
د. احمد طاهر
مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية
في خضم التحولات التي يشهدها العالم على مدى العشر سنوات الأخيرة وربما قبلها بقليل، تعددت الرؤى والجهود في سبيل الكشف عن ملامح النظام الدولى الجديد واتجاهاته وانعكاساته، وفى هذا السياق، جاء المنتدى السياسى الذى نظمته جامعة ADA، بالعاصمة الأذربيجانية باكو بالتعاون مع مركز تحليل العلاقات الدولية (AIR) في نسخته السابعة والتي عُقدت خلال الفترة من 7-10 أبريل الجارى (2025)، تحت عنوان “صياغة النظام العالمي الجديد: السيادة، والمرونة، والاستدامة”، مستكملا بذلك سلسلة المنتديات السياسية الدولية التي عقدها الطرفان معا منذ عام 2021، حيث جمعت هذه المنتديات خبراء مراكز الفكر والسياسيين والدبلوماسيين والاكاديميين للخروج برؤى ومقاربات تتعلق بموضوع كل منتدى.
وإذا كان صحيحا ان المنتديات الستة السابقة ركزت بشكل رئيس على عملية السلام في جنوب القوقاز وانعكاساتها على الأوضاع الإقليمية والدولية انطلاقا مما شهدته هذه المنطقة منذ تسعينيات القرن المنصرم عقب تفكك الاتحاد السوفيتى، واحتلال أرمينيا لإقليم كاراباخ الاذرى تحديدا منذ عام 1992، مارست فيه كافة صور الانتهاكات والخروقات إلى ان تمكنت أذربيجان في معركة عسكرية عُرفت بحرب الأربعة والأربعين يوما عام 2020 من استعادة أراضيها بتحقيق نصر مظفر، استكملته بجولة من المفاوضات مكنتها من استعادة بقية الأقاليم المجاورة لتبدأ صفحة جديدة من التفاعلات في منطقة جنوب القوقاز، وهو ما اعطى للمنتدى بعدا آخر في تناول ابرز القضايا المثارة على الساحة الدولية والمرتبطة بالتحولات الجيواستراتيجية التي يشهدها عالم اليوم، دون اغفال المستجدات التي تشهدها منطقة جنوب القوقاز وكيفية المحافظة على السلام الذى تحقق والعمل على تنمية شعوب المنطقة بما يضمن ترسيخ أسس السلام والامن المستدامين.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المنتدى قد اكتسب زخمه من عاملين مهمين:
الأول، مشاركة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في فعاليات هذا المنتدى من خلال تخصيص جلسة حوارية مع الخبراء والمتخصصين لمناقشة مختلف القضايا والملفات سواء تلك المتعلقة بالشأن الأذربيجاني او بالأوضاع في منطقة جنوب القوقاز او متعلقة بالأوضاع والأزمات العالمية، وهذا ما تحقق في المنتدى السابع، إذ التقى الرئيس إلهام علييف بالخبراء المشاركين في فعاليات هذا المنتدى ودارت مناقشات عدة حول سياسات أذربيجان بشأن الامن والاستقرار الإقليمي، ورؤيتها بشأن الازمات الدولية بدءا من الازمة الروسية الأوكرانية التي تراوح مكانها رغم الجهود المبذولة بسبب تباعد وجهات نظر الطرفين، مرورا بأزمات منطقة الشرق الأوسط والتي تحمل أبعادا عدة، وصولا إلى الازمات العالمية مثل التغير المناخى والتنمية المستدامة والإرهاب والفقر وغيرها.
أما الامر الثانى الذى اكسب هذا المنتدى اهميته، يأتي من تعددية الخبراء المشاركين في هذا المنتدى سواء من حيث التخصصات والخبرات والمعارف أو من حيث الدول التي ينتمون إليها إذ يشارك في فعاليات المنتدى ممثلي لدول عديدة في مختلف القارات، وهو ما يعطيه زخما كبيرا في حجم المناقشات وتبادل الرؤى وتنوع الأفكار، وهو ما شهده المنتدى السابع الذى اكتسب سمتين اضافيتين: الأولى انه عُقد في جامعة كاراباخ في إقليم خانكندى – احد الأقاليم المحررة من الاحتلال الأرميني – وهذه هي المرة الأولى الذى يعقد منتدى بهذا المستوى في الجامعة المنشأة حديثا بما اعطى للمشاركين صورة واقعية عن التدمير الذى ارتكبته أرمينيا بحق الإقليم، وما حققته أذربيجان من نجاح في استعادة الامن والاستقرار والتنمية إلى الأقاليم السبعة المحررة. أما السمة الثانية، فقد شارك في فعاليات المنتدى ممثلي رئيس الجمهورية في تلك الأقاليم وهى رسالة سياسية أكدت للمشاركين مدى الاهتمام الذى توليه القيادة السياسية الأذربيجانية لهذا المنتدى ودوره في طرح الرؤى والأفكار والمقاربات.
خلاصة القول إن فعاليات هذا المنتدى بصفة عامة واللقاء الذى جمع خبراءه مع الرئيس إلهام علييف على وجه الخصوص، قدمت رؤى عديدة واطروحات متنوعة بشأن التحديات التي يواجهها العالم في قادم الأيام وكيفية مواجهتها والحد من تداعياتها وانعكاساتها، للتخفيف من آثارها على أوضاع الشعوب ومستويات معيشتهم من ناحية، وعلى امن الدول واستقرارها وسيادتها من ناحية أخرى.