رأىسلايدر

ما هي الجزرة الإيرانية التي حفزت أمريكا على التفاوض؟

استمع الي المقالة

د. أحمد مصطفى يكتب

يشير مصطلح ”الجزرة الإيرانية“ إلى حافز جيوسياسي واقتصادي استراتيجي سعت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، إلى انتزاعه من إيران خلال المحادثات النووية التي جرت في مسقط في سلطنة عمان وروما في إيطاليا. وكانت هذه المحادثات، وهي جزء من جهود أوسع نطاقاً لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، تهدف إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف القيود الاقتصادية والاندماج في الأسواق العالمية.

وترمز ”الجزرة“ إلى الوعد بالمنافع الاقتصادية، بما في ذلك الوصول إلى موارد الطاقة الإيرانية الهائلة، والنفوذ الإقليمي، والسوق المربحة المحتملة، والتي يمكن أن تعوض تكاليف الامتثال لكل من إيران والولايات المتحدة. وكانت المحادثات في مسقط وروما بالغة الأهمية، لأنها تمثل فرصة نادرة للدبلوماسية المباشرة بين البلدين اللذين كانا خصمين لعقود. وكان من المتوقع أن تستفيد الجولة الثالثة في مسقط من التقدم الذي تم إحرازه في الجلسات السابقة، على الرغم من أن النتيجة ظلت غير مؤكدة بسبب انعدام الثقة المتجذر والمصالح المتنافسة.

وقد أثار انخراط الولايات المتحدة في هذه المفاوضات، لا سيما في ظل قيادة ترامب، دهشة الأطراف الإقليمية المعنية، بما في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وينبع عدم ارتياح نتنياهو المعلن من الحوار البنّاء بين الولايات المتحدة وإيران من مخاوف إسرائيل الطويلة الأمد بشأن طموحات إيران النووية ونفوذها الإقليمي. ولطالما اعتبرت إسرائيل إيران تهديدًا وجوديًا لها، وأي تقارب متصور بين واشنطن وطهران يمكن أن يقوض موقف إسرائيل الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

وربما تفاقم ”دوار“ نتنياهو بسبب المخاوف من أن يؤدي الاتفاق الأمريكي الإيراني إلى إضعاف نفوذ إسرائيل في معالجة مخاوفها الأمنية، لا سيما فيما يتعلق بشبكات إيران الوكيلة في لبنان وسوريا وغزة. علاوة على ذلك، كانت القاعدة السياسية لنتنياهو في إسرائيل تاريخيًا متشككة في أي مبادرات دبلوماسية مع إيران، الأمر الذي قد يكون له آثار سياسية داخلية على الزعيم الإسرائيلي.

أما مسألة ما إذا كان ترامب ينوي معاقبة نتنياهو على عدم الوفاء بوعده بتهجير سكان غزة في غضون أسبوعين في آذار/مارس 2025، فهي مسألة تخمينية ولكنها تستحق الدراسة. وعلى الرغم من عدم وجود دليل مباشر يربط سياسة ترامب تجاه إيران بجدول زمني أو إجراء محدد كهذا، إلا أنه من المعقول أن إدارة ترامب اعتبرت عدم قدرة نتنياهو على الوفاء بالتزامات معينة بمثابة فشل في التوافق مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية.

فغالبًا ما كانت سياسة ترامب الخارجية تعطي الأولوية للعلاقات القائمة على المعاملات، حيث كان من المتوقع أن يقابل الحلفاء الدعم الأمريكي بأفعال ملموسة. وفي حال فشل نتنياهو في تلبية التوقعات، لا سيما في قضايا مثل غزة، كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى توتر العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مما قد يؤثر على نهج ترامب تجاه إيران. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن نزوح سكان غزة قضية معقدة وحساسة للغاية، تنطوي على أبعاد إنسانية وقانونية وجيوسياسية لا يمكن اختزالها في جدول زمني أو وعد بسيط.

فـ الفرضية القائلة بأن إيران وعدت ترامب بالوصول إلى سوقها الأكبر في الشرق الأوسط، التي تأتي في المرتبة الثانية بعد مصر، لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الركود التضخمي، هي فرضية مثيرة للاهتمام وتستدعي تحليلًا دقيقًا. فـ الاقتصاد الإيراني، على الرغم من العقوبات الشديدة المفروضة عليه، يتمتع بإمكانات كبيرة بسبب احتياطياته الهائلة من النفط والغاز، وموقعه الاستراتيجي، وسوقه الاستهلاكية الكبيرة. وإذا ما مُنحت الولايات المتحدة وصولًا تفضيليًا إلى هذه السوق، فقد يوفر ذلك دفعة اقتصادية تشتد الحاجة إليها، لا سيما إذا كان الاقتصاد الأمريكي يتجه بالفعل نحو الركود التضخمي، كما أشارت بعض التقارير الاقتصادية.

ويشكل الركود التضخمي، الذي يتسم بـ ركود النمو الاقتصادي المقترن بارتفاع التضخم، تحديًا كبيرًا لأي إدارة، وربما رأى فريق ترامب في الاتفاق مع إيران وسيلة لتحفيز النشاط الاقتصادي. ومع ذلك، فإن مثل هذا الوعد من إيران كان سيتطلب تنازلات كبيرة، بما في ذلك رفع العقوبات والضمانات الأمنية، الأمر الذي كان سيثير جدلاً سياسياً في كل من الولايات المتحدة وإيران.

إن المقارنة بين السوق الإيرانية والسوق المصرية ذات مغزى، حيث تمثل مصر أحد أكبر الاقتصادات وأكثرها ديناميكية في العالم العربي. وإذا ما فتحت إيران سوقها أمام الشركات الأمريكية، فمن المحتمل أن تنافس أهمية مصر الاقتصادية في المنطقة، مما يوفر فرصًا مربحة في قطاعات مثل الطاقة والبنية التحتية والسلع الاستهلاكية.

وكان من الممكن أن يكون هذا الأمر جذابًا بشكل خاص لترامب، الذي غالبًا ما أكد على أهمية الصفقات الاقتصادية التي تعود بالنفع على الشركات والعمال الأمريكيين. ومع ذلك، فإن تحقيق مثل هذه الرؤية كان سيعتمد على استعداد الطرفين للتوصل إلى حل وسط وقدرة الولايات المتحدة على الإبحار في المشهد الجيوسياسي المعقد في الشرق الأوسط.

أخيرا، تمثل ”الجزرة الإيرانية“ حافزًا متعدد الأوجه سعى ترامب إلى الاستفادة منه من خلال المحادثات النووية في مسقط وروما. وفي حين أن الملامح الدقيقة للمفاوضات لا تزال سرية، فمن الواضح أن الرهانات كانت عالية، ولم تقتصر على الانتشار النووي فحسب، بل شملت أيضًا المصالح الاقتصادية والجيوسياسية. فـ عدم ارتياح نتنياهو، وإجراءات ترامب العقابية المحتملة، والوعود بالوصول إلى الأسواق، كلها تسلط الضوء على الشبكة المعقدة من الدوافع والعواقب التي حددت هذه المحادثات. ومع اقتراب الجولة الثالثة من المفاوضات، سيراقب المجتمع الدولي عن كثب لمعرفة ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة وإيران إيجاد أرضية مشتركة، وما إذا كانت ”جزرة“ التعاون الاقتصادي ستكون كافية للتغلب على عقود من انعدام الثقة والعداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى