هذا وذاك مرآة مستوية للمخطأ لطالما فى إطار الإحترام المتبادل؟! وكيف للأمم أن تتقدم وهناك من يصُم أذنيه ويعصب عينيه عن الخطأ.. هل لفت الإنتباه إلى الخطأ إرهاب؟! متى أضحى الإختلاف فى الرأى، ليس التخريب، جريمة ولا تُغتفر؟!
إن تحميل المسؤلية للأجهزة الأمنية عن قرار وزير الأوقاف الموقر بمنع مشايخ الأزهر، قُراء وواعظين، ليس من الإنصاف لأن إذا كان الأمر كذلك، لكان هناك قرار بمنع الوفد السينمائى المصرى الذى سافر إلى طِهران لحضور مهرجان “الفجر السينمائى”.. أليس كذلك؟! فمتى يتقى الوزير المحترم الله فيما تتعرض له الأجهزة الأمنية من القيل والقال وهى الساهرة على أمن الشعب المصرى ليلا ونهاراََ؟!
والشىء بالشىء يُذكر.. فكم كان رائعاََ وبارعا.. وزير الشباب والرياضة عندما أصر على مشاركة فريق كرة اليد المصرى فى بطولة العالم لكرة اليد في الدوحة القطرية مطلع العام الجارى.. وكم أجبر أداء الفريق الفرعونى أمير قطر التصفيق له فى انتصاراته خلال الدورة.. وكم رفع نسور مصر رؤس الجالية المصرية فى قطر وخارجها. ولا شك أن لهذا كان الأثر فى تهدئة ودعم العلاقات البينية بين مصر وقطر والمعنية بها وزارة الخارجية. ولأن مشاركة مصر فى مثل هذه التظاهرات لهو تأكيد للصدارة والهوية المصرية.. أليس كذلك ياوزير الأوقاف؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!
وبعنوان ” إذ يصبح المخالف عدواََ” للكاتب العملاق وشيخ الكُتَّاب الأستاذ فهمى هويدى.. يقول فيه: حين قرأت أن وفدا من الفنانين المصريين سافر إلى طهران لحضور مهرجان «الفجر» السينمائى، فى حين أن وزارة الأوقاف المصرية منعت سفر قراء القرآن إلى إيران فى شهر رمضان قلت إيران كسبت ومصر خسرت. ذلك أن إيران دافعت عن فنها وكبرت فى حين أن مصر فى هذا المشهد تخلت عن دورها وصغرت. أدرى أن قرار الحظر الذى أصدره وزير الأوقاف شمل تركيا وقطر إلى جانب إيران، وهى الدول التى يفترض أنها مشتبكة سياسيا مع مصر فى الوقت الراهن. كما أننى لست متأكدا من أن منع القراء تم بناء على قرار شخصى من وزير الأوقاف أم أنه تم بتوجيه من الأجهزة الأمنية. وأرجح الاحتمال الأول، لأنه لو كان هناك قرار سيادى فى الموضوع لما سمح للوفد السينمائى بالسفر إلى طهران. لذلك لا أستبعد أن يكون وزير الأوقاف قد تصرف مستلهما اتجاهات الريح السياسية خصوصا أننا نلمس منه حرصا فى ذلك بلغ حد المزايدة والغلو. ناهيك عن أن قرون الاستشعار الأمنية فى وزارة الأوقاف تؤدى دورها بهمة ونشاط منذ سنوات، وقد ارتفعت مؤشرات ذلك التماهى بشدة فى الآونة الأخيرة التى شهدت صراعا لم يهدأ مع الإخوان. ولأن أجهزة الدعوة فى الأوقاف على تماس مع هذه الدائرة، فإننا وجدنا الوزير المذكور حريصا على أن يثبت أنه فارس تلك المرحلة.
القاصى والدانى يعرف جيدا أن قراء القرآن المصريين لهم سمعتهم العطرة وجمهور المعجبين والمقلدين فى مختلف أنحاء العالم العربى والإسلامى. وهذا الرصيد الإيجابى يعد جزءا من قوة مصر الناعمة الذى يعزز دورها ومكانتها فى تلك الأرجاء. بالتالى فإن منع المقرئين من السفر خلال شهر رمضان إلى الدول المختلفة سياسيا مع مصر يعد تفريطا فى ذلك الرصيد وسحبا منه، إذ لن يغيب اسم مصر وتأثيرها فقط فى هذه الحالة، وإنما سيحدث ذلك فراغا يسمح لآخرين بملئه.
فى حين أن التصرف العاقل الذى يخدم مصالح الدولة ويحافظ على رصيدها يقضى بمحاصرة دائرة الخلاف السياسى بين الحكومات إذا كان لابد من استمراره. وفى الوقت ذاته الحفاظ على استمرار العلاقات والمصالح بين الشعوب، لأن الأنظمة متغيرة والشعوب ثابتة وباقية. أما مصادرة علاقات الشعوب ومصالحها لصالح السياسة وإلحاقها بتلقباتها فهو سمة المجتمعات الاستبدادية، التى تؤمم فيها السياسة لصالح الأنظمة الحاكمة التى لا تكتفى باحتكار السلطة والثروة، وإنما تشكل وجدان الناس ومشاعرهم على النحو الذى يخدم سياساتها، وهى الرؤية الفرعونية التى عبر عنها القرآن (فى سورة غافر) حين نقل على لسان الفرعون قوله: «لا أريكم إلا ما أرى». الأمر الذى يفرض على الناس ألا يروا محيطهم أو مصالحهم بأعينهم وتبعا لرؤيتهم ومصالحهم. ولكنهم يصبحون ملزمين بأن يروا كل ذلك فقط بعين السلطة وحساباتها.
فى بداية ثمانينات القرن الماضى بعد إنجاز دستور الجمهورية الإسلامية فى إيران الذى نص على اعتبار اللغة العربية أساسية فى البلاد، طلبت طهران آنذاك من الحكومة المصرية إعارتها مجموعة من المدرسين الذين يتولون تدريس اللغة العربية فى المدارس الإيرانية، ولكن الرئيس السادات الذى كان مخاصما للثورة رفض الطلب. وكان لذلك أثره على تعثر العملية وإضعاف تعلم اللغة العربية بين الأجيال الجديدة من الإيرانين. وتلك خسارة كبرى ضيعت على مصر والعالم العربى فرصة توسيع مجالات التعاون الثقافى من المجتمع الإيرانى. وهو البعد الذى لم يره السادات آنذاك لأنه كان متأثرا بمشاعره الشخصية وحسابات اللحظة، التى طغت على الرؤية الاستراتيجية واستبعدتها.
إن وزير الأوقاف لم يضع فى اعتباره الحفاظ على اسم مصر وتأثيرها فى الدول التى منع القراء من السفر إليها. ولم يلق بالا لكون إيران وتركيا من أكبر وأهم دول المنطقة التى لا ينبغى لمصر الدولة أن تغيب عنها. لكنه كان مشغولا بالتفاعل والتضامن مع الخصومة السياسية التى يكنها النظام المصرى لمخالفيه. وحدث ذلك رغم أن وزير الأوقاف والشئون الإسلامية فى مصر ليس موظفا مصريا رفيعا وحسب، ولكن اختصاصه بشئون الدعوة الإسلامية يوسع من محيط عمله ويحمل بمسئولية عابرة للحدود المصرية، وبقراره فإنه قدم نفسه باعتباره موظفا حكوميا وليس رجل دعوة ولا حتى رجل دولة.
رغم خصوصية موقعه إلا أن وزير الأوقاف لم ينفرد بالتصرف الذى أقدم عليه. لأن ما حدث مع إيران بخصوص المقرئين تكرر بصورة أوسع مع تركيا. التى منع سفر طلاب قسم اللغات الشرقية من السفر إليها، كما أن الخلاف السياسى أدى إلى تدهور العلاقات على مستويات عدة، كان التعاون الاقتصادى من أبرزها. أما تدهور العلاقات مع قطر فحدث فيه ولا حرج، لأن بصمات الخصومة السياسية لم تترك مجالا وانطبعت عليه وأثرت فيه بالسلب.
أختم بملاحظتين، إحداهما أنه مما يثير الانتباه ويبعث على الدهشة أن عمق الخصومات واتساع نطاقها يحدث مع الدول الشقيقة بوجه أخص ــ عربية كانت أم إسلامية ــ لكنه لا يحدث بنفس القدر مع الدول الغربية والآسيوية الأخرى، (هل لأن العَشَم أكبر فى الأشقاء؟). الملاحظة الثانية أنه ما إن يرفع رضا السلطة فى مصر عن شخص أو مؤسسة أو دولة، حتى تتسابق مختلف الجهات فى تصفية حساب السلطة مع ذلك الطرف والإعراب عن عدم رضاها عنه. وهو ما نلمسه فى أجهزة الإعلام وأجهزة الأمن والإدارة وصولا إلى الجمارك والضرائب والمصارف وغير ذلك، وهو ما يحول عدم الرضا السياسى إلى لعنة تلاحق الطرف المستهدف فى دنياه، وربما تمنوا ان تطارده فى آخرته؟ إلى هنا ينتهي مقال شيخ الكُتَّاب.
* فهل يُثبت ويؤكد وزير الأوقاف شجاعته الأدبية ويتراجع عن القرار؟!