د. سعيد حسانين
يعد اقتصاد الظل موضوع مثير للجدل، والأمر الذى أثار إهتمام المتخصصين منذ الستينيات، عندما أخذت هذه الظاهرة حد كبير. ولقد صيغت في الأدبيات تحت مسميات مختلفة، فيسمى اقتصاد الظل أيضا بالاقتصاد الخفي، أو الاقتصاد غير الرسمي، أو الاقتصاد الموازي، وهو لا يشمل الأنشطة غير المشروعة فقط ، بل يشمل أيضاً أشكال الدخل التي لا تعلم بها الدولة ، والمتحصلة من إنتاج السلع والخدمات المشروعة، سواء من المعاملات النقدية، أو المعاملات التي تتم بنظام المقايضة. ومن ثم فإن اقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي، يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية التي تخضع للضريبة بشكل عام، ولكن لا تنبأ بها السلطات الضريبية.
فنجد أن اقتصاد الظل يتواجد بدرجات متفاوته في جميع الدول، بغض النظر عن مستوى التنمية فيها، ويتمتع بوجود طويل الأمد، ومع ذلك فمن الصعب جداً التوصل إلى تعريف دقيق له، لأنه يتطور بإستمرار، حسب التغيرات التي تطرأ على النظام الضريبي واللوائح التنظيمية. وأن كان بعض تعريفاته بإنه: “جميع الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة، والتى لا تساهم في الناتج القومي الإجمالي بشكل رسمي، المقاس أو الملاحظ”. كما عرفه إيضاً Smith (1994) على أنه : “الإنتاج المستند إلى السوق من السلع والخدمات، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، والذي لا يدخل في تقديرات الناتج المحلي الإجمالي”.
كما جاءت بعض الدراسـات الحديثة (Schneider, Buehn, Montenegro, 2010) تتبنى تعريفاً لاقتصاد الظـل : هو الذي يضم كل الإنتاج القانوني القائم على السوق من السلع والخدمات، التي يتم إخفاؤها عمداً من السلطات العامة، لتجنب دفع ضرائب الدخل والقيمة المضافة، أو أي ضرائب أخرى، أو لتجنب دفع إشتراكات الضمان الإجتماعي، وتلبية المعايير القانونية لسوق العمل، مثل الحد الأدنى للأجور، وساعات العمل القصوى، ومعايير السلامة، والإمتثال للإجراءات الإدارية والقانونية للبيئة العامة للعمل التى تحافظ على حياة العاملين بهذه المؤسسات وتأمين حقوقهم .
كمـا يؤثر اقتصـاد الظـل بشكل واضح على تقييم المؤشرات الاقتصادية الكلية :
مثل: الناتج القومي، المعدلات الحقيقية للبطالة، معدل التضخم ( من خلال التأثير على مستوى الأسعار) لأنه يوفر مناخ غير مساعد لتقييم هذه المؤشرات تقييماً سليماً، فتزداد هذه المؤشرات غموضاً وتعقيداً، بقدر نمو هذا القطاع وإستفحاله ، فنجد أن القطاع غير الرسمي، يهيء إستراتيجية بديلة واهمه لإستمرارية الحياة للشريحة الاجتماعية الفقيرة .
ولتحقيق العدالة الإجتماعية لجميع فئات المجتمع المصرى فأنا لا أتفق مع قول ” أن للاقتصاد الخفى آثار إيجابية حيثُ يعتقد المؤديين لهذا الـرأى أن للاقتصاد غير الرسمي مزايا، خاصة من الناحية الإجتماعية، فهو يساعد في حل أزمة البطالة، وإيجاد فرص عمل، ويساهم في تأمين الإكتفاء الذاتي، في بعض المواد والإحتياجات، كما أنه يؤدي إلى زيادة دخول الأفراد، وخاصة في ظل إنخفاض مستويات الدخل الحقيقية، وإنتشار الفقر والبطالة ، وأنه يتسم ببعض الخصائص التي تمكنه من التكيف مع الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية، دون التأثر بالأزمات، وأن الإنشطة غير الرسمية لا تتطلب رأس مال كبير، وهي سريعة الإنتشار في مختلف المناطق، دون تقيدها بمكان معين، وإنها تتميز بمرونة عالية، وقت الأزمات والتغيرات الاقتصادية المفاجئة، وإنه يقدم إستجابة تلقائية، لمواجهة المشاكل الإجتماعية والاقتصادية، كما أنه يعتبر وسيلة ضغط على الاقتصاد الرسمي، كونه يهيئ مناخ تنافسي (وإن كان غير عادل) لتحسين آليات عمله، بما يدفع لزيادة الطاقة الإنتاجية الكلية.”
ولإحترام الرأى والرأى الأخـر تم عرض رأى المؤدين لوجود إيجابيات فى اقتصاد الظل ولكن عدم قناعتى بمؤدين هذا الفكر نابع من هـدف أكبر وهو تحقيق العدالة فى إعادة توزيع الدخـل لجميع فئات المجتمع وزيادة نصيب الفرد من الناتج القومى الإجمالى زيادة حقيقية فكيف يستفيد إبناء الوطن بشيء لا يرى ولا يضاف للناتج القومى فإنعكاس هذا يكون بالسلب على إنخفاض معدل النمو الاقتصادى وبالتالى إنخفاض نصيب إبناء الوطن من إنتاج بلادهم الذى يترجم على أرض الواقع بسوء الخدمات المقدمة للمواطنين فى جميع القطاعات التعليمية والصحية والخدمية وكذلك مشروعات تدعيم وتطوير البنية التحتية … الـخ .، وتباطئ تحقيق المفهوم الحقيقى للتنمية المستدامة وإثقال كاهل الموازنة العامة للدولة بزيادة الديون لتلبية هذه الإحتياجات مما يزيد من حدة الضغط على مواطنى الـدولة ولذلك فإن ما تقوم به مصـر فى الوقت الحاضر من إتخاذ إجراءات حازمه لمعاقبة المخالفين ( اقتصاد الظل ) والعمل على رقمنة كل النشاطات هى إجراءات صائبه فليس رأيى تعسفى ضد أصحاب الفكر المؤيد لاقتصـاد الظـل ولكن وفق قناعتى الشخصية هو مثل رأى الطبيب بإعطاء الدواء للمريض وإن كان صعب المذاق فى الوقت الحالى ولكن فائدته أكبر على المدى البعيد ليتعافى الجسد ويصبح قادراً على الإنتاج فعلينا جميعاً إبناء مصـر تصحيح المفاهيم المغلوطة الخاصة بإيجابيات اقتصاد الظل وإن كانت الإستفادة من جنى ثماره على المدى القريب كبيرة فعواقب هذه الإستفادة أكثر خطراً على المدى البعيد ، لإخلالها بتحقيق المفهوم الحقيقى لمضمون التنمية المستدامـة. ، وتمسكى بهذا الرأى ناتج إيضاً لقرائتى لبعض الدراسات التى وضحت إن الاقتصاد غير الرسمي في مصر، نسبته التقريبية 65% من الناتج المحلي.
ولما قدرته إيضاً أحد الدراسات الحديثة لإتحاد الصناعات المصرية ، بإن حجم هذا النشاط يقترب من تريليون جنية، ويتجاوز عدد العاملين فيه 8 مليون عامل، وتقدر إيضاً حجم الاقتصاد غير الرسمي في مجال الصناعة بنحو 40 ألف مصنع غير قانوني، بينما تتجاوز نسبة المنشآت الصغيرة غير المسجلة رسمياً نحو 84 % من حجم المنشآت الإجمالي. في حين تقدر دراسة دولية أجراها الخبير الاقتصادي “هرناندو دي سوتو”، هذا الحجم بنحو 2.6 تريليون جنية، فيما تقدر قيمة الضرائب التي يمكن تحصيلها حال تقنين أوضاع المنشئات غير الرسمية، بحوالي 150 مليار جنية، أي ما يقرب من العجز في الموازنة العامة للدولة .
ولذلك أردت أن أوضـح خطورة الموقف وأن تقنين أوضاع القطاع غير الرسمى كفيل بسد العجز فى الموازنة العامة لمصـر وتقليل ضغط الدين العام الخارجى وتحمل المواطنين إعبائه ، علاوةً على عدم الإمان والإستقرار لإبناء الوطن العاملين بهذ القطاع وأهدار حقوقهم فلا يوجد إلـزام لإصحاب العمل لتوفير الرعاية الصحية للعاملين فى القطاع غير الرسمى . وعدم إستحقاقهم للمعاش الذى يكفل لهم حياة كريمة حال تقدمهم بالسن وكذلك عدم صرف التعويضات المالية الناتجة عن إصابات العمل فلن تسمح مصر بإن يشعر إبنائها بعدم الإمان والإستقرار لذلك جاءت الإجراءات الصارمة للشمول المالى لجميع هذه القطاعات الغير رسمية ( الخفية ) حيثُ كان هدف القيادة الحكيمة لمصر الإساسى هو دافع الخوف على حياة ومستقبل إبنائها لإستمتاعهم بحياة كريمة مليئه بالأمن والإمـان والإستقرار والحفاظ على أرواحهم قبل الإستفادة من زيادة الإيرادات العامة للدولة التى يجنى ثمارها إيضاً إبناء مصر من خلال تحسين المستوى العام للمعيشة وتحقيق العدالة الإجتماعية.
* الكاتب :
باحث وخبير الاقتصاد بكلية السياسة والاقتصـاد.. جامعة قناة السويس.. وعضو هيئة تدريس.. وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع