
السفير جمال بيومى يكتب
عبر حسابه الfacebook، غزل مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومى كلماته كعادته قائلاً:
كان هذا هو عنوان برنامج إذاعي يعده الصديق الإعلامي زينهم البدوي، ودعاني للحديث عن تجربتي بعد بــلوغ سن المعاش. ولقد أصابني الطلب ببعض الدهشة. لأنني لم ألاحظ أو أركز علي اقترابي من سن الستين. بل قبلها لم ألاحظ متي بلغ والدي سن الستين. وبالحساب تبين أنه بلغها وقت أن أجريت المقابلة الشخصية للسلك الدبلوماسي. وتوفاه الله بعد أن صرت سفيرا.
والطريف أنني قبل بلوغي الستين بيوم، قابلت في المساء السيد وزير الخارجية، لأتلقي تعليماته حول مهمتي في اليوم التالي إلي بروكسل. فلما انتهي حديث العمل، قلت للوزير أن لدي مشكلة اعتبارا من الغد حيث سأصبح “مساعد وزير مزور” لأنني سأبلغ الستين. فضحك وقال أنه مدرك لذلك وجاري التصرف في الأمر. وظل الحال معلقا من يوم ذكري ميلادي في 17 فبراير حتي يوم ذكري زواجي في 26 مايو. واتصل بي قبلها الدكتور زكريا عزمي، ليبلغني بدعوة لاجتماع رئاسي يوم 26 مايو، حيث كان الرئيس يرغب في أن يتابع تطور المفاوضات مع الاتحاد الأوربي. وكان الاجتماع موفقا في تبادل المعلومات والآراء، رغم أن تساؤلا غير معلن كان يدور في أذهان بعض الحضور، حول الحكمة في أن تدير وزارة الخارجية المفاوضات بشأن اتفاق يعتقد البعض أنه ذو طابع اقتصادي. وأوضحنا في المناقشة أن الاتفاق ينظم العلاقات السياسية والأمنية، والاقتصادية والتجارية، والثقافية والاجتماعية، ومسائل حقوق الانسان، والبيئة وتقريب التشريعات. فضلا عن الحوار البرلماني، والجوانب القانونية لمحاربة الجريمة المنظمة، المتمثلة في الإرهاب وتجارة المخدرات، والاتجار في البشر والهجرة غير المشروعة، وغسيل الأموال.
في الاجتماع الرئاسي أشار البعض لصعوبة المفاوضات، ولكيفية بناء موقف يعبر عن عموم مصالح مصر. وعلق وزير الصناعة المهندس سليمان رضا متعاطفا مع موقف الجانب المصري والصعوبات التي يقابلها في التفاوض مع طرف أوربي مؤهل ولديه إمكانيات أكبر. ولم يعجب الرئيس ذلك الكلام فعلق متسائلا: وهل نحن في الجانب الغبي الذي لا يفهم؟ وأشار الي طالبا رأيي. فتجرأت وقلت انني مسئول أن أقرر أمام الرئيس حقيقة أن أصغر مفاوض في الجانب المصري، الملحق هشام طه، وعضو الفريق المكون من 178 مسئولا من 26 وزارة ومؤسسة، متمكن من تفاصيل الاتفاق والمواقف حوله، بأكثر من كبير المفاوضين الأوربيين وزملائه. ذلك لأننا مجموعة من الوطنيين يتفاضون مع مجموعة من الموظفين لا حول لهم ولا قوة وتقف وراءهم – وقتها – 15 دولة أوربية تختلف مواقفها ومصالحها. بينما ندرك نحن أن كل طن إضافي نصدره من المواد الزراعية، يوفر أربعة وظائف ويفتح أربعة بيوت. فقال الرئيس علي الفور: “أنا يعجبني هذا الكلام” . فإذا بالدكتور يوسف والي يهمس في أذن الرئيس بشيء جعله يضحك متسائلا : “انت دمياطي؟ … طبعا الدمايطة هم من يفلحون في هذه الأمور” .
وفي طريقنا للخروج مع وزيرنا وجدنا من يهرول وراءه ويهمس في أذنه بأن الرئيس يطلب منه العودة. وعندما عاد الوزير قال لي ضاحكا أن الرئيس استدعاه ليسأله عني وأنه أجابه بأنني في المعاش منذ أربعة شهور. وهنأني الوزير بأن الرئيس قرر أن أواصل العمل ومواصلة المفاوضات. وأدي هذا القرار لأن أنسي موضوع المعاش لنحو أربعة سنوات، أعقبتها 15 سنة أخري عندما أكرمتني السيدة وزيرة التعاون الدولي بضمي إلي مجموعة مساعديها. ومع ذلك حدثت مفارقة غريبة عندما تم توقيع الاتفاق، دون حضوري المناسبة ولا أي من الذين تفاوضوا لسنوات حوله. لكن المدهش هو أن وسائل الإعلام عندما نشرت الخبر ركزت علي شخص المفاوض الأصلي بل أفرد أغلبها صفحات لإبراز دور المفاوضين المصريين. ونشرت “الأهرام ويكلي” صفحة كاملة عن المفاوضات تصدرتها صورة المفاوض علي نصف صفحة. كما نشرت “أخبار اليوم” خبر التوقيع مصحوبا بعنوان رئيسي كبير حول تعليق رئيس الجانب الأوربي بأنهم يفتقدون مشاركة المفاوض المصري في المناسبة. وفي هذا ازداد يقيني بأن اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وازدادت قناعتي بأن الدبلوماسي، بل والمسئول عموما، يجب أن يكون مستعدا لإدارة حوار إيجابي حول موضوعاته. ولا ينزعج من اختلاف الآراء. فالواقع أن اختلاف الرأي لا يجب أن يفسد الود بين المختلفين، بل قد يزيد المودة إذا أحسنت إدارته.