إقتصادرأىسلايدر

القمح الروسي على رأس واردات مصر والجزائر

استمع

د. أحمد مصطفى يكتب

مصر وأزمة الأقماح واستبدال جزء منه بـ الذرة:

وضعت مصر خططًا لـ تقليل واردات القمح وتقليل الإنفاق على الخبز المدعوم من خلال إضافة الذرة أو الدخن كمكونات. يمكن أن توفر تلك الاقتراحات المقدمة للحكومة ملايين الدولارات، ولكنها ستواجه معارضة من أصحاب المخابز والمطاحن الذين قد يتعرضون لخسائر مالية ويحتجون بـ أن جودة الخبز ستتأثر. حيث تعاني مصر من ارتفاع الدين، ونقص العملات الأجنبية، والتضخم المستمر. وتقر الحكومة إن برنامج دعم الخبز يمثل عبئًا كبيرًا على الميزانية.

الخطة الأخيرة لوزارة التموين، التي تم تقديمها لأصحاب المخابز والمطاحن في نهاية سبتمبر، أنها ستقوم بخلط دقيق الذرة مع دقيق القمح بنسبة 1:4، بدءًا من أبريل 2025، مما يوفر حوالي مليون طن متري من القمح. حيث ألغت الحكومة خطة سابقة لزيادة معدل استخراج الدقيق المستخدم في الخبز المدعوم من القمح، بعد مقاومة من لوبيات الصناعة والمستوردين. طرحت مصر في الماضي مخططات لاستبدال القمح في سعيها لتحقيق اكتفاء ذاتي أكبر.

يمكن أن يسمح دقيق الذرة بتوفير كبير من العملات الصعبة إذا تم استخدام الذرة المزروعة محليًا، لكن ليس إذا كانت الذرة مستوردة. في أفضل الأحوال، يمكن أن توفر الحكومة حوالي 35-41 دولارًا لكل طن.

تحتاج وزارة التموين في مصر إلى حوالي (8.25 مليون طن) من القمح سنويًا لجعل الخبز المدعوم متاحًا لأكثر من 70 مليون مصري من أصحاب بطاقات الدعم العيني، ووفقًا لميزانية 2024-25. يتم الحصول على حوالي (3.5 مليون طن) محليًا والباقي مستورد. أخبرت الهيئة العامة للسلع التموينية (GASC) وكالة رويترز يوم الجمعة أن نظام الخبز المدعوم كان “مستقرًا.”

مصر هي واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، حيث تنفق الدولة حوالي (104 مليارات جنيه مصري أي ما يعادل 2.1 مليار دولار) سنويًا على الواردات من القمح ومعظمها من روسيا. وفي أغسطس الماضي، أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي بطرح أكبر مناقصة قمح في تاريخ البلاد في محاولة لتأمين أسعار رخيصة بعد انخفاض في المؤشر العالمي. وعليه استكشفت البلاد بدائل بما في ذلك القروض البنكية لشراء القمح والصفقات المباشرة مع التجار.

بالإضافة إلى ذلك، اقترحت وزارة التموين استخدام دقيق الذرة الأرخص في صناعة الخبز، وهي فكرة لم يتم التخلي عنها تمامًا. إلا أن المخابز تعارض هذه الخطة، وتحتج بـ أن الدقيق الخشن الذي يحتوي على المزيد من الذرة والنخالة يتطلب أوقات خبز أطول، وسيزيد من تكاليف العمالة. كما تعارض المطاحن لأنها تتقاضى أجرًا بناءً على كمية القمح التي تعالجها، والتي ستنخفض.

الحلول المقترحة بالنسبة لمصر

إحدى الاستراتيجيات الفعالة هي تعزيز إنتاج القمح المحلي، والذي يمكن تحسينه بشكل كبير من خلال الاستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة مثل الزراعة الدقيقة والمحاصيل المعدلة وراثيًا. يمكن أن تقلل أنظمة إدارة المياه غير الفعالة، مثل الري بالتنقيط وتقنيات توفير المياه، من هدر المياه وزيادة قدرة الأرض على دعم زراعة القمح. تقدر البنك الدولي أن إدارة المياه الفعالة يمكن أن تعزز الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 50%.

تلعب السياسات الحكومية دورًا محوريًا في دعم القطاع الزراعي، من خلال تقديم الدعم المالي للبذور والأسمدة والآلات لتقليل التكاليف على المزارعين وتشجيع الإنتاج الأكبر. يمكن أن تمكّن المساعدات المالية المستهدفة والوصول إلى الائتمان المزارعين من الاستثمار في أراضيهم وتحسين غلاتهم. كما أن تنويع مصادر استيراد القمح في مصر، وإقامة اتفاقيات تجارية مع مجموعة أوسع من الدول، والاستثمار في البحث والتطوير الزراعي أمر ضروري أيضًا.

يمكن أن تساهم ممارسات الزراعة المستدامة، مثل تناوب المحاصيل، والزراعة العضوية، وإدارة الآفات المتكاملة، في صحة التربة والبيئة على المدى الطويل. تشير المفوضية الأوروبية إلى أن ممارسات الزراعة المستدامة يمكن أن تزيد من ربحية المزارع بنسبة تصل إلى 20% مع تقليل الأثر البيئي.

تعتبر برامج التعليم والتدريب للمزارعين ضرورية، حيث يفتقر العديد من المزارعين الصغار في مصر إلى الوصول إلى أحدث المعلومات والتقنيات. يمكن للحكومة تمكين المزارعين من اعتماد الممارسات الحديثة وتحسين غلاتهم. يمكن أن يؤدي تحديث مرافق التخزين وشبكات النقل إلى تقليل الفاقد بعد الحصاد وضمان وصول القمح المنتج محليًا إلى السوق بكفاءة.

أخيرًا، يمكن أن تعزز الشراكات بين القطاعين العام والخاص الابتكار والاستثمار في القطاع الزراعي. يمكن أن تجلب الشركات الخاصة رأس المال والتكنولوجيا والخبرة، بينما يمكن للحكومة تقديم الدعم التنظيمي والحوافز. من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات، يمكن لمصر تقليل اعتمادها على استيراد القمح، وتخفيف الأعباء المالية، وضمان نظام غذائي أكثر مرونة واستدامة لشعبها.

يجب على مصر استكشاف حلول مبتكرة لتقليل اعتمادها على القمح الأجنبي. إحدى الحلول المحتملة لمصر الوصول إلى اتفاقيات تجارية مفضلة، واستيراد قمح بأسعار أكثر ملاءمة من خلال عضوية بريكس، وكذلك الحصول على تقنيات زراعية متقدمة. يمكن لمصر جذب استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة في قطاعها الزراعي، مما يعزز الإنتاجية ويدعم المزارعين المحليين. يمكن أن يوفر الانضمام إلى البريكس أيضًا مزايا سياسية ودبلوماسية، مثل تحسين مفاوضات التجارة وتقليل الرسوم الجمركية. ومع ذلك، يجب على مصر أيضًا التركيز على الإصلاحات المحلية والسياسات التي تدعم التنمية الزراعية.

يختلف الموقف في الجزائر عن مصر لأن الجزائر دولة غير مديونة

منعت الجزائر الشركات الفرنسية من المشاركة في مناقصة استيراد القمح بسبب تجدد التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وباريس. وقد عقدت الوكالة الجزائرية الحكومية للحبوب، OAIC، مناقصة محدودة لأسباب فنية مرتبطة بالاحتياجات الصناعية، معاملة جميع الموردين بشكل عادل بغض النظر عن مصدر القمح. الجزائر هي واحدة من أكبر مشتري القمح في العالم، حيث تم تجاوز فرنسا من قبل روسيا في العامين الماضيين مع تدفق إمدادات البحر الأسود إلى سوقها الضخم للاستيراد. تعكس القيود المفروضة على فرنسا نزاعًا دبلوماسيًا قبل ثلاث سنوات أدى إلى تهميش فرنسا من مناقصات القمح في مستعمرتها السابقة لعدة أشهر.

عقدت الجزائر واحدة من مناقصاتها العادية يوم الثلاثاء، حيث يُقدّر أن OAIC قد اشترت أكثر من 500,000 طن متري. تُعقد المناقصات على أساس اختيار المصدر، حيث يمكن للبائع اختيار مصدر الحبوب من بين مجموعة من المصادر المعتمدة، بما في ذلك القمح الفرنسي. ومع ذلك، قال ستة مصادر مطلعة على الأمر إن الشركات الفرنسية لم تتلق دعوة للمشاركة هذه المرة، بينما طُلب من الشركات غير الفرنسية التي شاركت عدم اقتراح القمح الفرنسي كخيار للتوريد.

حيث تقوم الجزائر برد الصاع صاعين لـ الإدارة الفرنسية التي تحيزت للمغرب، بحيث أعترفت بأن الصحراء الغربية في غرب أفريقيا تقع تحت السيادة المغربية بالرغم من مطالبات الجزائر بـ استقلالية وسيادة لهذا الإقليم تجنبا لأي خلافات إقليمية ودولية.

ويقوي جانب الجزائر في هذا الصدد أن الجزائر هي من أكبر مصدري الغاز إلى غرب أوروبا، وخصوصا فرنسا، وكذلك أن الجزائر بحكم التقارير المالية الدولية الصادرة عن صندوق النقد الدولية من الدول العربية الوحيدة الغير مكبلة بالديون، وهذا كله يعطيها سيادة في قرارها الاقتصادي السياسي.

رفضت وزارة التجارة الخارجية الفرنسية التعليق، محيلة الأمر إلى وزارة الزراعة، التي لم تستجب على الفور لطلبات التعليق. لم يُنظر إلى القمح الفرنسي على أنه في منافسة للفوز بالأعمال في مناقصة هذا الأسبوع بسبب حصاد ضعيف وأسعار أعلى بكثير من تلك في روسيا.

إضافة إلى ذلك الجزائر مرشحة بقوة للقبول في مجموعة بريكس بلس، لأنها أيضا تميل للشرق أكثر والقوى العالمية الجديدة كـ الصين وروسيا. وربما سيعلن عن قبولها خلال القمة المقبلة لـ بريكس بعد أسبوع من الآن التي ستعقد في قازان الروسية في الفترة ما بين 22-24 أكتوبر الحالي – حيث ان روسيا هي الرئيس الحالي لهذه الدورة بعد جنوب إفريقيا في 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى