رأى

ثورة 25 يناير كانت للتغيير وليس التوريث

استمع الي المقالة

بقلم: د. أحمد مصطفى

كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر لحظة محورية في تاريخ الأمة، ومن الضروري دراسة الدوافع والنتائج التي كانت وراءها، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يزعمون أنها كانت مجرد مؤامرة. يبرز سؤال حاسم للمشككين: إذا لم تكن مؤيدًا للثورة، فهل انحازت إلى هياكل السلطة القائمة التي كانت تفضل وصول جمال مبارك المحتمل إلى الرئاسة؟ إن سياق هذا التساؤل يؤكده المناخ السياسي السائد في ذلك الوقت، والذي اتسم بتعميق السخط العام وتزايد استبداد النظام. وتعكس التعديلات التي أدخلت على الدستور المصري في عام 2007، والتي هدفت ظاهريًا إلى ترسيخ سلطة الحزب الحاكم، محاولة يائسة من إدارة حسني مبارك لتعزيز قبضتها على السلطة وسط استياء متزايد. هذه الخلفية تمهد الطريق لفهم سبب اضطرار العديد من المواطنين للنزول إلى الشوارع في يناير 2011.

وعلاوة على ذلك، فإن الدور المحوري الذي لعبه الجيش المصري خلال الثورة يؤكد تعقيد هذه الاضطرابات السياسية. فالجيش، الذي كان تقليدياً معقلاً داعماً لنظام مبارك، اتخذ قراراً مفاجئاً بالانحياز إلى جانب الشباب والانتفاضة الشعبية بدلاً من قمعها. لا يمكن النظر إلى هذا التحول على أنه مجرد صدفة، بل إنه يشير إلى وعي حاد داخل المؤسسة العسكرية باحتمال حدوث اضطرابات أوسع نطاقاً وضرورة تغيير الاتجاه. لم يدل هذا الانشقاق على وجود تصدع في ديناميكيات السلطة في الدولة فحسب، بل سلط الضوء أيضًا على الإحباطات العميقة الجذور بين الشعب الذي شعر بالتهميش والحرمان المتزايد. وفي هذا السياق، فإن التشكيك في مصداقية الثورة يدفع المرء إلى التساؤل عما إذا كان هناك بديل حقيقي لهذا التحول الدراماتيكي في السلطة.

علاوة على ذلك، يسلط فشل إدارة مبارك في سن إصلاحات اجتماعية واقتصادية مهمة الضوء على سهو حاسم ساهم في تأجيج الثورة. فباختيارها الاعتماد في المقام الأول على التدابير الأمنية التي اتخذتها الدولة للحفاظ على السيطرة، نفرت حكومة مبارك قطاعات كبيرة من السكان، وخاصة الشباب الذين واجهوا تحديات اقتصادية صعبة وفرصًا محدودة. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة البطالة بين الشباب ارتفعت إلى أكثر من 25% في السنوات التي سبقت الثورة، مما أدى إلى انتشار الإحباط والاستياء على نطاق واسع. وبدلاً من معالجة هذه القضايا الملحة من خلال إصلاحات ذات مغزى، أعطى النظام الأولوية للحفاظ على سلطته، مما خلق فجوة واضحة بين أجهزة الدولة الأمنية والمواطنين. وقد مهد هذا الإهمال للواقع الاجتماعي والاقتصادي الطريق للثورة التي اعتقد الكثيرون أنها السبيل الوحيد للتغيير.

وغالبًا ما يتجاهل منتقدو الثورة مسألة ما إذا كان لشخصية مثل عبد الفتاح السيسي أن تصل إلى السلطة في غياب مثل هذه الانتفاضة الجماهيرية. لقد تغير المشهد السياسي في مصر إلى الأبد بسبب أحداث 25 يناير وما تلاها من اضطرابات استمرت لأشهر. ولو لم تحدث الثورة، لكان من المعقول القول بأن النخبة السياسية الراسخة، خاصة تلك الموالية لإرث مبارك، كانت ستظل مسيطرة على السلطة، وبالتالي كانت ستعوق أي إمكانية للإصلاح أو التقدم. يمكن النظر إلى صعود السيسي إلى السلطة كنتيجة مباشرة للأحداث المضطربة التي تكشفت أثناء الثورة وبعدها، مما يشير إلى أن الانتفاضة لم تكن مجرد فعل عفوي للمعارضة بل كانت حافزًا ضروريًا للتغيير.

وختامًا، فإن التشكيك في ثورة 25 يناير باعتبارها مجرد مؤامرة يفشل في الاعتراف بالديناميكيات الاجتماعية والسياسية العميقة التي كانت تلعب دورًا خلال تلك الفترة. فمن الضروري الاعتراف بأن الانتفاضة كانت ردًا على سنوات من الإهمال والقمع وسوء الإدارة الاقتصادية، مما دفع المواطنين إلى المطالبة بمجتمع أكثر إنصافًا وعدالة. تمتد آثار هذه الثورة إلى ما هو أبعد من نتائجها المباشرة؛ فهي بمثابة تذكير بقدرة الشعب على تحدي وإعادة تشكيل المشهد السياسي عندما يواجه ظروفًا لا يمكن الدفاع عنها. إن فهم السياق التاريخي والدوافع الكامنة وراء الثورة أمر بالغ الأهمية لتقدير أهميتها في تشكيل مصر الحديثة والنضالات المستمرة من أجل الديمقراطية والعدالة في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى