رأى

السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية: الثوابت و المتغيرات

استمع الي المقالة

بقلم: فؤاد الصباغ

شهدت الساحة السياسية بالولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر نوفمبر الفارط إحتداما شرسا و متصاعدا في المنافسة من أجل الفوز بالإنتخابات الأمريكية القادمة بين “الحزبين الديمقراطي و الجمهوري”، وذلك في إطار تنافس ديمقراطي نزيه من أجل الإستحواذ على أعلى نسبة من المقاعد بالكونغرس الأمريكي و على سلطة القرار الإداري للبيت الأبيض و رسم ملامح سياسة خارجية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية. فوفقا للنتائج النهائية التي صدرت يوم 06 نوفمبر 2024 أكدت فوز ترمب الساحق في أغلب الولايات الأمريكية وحسمها من الدور الأول وهذا يفتح الباب مجددا لوضع نظرية استشرافية جديدة لفترة حكمه القادمة. وإستعدادا خلال هذه الأيام القادمة لتسلم الرئيس المنتخب يوم 20 جانفي 2025 مفاتيح البيت الأبيض تبرز العديد من التساؤلات حول مصير سياسته الخارجية القادمة، وكيف ستتعامل معها بقية حكومات دول العالم، وماهي الثوابت أو المتغيرات التي يمكن أنّ تحدث خلال الفترة القادمة وفقا لتكهنات و رؤى إستشرافية تبني على خلفية فترة حكمه السابقة.

 فبالرغم من تراكم ملفات الفساد الشخصية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب و أيضا لسوء إدارته للسياسية الخارجية خلال عهدته السابقة في مختلف القضايا السياسية الحساسة و الهامة، ولعل أبرزها ملف الشرق الأوسط و إسرائيل و علاقاته مع حلفائه التقليديين، إلا أنّ عودته مجددا الى الحكم بالإدارة الأمريكية مجددا يبشر بتحولات جذرية ممكن أنّ ترسم مجددا الخارطة الجوسياسية للعالم الراهن. فمن المعروف أن ترمب هو بالأساس “رجل مال و أعمال” و تعامله مع السياسة الخارجية ينعكس تماما مثل تعامله مع المشاريع التجارية و الصفقات الرابحة، إذ لايهمه في هذا السياق التداعيات السلبية عن قراراته المتهورة أحيانا، بقدر ما ينتظره من نتائج لتلك الصفقات الاقتصادية و العوائد المالية المنتظرة من تلك القرارات المتخذة. فعلى سبيل المثال ما صدر عن تصريحات له حول إبتزازه لأموال دول الخليج العربي و ترويجه للخطر الإيراني الداهم على المنطقة كلها وذلك من أجل دفع الدول الخليجية لمضاعفة ميزانيتها المخصصة للتسلح وتحفيزها للمساهمة أكثر فأكثر في شراء الأسلحة الأمريكية و دفع ضريبة الحماية، أو من جانب آخر تهديداته بفرض عقوبات على حلف شمال الأطلسي و وصفهم بالتخاذل في المساهمة في نسب الدفع من الدخل القومي الخام لكل دولة في الميزانية الدفاعية المشتركة و التكاليف الباهظة لتمويل الحروب. فمن وجهة نظر الرئيس الأمريكي ترمب لا توجد منفعة حقيقية من الشراكة مع حلف شمال الأطلسي الذي يبدو عقيم في تنفيذ مخططاته والتصاقه مباشرة بما تقرره الإدارة الأمريكية في مختلف القضايا الراهنة وخاصة منها ما يحدث بأوكرانيا والتكاليف الباهظة لحد الآن على تلك الأسلحة والدعم اللوجستي. أما بخصوص الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية و عملاق التجارة العالمي الصين الشعبية تبقي هي الأساس في صلب الصراع الدولي الراهن على النفوذ وذلك للحد من تصاعد هذا العملاق القوى تكنولوجيا، إقتصاديا و تجاريا و إفشال مخططاته لسنة 2050 وذلك من خلال فرض عقوبات على بعض الشركات التكنولوجية و خلق مشاكل في الجرائم السيبرانية معها وفرض رسوم متزايدة على وارداتها العالمية.

فبالعودة لقراءة أهم القرارات و الأحداث السابقة في عهدته السابقة و تحليل شخصيته النفسية و التى تكون أحيانا متهورة على حساب علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها و حلفائها التقليديين، سأقدم في هذا التحليل بعض السلوكيات الشخصية للرئيس ترمب و علاقاته الدولية التى ممكن أن تحدد ملامح السياسة الخارجية الأمريكية القادمة للولايات المتحدة الأمريكية خلال عهدته القادمة.

شخصية الرئيس دونالد ترمب و مرض جنون العظمة

ركزت وسائل الاعلام و الصحف الامريكية خلال العهدة السابقة لرئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب اهتمامها مباشرا حول وضعية صحته العقلية و سلوكياته المتهورة في إتخاذ القرارات وأحيانا تعارضها مع موقف إدارة البيض الأبيض و الكونغرس بحيث تكون تلك القرارات متخذة فرديا من جانب واحد حول مختلف المسائل السياسية الهامة. فقيادته للولايات المتحدة كقطب دولي هام يجعله متجاوزا نظرية العالم المتعدد الأقطاب والقوى العالمية الصاعدة الجديدة والتى ممكن أن تحل مكان الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات القادمة، خاصة و أنه يصنف كأقوى رئيس دولة في العالم و يروج لنظرية “أمريكا أولا”. بالتالي تعتبر الأمراض النفسية التي يعاني منها الرئيس ترمب منها مرض “جنون العظمة و القوة التي لا تقهر” في جوهرها محل جدل واسع في الأوساط السياسية و الإقتصادية العالمية و التي تنعكس مباشرة على سلطة القرار الأمريكي ولها تأثيرات عميقة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

 فوفقا “لتقرير طبي صدر من جامعة هارفارد” و لتشخيص أكبر “خبراء الأمراض النفسية” أكدت أنّ الرئيس الأمريكي ترمب يعاني بالفعل من هذا “المرض الخطير المعروف بجنون العظمة”، بالنتيجة ممكن أن يتسبب هذا المرض في تأثيرات مباشرة على إتخاذ قرارات خطيرة جدا في الشأن الدولي و العلاقات السياسية و التجارية مع جميع الدول بدون إستثناء و أيضا لها إنعكاسات مباشرة على مصالح الشعب الأمريكي داخليا و خارجيا. فهذا الاضطراب السلوكي النفسي لرجل “المال و الأعمال” يمكن أن يحدث كارثة حقيقية في “الدبلوماسية الأمريكية والعلاقات الدولية الراهنة” وللتذكير في هذا السياق، أنه خلال عهدته السابقة وقع رفع مفاجئ للرسوم الجمركية بحيث شهدت العلاقات التجارية مع الإتحاد الأوروبي و كندا و المكسيك توترا ملحوظا من خلال الزيادة المفاجئة في الضرائب على وارداتها من الفولاذ و الألومنيوم. كذلك لا ننسي تهديداته لدول الخليج العربي و بالأساس المملكة العربية السعودية و التي إعتبرها مصدر ربح مالي للولايات المتحدة الأمريكية بحيث طلب منها دفع ضريبة من أجل حمايتها عسكريا من الخطر الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط تقدر ب 3/4 من ميزانيتها.

 أما بخصوص إتخاذه لقرارات عسكرية ردعية أو مفاوضات دبلوماسية فهو يتلاعب أحيانا بالوقائع و الأحداث بطرق متهورة كادت أن تؤدي لإندلاع حرب بجنوب شرق القارة الآسيوية خاصة منها المتعلق بملف دعم تايوان للإستقلال التام وبسط سيادتها الكاملة على أراضيها. أما بخصوص وسائل الإعلام و الصحف الأمريكية فكانت دائما تتحدث في عهدته السابقة عن “القرار الترامبي المفاجئ” بحيث لا تستغرب ما الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة من اللحظات.

عموما، وفقا لتحليل شخصية ترمب النفسية تثبت أنه يعاني من بعض الأمراض الخطيرة منها سلوكه العدائي بفرض التفوق بالقوة و اتخاذ قرارات تخدم فقط مصالح الولايات المتحدة الأمريكية حتى لو كانت ضد حلفائه التقليديين و التي ممكن أن تؤدي لإنعكاسات وخيمة على العلاقات الدولية وحتي لتغيير تركيبة التحالفات و التكتلات الدولية.

 فللتذكير بصدور قرار عزله خلال عهدته السابقة و التي كانت محل جدل كبير بين الأوساط الإعلامية والسياسية، خاصة منها ما صدر عن تقرير المدعي العام “مولر” و الذي كان يعتبره قرار فارغ بإعتباره منتخب ديمقراطيا من الشعب الأمريكي، و أيضا تراكم التهم القضائية الموجهة ضده حتى بعد فوزه بالعهدة الثانية والتي ستكون أوراق حاسمة بيد المعارضة الأمريكية للتخلص منه في أي لحظة من اللحظات وخاصة أن عالمنا اليوم يعاني من اضطرابات سياسية و نزاعات عسكرية متصاعدة وتسارع للمتغيرات على الخارطة الجيوسياسية وتباين المصالح وخاصة إعادة تشكيل العالم وخلق توازن جديد بين أقطاب العالم ممكن أنّ تصعد من خلاله دول وتتراجع دول أخري. فخلال السنوات القادمة يحتاج الإقتصاد الأمريكي إلى شخص قوى يتمتع بصفات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بحيث حققت سياساته القوية السابقة نجاحات مالية و تجارية و خفضت من نسب البطالة، وحققت نمو اقتصادي ملحوظ و تنمية اقتصادية متنوعة.

دونالد ترمب و حربه التجارية ضد حلفائه التقليديين

إن ما تشهده التجارة العالمية على مدى العقود الفارطة من حرب تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و الإتحاد الأوروبي من جهة و كندا و المكسيك من جهة أخري، تعد في مجملها تطورا خطيرا علي صعيد العلاقات الدولية العالمية. إذ من المعروف أن التبادل التجاري يعد أهم عنصر في الإقتصاد العالمي خاصة منها المبادلات التجارية العالمية بين الدول و مع الحلفاء و الشركاء الدائمين. كما أن جل الإجراءات الجمركية في العلاقات التجارية العالمية بين الولايات المتحدة الأمريكية و شركائها تبني على المصالح بالدرجة الأولي.

إذ تاريخيا منذ مطلع الثمانينات شهدت العلاقات الأمريكية التجارية مع اليابان توترا حادا خاصة حول التبادل التجاري في قطاع السيارات و ذلك بسبب الزيادة في نسبة الضرائب على الواردات. إذ تسعي إدارة الولايات المتحدة الأمريكية دائما في فرض قيود جمركية لحماية قطاعها الصناعي المحلي من المنافسات الأجنبية و فرض إجراءات تحفيزية ذات نجاعة اقتصادية على التجارة الداخلية مقابل الخارجية. كما يمثل التبادل التجاري الأمريكي مع الدول التي تجمعها علاقة اندماج في تكتلات أو فضاءات إقتصادية أهم مصدر لزيادة المداخيل المالية للخزينة العامة الأمريكية. كذلك نذكر في نفس السياق تدهور العلاقات التجارية الأمريكية مع بعض الدول الغربية سنة 2002 و ذلك أيضا حول موضوع زيادة الضرائب على واردات الفولاذ و هذا يعود للسياسة الحمائية التي تتبعها السياسة التجارية الأمريكية قصد زيادة مداخيل العائدات المالية العمومية و تحقيقها لفائض في الميزان التجاري مع بقية دول العالم التي تجمعها بهم شركات مباشرة. إذ بلغت آنذاك الضريبة على واردات الفولاذ نسبة 30% في عهد الرئيس الأسبق “جورج ولكر بوش”. إلا أن العواقب كانت وخيمة حيث غيرت بعض الدول وجهة وارداتها من الولايات المتحدة الأمريكية نحو دول أخري تتوفر فيها تسهيلات جمركية و حوافز مالية و صفقات ربحية و أسواق تجارية مغرية خاصة منها الأسواق الإفريقية.

أما التطور الجديد خاصة خلال عهدة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب على الساحة العالمية كان يتمحور بالأساس حول قراره بفرض قيود جديدة على الرسوم الجمركية أكثر صرامة. إذ تم فرض نسبة 25% ضريبة على واردات الفولاذ و 10% ضريبة جديدة علي واردات الألمنيوم، و ذلك لغرض زيادة الربح المالي من التجارة العالمية و الرفع من فائض الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة الأمريكية. إذ للتذكير بإتفاقية التجارة الحرة لدول شمال القارة الأمريكية نافتا والتي أبرمت بالأساس لرفع القيود الجمركية و تسهيل عملية الحركية و تبادل البضائع بين البلدان المندمجة في هذا الفضاء التجاري الموحد قصد رفع نسق التبادل التجاري و تحفيز الإستثمار في التجارة العالمية خاصة في مجال المواد الأولية مثل الصلب و الحديد كالفولاذ و الألمنيوم. إلا أن القرار المتخذ خلال تلك العهدة السابقة من طرف رجل المال و الأعمال الرئيس الأمريكي ترمب جاء لينسف تلك الإتفاقية برمتها و يضع الدول الحليفة و الشريكة أمام الأمر الواقع، إما أن تدفع أكثر أو لا توجد مبيعات. فهذا القرار جاء مخالفا لجميع الإتفاقيات و الإلتزامات التجارية السابقة للولايات المتحدة الأمريكية و التي من خلالها تعتبر ملزمة دوليا بالتعهد لما جاء ببنودها، و إندماجها التجاري الحر بفضاء نافتا والذي لا يفرض تلك القيود الجمركية و المالية على المنتجات و إنما يسهل من عملية المبادلات التجارية بين الأطراف الموقعة عليها. فسياسة زيادة الأرباح من صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من الفولاذ و الألمنيوم كادت أن تعقد الأمور على الدول المستوردة مثل “الإتحاد الأوروبي و كندا و المكسيك” و التي بدورها لا تتحمل عبء إضافي على ميزان مدفوعاتها العمومية. إذ في هذا الإطار سارعت بعض الدول الشريكة لإيجاد طرق لردع القرارات المفاجئة و المتهورة من جانب واحد للرئيس ترمب وذلك من خلال فرض عقوبات تجارية جديدة موازية، مثلما فعلت كندا والتي ألغت صفقة تقدر بما يقارب 16 مليون دولار من واردات الخمور الفاخرة و بعض المواد الإستهلاكية المتأتية من الولايات المتحدة الأمريكية. أما دول الإتحاد الأوروبي فهي كثفت من إجتماعاتها الوزارية آنذاك خاصة من قبل وزراء المالية و الإقتصاد و أيضا البرلمان الأوروبي قصد معاقبة الولايات المتحدة عن ذلك القرار الأخير المتخذ من جانب واحد حول فرض الرسوم الجمركية الجديدة على الفولاذ و الأليمينيوم والمخالف لما جاء في بنود الإتفاقيات التجارية الموقعة بين الطرفين.

إن التجارة العالمية ملزمة بالاتفاقيات و التعهدات العالمية التي ينظمها القانون الدولي طبقا لبنود منظمة التجارة العالمية و كل مخالفة في إحدى بنود كل إتفاقية اندماج في فضاء تجاري حر يلزم الدول المتضررة بتعويضات مالية. إلا أنّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في العهدة السابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب اختارت السياسة الحمائية للإنتاج المحلي بفرض قيود جمركية عبر الرفع في نسبة الضرائب على الواردات قصد زيادة الأرباح المالية و فرض أمر الواقع للقوة الأمريكية على المبادلات التجارية. بالتالي هنا كادت الأمور أن تعقد تسهيل عملية الواردات خاصة في إطار الإتحاد الجمركي المشترك و ذلك بتقليص نسبة الإستيراد أو البحث عن أسواق جديدة تتمتع بأسعار تفاضلية و بأقل قيود جمركية.

إن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يعد من أبرز رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية تهورا في إتخاذ قرارات مفاجئة و غريبة تخالف جميع المبادئ و التعهدات و الاتفاقيات الدولية و لا تتقيد بجميع الالتزامات الإقتصادية، التجارية و السياسية مع جميع الدول و الحلفاء و الأصدقاء، نذكر منها خاصة قراره إعلان القدس عاصمة إسرائيل و نقل السفارة الأمريكية إلي القدس، الإنسحاب من الإتفاق النووي الإيراني من جانب واحد، الإنسحاب من الإتفاقيات التجارية لدول شمال أمريكا و مع الإتحاد الأوروبي و فرض قيود و رسوم جمركية جديدة أكثر صرامة معها و دخوله في صراع تجاري مباشر مع دولة الصين قصد رفع فائض الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وفرض قيود على دخول المنتجات الصينية خاصة منها التكنولوجية.

سياسة ترمب في مكافحة الهجرة غير النظامية

شهدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال العهدة السابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب أزمة سياسية داخلية تسببت فيها قراراته المنفردة، و ذلك من خلال الإغلاق الحكومي الجزئي لأغلب المؤسسات العمومية الأمريكية و إصراره على مواصلة تنفيذ مشروع بناء جداره الفولاذي الفاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك والذي يعتبر مكلف جدا على الخزينة العمومية. فتلك الأزمة كانت لها تداعيات سلبية عميقة بحيث تسبب ذلك الإغلاق الحكومي في خسارة العديد من مليارات الدولارات يوميا صلب الإقتصاد الأمريكي. إن السياسة الإنفرادية لإتخاذ القرارات من جانب الرئيس ترمب أدت إلي تدهور الأمور الداخلية لإدارة البيت الأبيض بالكاد بحيث برزت الإستقالات المتتالية بالجملة خلال فترة حكمة، كما زادت عليها قراراته بإنسحابه من أغلب الإتفاقيات الدولية مع فرض ضرائب جمركية في المبادلات التجارية الأمريكية مع الإتحاد الأوروبي. لكن لم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل إتجهت تلك القرارات الخطيرة نحو مجلس الكونغرس و ذلك من أجل تمويل مشروعه الضخم المعروف بالجدار الفولاذي العازل بين الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك. كما أن سيناريوهات تلك الأزمة لم تنتهي بعد خاصة بعد الخلاف الحاد بينه و بين أعضاء الكونغرس و على رأسهم “نانسي بلوسي و تشاك شومر” خلال عهدته السابقة. فتلك القرارات المنفردة شكلت بدورها خلال عهدته السابقة تهديدا واضحا لمستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع دول الجوار و بقية دول العالم.

فمن أهم أجندات الرئيس الأمريكي ترمب كانت و مازالت حتى اليوم تتمثل بالخصوص في مكافحة الهجرة غير النظامية بالقوة ووقف النزوح الجماعي لسكان أمريكا اللاتينية نحو الولايات المتحدة الأمريكية. فإنجاز ذلك الجدار الفولاذي العازل و الضخم يعتبر من أكبر المشاريع الأمريكية تكلفة و لا يحقق منه عوائد مالية للخزينة العمومية الأمريكية بحيث بلغت تكلفة تنفيذ مشروعه الضخم، أولا بطلبه صرف مبلغ مالي يقدر ب 800 مليون دولار كمساعدات إنسانية للاجئين و المهاجرين غير النظاميين من مواطني أمريكا اللاتينية و العالقين على الحدود المكسيكية. بالإضافة لذلك مطالبته بمبلغ إضافي ب 850 مليون دولار كمساهمة لمكافحة تهريب المخدرات و البشر و السلاح والجريمة المنظمة عبر تلك الحدود. أما في المقابل، بلغت تكلفة بناء ذلك الجدار الفولاذي المخصصة في الغرض حسب التقديرات مبلغ إجمالي يقدر ب 5.7 مليار دولار، و هذا يعتبر مبلغ ضخم لا يعتبر من الأولويات الأساسية و مكافحة الهجرة الغير نظامية كانت تكون بطرق أخرى أقل تكلفة وفقا لبعض مواقف المعارضة الأمريكية. فذلك الجدار العازل لا يمثل إنجازا تنمويا أمريكيا من خلال الإستثمار في تمويله بكل تلك الأموال الضخمة و التي تتطلب ضخ كميات كبيرة من الفولاذ الباهظة أو أيضا بإستعمال النفوذ السياسي لتعطيل المصالح الحكومية بفرض غلق شامل و كامل على أغلب المؤسسات الحكومية. ففي المقابل يعد تمسك أعضاء الكونغرس بالرفض مبررا لأن كل تلك الأموال لها مصدرها و من الأجدر توجيهها الى الشؤون الإقتصادية الداخلية المفيدة ذات المردودية الفاعلة و النجاعة العالية. أما مطالبة الرئيس ترمب بتوفير طاقم ضخم متكون من 1700 عامل و 85 خبير تكنولوجي للإشراف علي مراقبة ذلك الجدار يمثل أيضا عائق نظرا لزيادة “التكلفة المادية للإنجاز و أيضا للتسيير و المتابعة”. فعلى الرغم من إيجابيات ذلك الجدار الفولاذي للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية و لتهريب المخدرات و البشر و تجارة السلاح و تخفيض نسبة الجريمة أو الإرهاب و الحد من نسبة البطالة في صفوف المواطنين الأمريكيين. إلا أنّ السلبيات في المقابل كانت هي الطاغية و تمثل حاجز لمواصلة التنفيذ نظرا للتكلفة الباهظة و عزل الولايات المتحدة عن فضائها الإقليمي وتوتير علاقاته الخارجية مع دول جنوب القارة الأمريكية. فمن الأهم و الأجدر لإدارة البيت الأبيض إيجاد حلول جذرية لتدفق هؤلاء المواطنين الفقراء و المساكين من دول أمريكا اللاتينية نحو الولايات المتحدة الأمريكية بحيث توفي العديد منهم خاصة في صفوف الأطفال و المسنين علي الحدود المكسيكية في ظروف إنسانية سيئة جدا. فكانت تلك المسائل الإنسانية التي تهم مختلف بعثات دول أمريكا اللاتينية بالولايات المتحدة الأمريكية محرجة جدا لتلك العلاقات، مما تسببت بدورها في اضطرابات سياسية لأن الظروف الإنسانية للنازحين في الأخير كانت لها تأثيرات سلبية في الشؤون السياسية بين تلك البلدان مع الولايات المتحدة الأمريكية.

  سياسة ترمب القادمة تجاه دول حلف شمال الأطلسي

على الرغم من أن العهدة الأولى لحكم ترمب سادتها بعض التوترات مع بلدان الحلف خاصة من جانب حثهم لزيادة المساهمة في ميزانية الدفاع المشتركة، إلا أن العهدة الجديدة ستكون هي الحاسمة في العلاقات الأمريكية-الأوروبية خاصة في ظل استمرارية الحرب الأوكرانية وتسجيل خسائر مالية متراكمة دون تحقيق نتائج على أرض الحرب. فالتكاليف المتزايدة على الإنفاق العسكري وخاصة خسارة المكانة الدولية كقطب دولي قوي يجعل من إدارة ترمب الجديدة تراجع علاقاتها مع هذا الحلف الذي أضحى يشكل لها عبء على مختلف الأصعدة المالية و العسكرية. لكن في المقابل، هذا التخلى ستكون له ضريبة باهظة على الولايات المتحدة الأمريكية كقطب موازي في العلاقات الدولية في ظل تصاعد مكانة الصين وروسيا في تكتلهم البريكس+ والذي أصبح اليوم يضم في عضويته دول جديدة مع تزايد مطالب دول أخري للإنضمام في صلبه. أما سياسة المصالح والبيع والشراء المتبعة من طرف الرئيس ترمب ستؤدي بالنتيجة لخلق عداوة لها مع دول الإتحاد الأوروبي. فوفقا للتكهنات المستقبلية سترتكز سياسات ترمب بالأساس على طلب زيادة دعم كل الدول الأعضاء في مساهمتها في ميزانية الحلف وخاصة توفير التجهيزات و زيادة عدد الجنود وتوفير قواعد عسكرية لتطويق روسيا و حماية أوكرانيا من السقوط الكلي للنظام الروسي. أيضا استبعاد عقد صفقة خاسرة بين الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا في الفترة الحالية. لكن كل شئ وارد نظرا للتطورات التي حدثت مؤخرا بمنطقة الشرق الأوسط والتى تعتبر أنّ لها امتدادات لما يمكن أنّ يحصل بأوكرانيا ومن المعروف عن شخصية ترمب أنّه لا يحبذ الدخول في حروب مباشرة وسعيه لإيجاد حلول جذرية لتلك الأزمات وفقا لدبلوماسية الصفقات الخاصة به. فإنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من هذا التحالف مع دول الإتحاد الأوروبي ستكون له تداعيات سلبية بعيدة الأمد وسوف تنعكس تأثيراته سلبا على مكانتها دوليا و بالنتيجة ستكون الولايات المتحدة الأمريكية في الواجهة والعدو المقابل للجميع في حالة الإنسحاب، و هذا التخلي سوف يكون بداية انهيارها الفعلي لأن روسيا لن تقبل بالصفقات الخاسرة لها و لن تكون حليف للولايات المتحدة الأمريكية في ظل تنامي الصراع الدولي الراهن على النفوذ في مختلف القارات وبروز تكتلات سياسية و اقتصادية جديدة. كذلك ستلجأ أوروبا للبحث عن مخرج لأزمتها من الإنهيار وبالنتيجة ستتقرب من روسيا التي طلبت سابقا الإنضمام لحلف الناتو نظرا لأن القانون التأسيسي لها يسمح بإنضمامها في عضويتها. كذلك ممكن بروز تحالفات جديدة بين بعض البلدان الكبرى على غرار فرنسا مع روسيا في إطار صفقة أو حتى دخول بعضها في تحالف البريكس+ مقابل فرض اليورو كعملة دولية في المبادلات التجارية خاصة مع الصين وبقية الدول الأعضاء. فهنا أكبر مستفيد إذا تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن أوروبا ستكون الصين لأنها تخطط على المدى البعيد لسنة 2050 لخلق التفوق التجاري و التكنولوجي في تشكيلة العالم الجديد وحاليا هي تدفع بروسيا في الواجهة العسكرية مع أوروبا.

  ترمب و ملف الشرق الأوسط و الأوضاع بالقارة الإفريقية والآسيوية

إجمالا، للعودة إلى خلفية فترة حكم ترمب السابقة خاصة في تعاملها مع ملف الشرق الأوسط وبعض البلدان بالقارة الإفريقية منها الملف الليبي و بالقارة الآسيوية نذكر الملف التايواني كانت في مجملها تتعامل معها بحذر أو بخلق لها توترات أو بالأحرى”صراعات وحروب بالوكالة”. فعامل عدم الإستقرار من منظور ترمب سيخلق التفوق الإقليمي بالمنطقة لحليفته اسرائيل والتي هي حاليا متضررة من حرب مباشرة مكلفة من جانب الإنفاقات العسكرية. فسيناريو مواصلة تلك الفوضى الخلاقة بالمنطقة ونهب ثروات تلك الأوطان بأرخص الأسعار وأحيانا مجانا سيتواصل للسنوات القادمة وخاصة منها اغراق المنطقة كلها في حروب و نزاعات ستديرها الولايات المتحدة عبر وكلائها بالمنطقة ونذكر منها بالأساس ما يحدث اليوم بدولة سوريا بعد ازاحة النظام السابق عن الحكم وذلك في إطار تشكيل خارطة جديدة للشرق الأوسط. كذلك من أبرز المتغيرات التي ممكن أنّ تحدث في السياسة الخارجية الأمريكية هي بالأساس دعمها لإستقلال بعض الدويلات الصغيرة على غرار صوماليلاند أو تايوان وغيرها ومواصلة دعمها للمملكة المغربية بخصوص ضم الصحراء الغربية كاملة عن طريق الأمم المتحدة والذي تمت مناقشته في مجلس الأمن خلال جلسة شهر أكتوبر 2024 في انتظار الإستفتاء الحاسم بدعم أممي في أواخر سنة 2025.

أما بخصوص القارة الإفريقية خاصة ما حدث بجل تلك الدول التي شهدت سلسلة إنقلابات عسكرية و ابرامها لشراكات استراتيجية جديدة عسكريا مع روسيا و اقتصاديا مع الصين. أيضا ما يحدث من صراعات بكل من دولة ليبيا و دولة السودان ستجعل ادارة ترمب تهتم أكثر فأكثر بالوضع السياسي بالقارة الإفريقية نظرا لإمتلاكها لتلك الثروات الطبيعية الهامة وخاصة منها موقعها الإستراتيجي. إذ من الأرجح أن تبرز قوى معارضة ديمقراطية داخلية شرسة داخل تلك الدول ستخلق الفوضى الداخلية وعدم الإستقرار إلى جانب إحتمالية تشكيل فيلق موازي للفيلق الإفريقي لقيادة حروب جديدة بالوكالة داخل تلك القارة تحت تشكيلات من المرتزقة والعصابات.

أما الوضع الآسيوي فهو معقد نوعا ما نظرا لدور كوريا الشمالية بتلك المنطقة خاصة منها تهديدها للأمن القومي لجل الدول المجاورة من خلال التلويح بإستعمال الأسلحة النووية.

 

 

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى