لا إنسانية بدون استقلالية… لماذا ترفض الجهات المانحة النموذج الإسرائيلي للمساعدات إلى غزة؟

رئيس التحرير يكتب
في بيان غير مسبوق من حيث وحدة الموقف واللغة الصريحة، وجّهت 25 جهة مانحة، من بينها حكومات أوروبية وآسيوية، رسالة مزدوجة إلى إسرائيل وحماس: أوقفوا العبث السياسي بالمساعدات الإنسانية، واتركوا المجال للإنسانية أن تعمل.
منذ أكثر من شهرين، والمساعدات الإنسانية إلى غزة شبه متوقفة. الغذاء، الدواء، المياه… كلها أصبحت عملة نادرة في قطاع يعيش على شفا المجاعة. وبينما يتحدث الإعلام عن “استئناف محدود”، تؤكد الدول المانحة أن هذا مجرد غطاء هش لحصار خانق قائم فعليًا.
البيان يرفض بشكل واضح **النموذج الإسرائيلي الجديد لتوزيع المساعدات**، لأنه، بحسب الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، لا يحترم أبسط مبادئ العمل الإنساني: الاستقلالية، الحياد، والشفافية. بل يُنظر إليه كأداة لإعادة رسم الخريطة السياسية في غزة، من خلال ربط توزيع الطعام والدواء بأهداف عسكرية وأمنية.
والأخطر من ذلك، أن هذا النموذج المقترح لا يعرّض فقط حياة العاملين في المجال الإنساني للخطر، بل يضع الضحايا أنفسهم – المدنيين في غزة – في مرمى “الاشتباه السياسي”، لمجرد أنهم تسلموا مساعدة.
البيان لا يخلو من الوضوح تجاه حركة حماس أيضًا، حيث طالبها بالإفراج الفوري عن الرهائن، ووقف أي تدخل في توزيع المساعدات. لكنه، وبشكل ذكي، يرفض المعادلة “الرهائن مقابل الغذاء”، ويعيد التأكيد على أن **العمل الإنساني لا يجوز تسييسه بأي شكل**.
في عمق هذه الرسالة، دعوة إلى العودة للعقل والمنطق: وقف إطلاق النار، وحل الدولتين، واحترام الكرامة الإنسانية، هي المفاتيح الحقيقية للسلام، لا الحصار ولا العقاب الجماعي ولا تحويل المعاناة إلى أوراق تفاوض.
إن لم يكن الآن… فمتى؟