إقتصادسلايدر

بعد رفع أسعار الوقود بلا حدود.. “البنك الدولى وصندوق النقد الدولى يواصل”حرق” المصريين..؟!

استمع الي المقالة

د. أحمد مصطفى يكتب

لقد أدى قرار الحكومة المصرية المتكرر برفع أسعار الوقود، بناءً على توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى جدل عام كبير. فمع معدل فقر يبلغ حوالي 40%، فإن آثار هذه السياسة كبيرة. ويرى المؤيدون أن هذه الزيادات ضرورية للاستقرار الاقتصادي وتقليل العجز المالي، بينما يرى المنتقدون أنها تضر بالفئات الضعيفة من السكان، وتزيد من تفاقم التفاوتات الاقتصادية. هذا النقاش ليس مجرد نقاش نظري؛ فهو يؤثر على العديد من المصريين الذين يعانون ماليًا.

وتعد زيادة أسعار الوقود جزءاً من إصلاحات اقتصادية أوسع نطاقاً، تهدف إلى خفض الدعم غير الفعال الذي يستفيد منه الأثرياء. ويمكن للحكومة استخدام المدخرات الناتجة عن خفض الدعم في برامج اجتماعية مستهدفة. ومع ذلك، يشك الكثيرون في أن المزايا الموعودة ستحدث بالفعل، مما يثير المخاوف بشأن الآثار الفورية والشديدة على الحياة اليومية. ويتمثل أحد المخاوف الهامة في أن ارتفاع تكاليف الوقود سيؤدي إلى التضخم، مما سيزيد من الإضرار بالأسر ذات الدخل المنخفض.

بالإضافة إلى ذلك، قد تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهي شركات حيوية للاقتصاد المصري، من زيادة التكاليف، مما قد يؤدي إلى تسريح العمال وارتفاع معدلات البطالة. كما أن ثقة الجمهور في الحكومة هي أيضاً مصدر قلق، حيث يشعر الكثيرون أن القرار يفتقر إلى الشفافية. ولإعادة بناء الثقة، تحتاج الحكومة إلى تواصل أوضح حول هذه التغييرات والفوائد المرجوة منها.

هل تحتاج مصر إلى الانصياع لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فيما يتعلق بزيادة أسعار الوقود في 2025؟

في عالم الحوكمة الاقتصادية المعقد، يتمتع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتأثير كبير على السياسات المالية للبلدان النامية، مثل مصر. فغالبًا ما يقترحان إصلاحات هيكلية وانضباطًا ماليًا وتحريرًا للأسواق، وهو ما قد يتسبب في آلام اقتصادية قصيرة الأجل. في مصر، توصي هذه المؤسسات برفع أسعار الوقود للمساعدة في خفض العجز المالي ومواءمة الأسعار المحلية مع الأسعار الدولية. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن ما إذا كان ينبغي على مصر اتباع هذه التوصيات في عام 2025 وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على التضخم والاقتصاد الأوسع نطاقاً.

ويستند المنطق وراء نصيحة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى العرض والطلب والاستدامة المالية. فزيادة أسعار الوقود يمكن أن تخفف من عبء الدعم الحكومي، الذي بلغ حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2021، وهو غير مستدام على المدى الطويل. يعتقد المؤيدون أن رفع الدعم يمكن أن يمول البرامج الاجتماعية الأساسية والبنية التحتية، مما يؤدي إلى اقتصاد أكثر كفاءة. في حين يحذر المنتقدون من أن مثل هذه السياسة قد تؤثر بشدة على السكان الضعفاء.

يمكن أن تؤثر زيادة أسعار الوقود بشكل كبير على التضخم، حيث تلعب تكاليف الطاقة دورًا حاسمًا. قد يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة تكاليف النقل، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات. تشير الدراسات إلى أن زيادة أسعار الوقود بنسبة 10% قد ترفع التضخم الكلي بنسبة 1. 5% إلى 2%. وهذا يمكن أن يقلل من القوة الشرائية للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض ويزيد من حدة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة تكاليف السلع، لا سيما في بلد مثل مصر التي تعتمد على الواردات. وقد ترتفع أسعار المواد الغذائية، مما يساهم في انعدام الأمن الغذائي والاضطرابات الاجتماعية المحتملة. وللتخفيف من الآثار السلبية على الفئات الضعيفة، ستحتاج الحكومة إلى تنفيذ شبكات أمان اجتماعي قوية، مما يتطلب موارد مالية كبيرة.

وعلى الرغم من التحديات، فإن مواءمة أسعار الوقود مع أسعار السوق لها فوائد طويلة الأجل. فقد يسمح خفض الدعم بمزيد من الاستثمار في الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، مما يعزز النمو الاقتصادي المستدام. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يشجع ارتفاع أسعار الوقود على الاستخدام الفعال للطاقة والاستثمارات في الطاقة المتجددة، مما يدعم الأهداف البيئية العالمية. ومع ذلك، يجب على الحكومة ضمان الانتقال التدريجي وتنفيذ تدابير داعمة للصناعات والأسر المعيشية المتأثرة لتقليل الاضطرابات إلى أدنى حد ممكن.

هل تعاني مصر من أزمة المستشارين الائتمانيين والاقتصاديين والماليين ؟

تواجه مصر مشاكل اقتصادية ومالية خطيرة، وقد تفاقمت هذه المشاكل بسبب نصائح المستشارين الماليين الموالين للغرب، بما في ذلك مستشاري البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وغالبًا ما يوصي هؤلاء المستشارون بسياسات تركز على التقشف وتحرير السوق، على الرغم من أن مثل هذه الاستراتيجيات تسببت في مشاكل اقتصادية واضطرابات اجتماعية في الغرب. وهذا يثير التساؤل عن سبب تفضيل الحكومة المصرية لهذه التوصيات الغربية في حين أن هناك اقتصاديين آخرين يقترحون خيارات أكثر ملاءمة لمصر.

أحد أسباب هذا الاعتماد على المستشارين الغربيين هو ربما المصداقية والدعم الدولي الذي توفره توصياتهم. فتأييد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يمكن أن يؤدي إلى تمويل واقتراض دولي مهم، ولكن تنفيذ تدابيرهم التقشفية، مثل خفض الدعم، يمكن أن يضر بشكل خطير بالسكان المصريين، الذين يعاني الكثير منهم بالفعل من الناحية المالية. فعلى سبيل المثال، أدى رفع الدعم عن الوقود إلى زيادة تكاليف المعيشة وتفاقم الفقر.

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تعكس النظريات الاقتصادية التي يقدمها المستشارون الغربيون عقلية نيوليبرالية تعطي الأولوية لكفاءة السوق دون النظر إلى السياق المصري الفريد. في المقابل، يقترح اقتصاديون آخرون (المستقلون والمحايدون واليسار) سياسات تركز على الرفاه الاجتماعي والتوزيع العادل للموارد، بهدف تحقيق النمو الشامل.

خطيئة الرئيس الراحل أنور السادات تصريحه “99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا”، قول خاطيء وباطل مع الأسف.

كما أن العلاقة التاريخية بين مصر والغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة الأمريكية، قد شكلت أيضًا خيارات الحكومة المصرية. فالدعم المالي والسياسي من الغرب يخلق تبعية يمكن أن تثني عن استكشاف سياسات أكثر تقدمية. وأخيراً، لم تحقق التجارب السابقة مع السياسات الاقتصادية الغربية في مصر نتائج إيجابية، مما أدى إلى زيادة عدم المساواة والتحديات الاجتماعية. ويشير هذا التاريخ إلى حاجة مصر إلى النظر في استراتيجيات اقتصادية بديلة تخدم مواطنيها بشكل أفضل.

تتمتع مصر ببدائل استراتيجية بعيدة عن توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لزيادة أسعار الوقود

تمر مصر بمرحلة حاسمة في تطورها الاقتصادي، حيث بدأت في التشكيك في اعتمادها التقليدي على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فكثيراً ما أوصت هاتان المؤسستان بتحرير أسعار الوقود، الأمر الذي تسبب في اضطرابات عامة بسبب الزيادات المفاجئة والحادة في الأسعار. ومع ذلك، تجد مصر خيارات جديدة للدعم، خاصة مع عضويتها المرتقبة في مجموعة بريكس+ في عام 2024. ستعمل هذه العضوية على تنويع مصادر الدعم المالي وتتيح لها الحصول على قروض أفضل من تلك التي تحصل عليها من الجهات الغربية.

منذ عام 2014، أقامت مصر شراكات استراتيجية مع الصين وروسيا، والتي أثرت بشكل كبير على اقتصادها. وقد أدت هذه العلاقات إلى زيادة التجارة والاستثمار، مما ساعد مصر على تأمين التمويل والتكنولوجيا للمشاريع الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة وتوسعة قناة السويس. وعلى نحو مماثل، تهدف مشاركة روسيا في قطاع الطاقة في مصر، خاصة في محطة الضبعة للطاقة النووية، إلى تحسين أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد. وتمنح هذه الشراكات مصر استقلالاً اقتصادياً مهماً في ظل الديناميكيات العالمية المتغيرة.

كما تعمل مصر أيضاً على تطوير علاقاتها مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يضم دولاً غنية بالنفط مثل روسيا وكازاخستان. ويمكن لهذا التحالف أن يعزز أمن الطاقة في مصر من خلال توفير مصادر طاقة مستقرة وبأسعار معقولة. ويساعد الانخراط مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مصر على إدارة سياسات الطاقة دون مواجهة صدمات اقتصادية مفاجئة من تقلبات الأسعار.

وبالإضافة إلى ذلك، تستكشف مصر خيارات إمدادات الوقود من إيران وفنزويلا، الأمر الذي من شأنه أن يسمح بالتعامل بالجنيه المصري بدلاً من العملات الأجنبية، مما يقلل من احتياجات النقد الأجنبي. ويفيد هذا الترتيب كلاً من مصر وهذين البلدين من خلال تجاوز العقوبات الدولية. وعموماً، تعكس هذه البدائل الاستراتيجية تغيرات الاقتصاد العالمي وتمنح مصر فرصاً للتفاوض على صفقات أفضل لشعبها وتعزيز التنمية المستقرة.

يجب أن تبحث مصر عن ملجأ مالي وائتماني

في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، تضاءلت الثقة في المؤسسات المالية الغربية التقليدية مثل الاحتياطي الفيدرالي ونظام سويفت. وقد كشفت هذه الأزمة عن نقاط الضعف في هذه الأنظمة التي تتأثر بشكل أساسي بالقوى الغربية. وبالنسبة لمصر، من الأهمية بمكان البحث عن أنظمة مالية بديلة يمكن أن توفر المزيد من الاستقرار والاستقلالية. ومن خلال رقمنة الجنيه المصري (EGP) والعمل مع الصين، يمكن لمصر أن تتواصل مع مجموعة اقتصادية مؤثرة تقدم حلولاً حديثة في مجال التمويل الرقمي. ولن يؤدي هذا التحول إلى خفض الاعتمادات المالية لمصر فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تعزيز استقرارها الاقتصادي في ظل حالة عدم اليقين العالمية.

يمكن أن تؤدي رقمنة الجنيه المصري إلى العديد من المزايا، مثل تحسين الوصول إلى الخدمات المالية، وانخفاض تكاليف المعاملات، وتحسين الشفافية. بحلول عام 2021، لم يكن لدى حوالي 53% من المصريين خدمات مصرفية أساسية. يمكن للعملة الرقمية أن تسد هذه الفجوة، وتدمج المزيد من الأفراد في النظام المالي. يمكن أن تضمن تقنية البلوك تشين إجراء معاملات آمنة، مما يقلل من مخاطر الاحتيال ويساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. يمكن للجنيه المصري الرقمي أن يفتح المجال أمام الوصول إلى الائتمان ويقلل من التكاليف المصرفية، مما يعزز بيئة أعمال أكثر ديناميكية.

ويمكن أن توفر الشراكة مع الصين، المعروفة بتقدمها في مجال التمويل الرقمي، لمصر الخبرة والتمويل اللازمين لهذه التغييرات. يقدم اليوان الرقمي الصيني دروساً في إدارة العملات الرقمية. علاوة على ذلك، يمكن لمبادرة الحزام والطريق الصينية أن تعزز التعاون الاقتصادي. ويمكن لهذه الشراكة أن تساعد مصر على تقليل الاعتماد على الأنظمة المالية الغربية وبناء اقتصاد أكثر استقلالية.

كما أكد ركود عام 2008 على أهمية النظم الائتمانية البديلة. ويمكن للتمويل الإسلامي، القائم على العدالة وتقاسم المخاطر، أن يكون بديلاً عملياً للخدمات المصرفية الغربية. ويمكن لتعزيز التمويل الإسلامي والتمويل الجماعي أن يجذب المستثمرين الأخلاقيين. ويمكن أن يؤدي التمويل الجماعي إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على إمكانية الحصول على التمويل، مما يعود بالفائدة على الشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة، خاصة بالنسبة لرواد الأعمال الشباب الذين يجدون صعوبة في الحصول على التمويل التقليدي. ويمكن للحكومة المساعدة من خلال دعم التمويل الجماعي وبيئة التكنولوجيا المالية.

علاوة على ذلك، يتطلب دمج هذه الأساليب المالية الجديدة تغييرات كبيرة في التعليم المصري في مجال الاقتصاد. فالمناهج الدراسية الحالية تركز في الغالب على النظريات الغربية، والتي قد لا تناسب السياق المصري. وسيؤدي إدراج التمويل الإسلامي والتمويل الجماعي (الجمعيات) إلى إعداد الطلاب لاقتصاد عالمي أكثر تنوعًا، وتدريبهم في مجالات أساسية مثل البلوك تشين والممارسات الأخلاقية. يمكن لهذه الإصلاحات التعليمية أن تؤهل الاقتصاديين والمديرين المصريين المستقبليين لقيادة التغييرات الاقتصادية وضمان الازدهار على المدى الطويل.

وختامًا، فإن الجدل حول ارتفاع أسعار الوقود في مصر معقد، وينطوي على قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية. وفي حين أن توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تستند إلى مبادئ اقتصادية راسخة، إلا أن هناك حاجة إلى التنفيذ الدقيق لمنع تفاقم الفقر وعدم المساواة الاجتماعية. يجب على الحكومة إيجاد توازن بين المسؤولية المالية والعدالة الاجتماعية، وضمان عدم إهمال الفئات الضعيفة. ومن شأن اتباع نهج شفاف وشامل أن يساعد في بناء الثقة والدعم للإصلاحات، مما يؤدي إلى مجتمع أكثر استقراراً وعدالة. كما تؤثر زيادة أسعار الوقود بشكل كبير على التضخم وتكاليف المعيشة والاستقرار الاقتصادي. وينبغي تنفيذ أي تغييرات في السياسات لتقليل الآثار السلبية على الفئات السكانية الأكثر ضعفاً. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الإدارة المصرية أن تأخذ بعين الاعتبار المشورة من وجهات نظر متنوعة، بما في ذلك المستشارين المحايدين واليساريين، لوضع حلول مستدامة. ويمكن أن يؤدي استكشاف شراكات اقتصادية جديدة وتنويع العلاقات إلى تعزيز اقتصاد مصر، في حين أن رقمنة عملتها وإصلاح التعليم سيدعم ازدهارها على المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى