رأى

كنــوز مصــر.. ولكـــــن ؟!

استمع

بقلم: د. سعيد حسنين

سياسة واقتصاد جامعة عين شمس 

تتسم جمهورية مصـر العربيـة بالعديد من المميزات والتى تتمثل فى مواردها المتعددة وهـى: الموقع الجغرافى المتميز، ومورادها المائية الممثلة فـى نهـر النيل والمياة الجوفية فهى ليست دولة حبيسة مثل جمهورية تشاد وإنما تطـل على أهـم وأطـول بحـرين فى العالم وهمـا البحـر الأحمـر الذى يعتبر الرابط الأساسى لمصـر ولجميع دول الشرق الأوسط ويقود علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول الأخـرى، والبحر المتوسط الذى يعتبر الشريان الرئيسى الذى يربط الشرق بالغرب ويقود معظم علاقاتها مع الدول الغربية ودول حوض البحر المتوسط.

وكما يشق نهر النيل أرضها من الجنوب إلى الشمال وهو أطول الأنهار فى العالم ويبلغ طوله من المنبع حتى المصب نحو ( 6825 كيلو متر مربع ، وتبلغ مسـاحة حـوضـه حـوالى 3.1 مليون متر مربع ) ويمتد فى إحدى عشرة دولة أفريقية ، ويتفرع إلى فرعين يصبان فى البحر المتوسط وهما فرع دمياط فى الشرق وفرع رشيد فى الغرب ، واللذان يحصران فيما بينهما دلتا النيل التى تعد من أخصب الأراضى الزراعية فى مصـر ، وبالإضافة لعدد الموانى البحرية المطلة على البحرين الأحمـر والمتوسط ، وخليجى السـويس والعقبه ، وما تمثله قناة السويس من أهمية بالغة فى دعم مكانة الموقع الجغرافى المصرى حيثُ تصـل البحرين الأحمر والمتوسط بطريق مائى بحرى مباشر دون أى حلقة برية وسيطة فهى طريق شريانى للعالم بالنسبة للتجارة الخارجية والملاحه البحريه عموماً، وكذلك الطرق والممرات الملاحية والنهرية سواء الطبيعية أو الصناعية … الـخ ، وكذلك الدور الحيوى للنقل البرى فى نقل التجارة الخارجية من وإلى مصر. ، ومصـادر الطاقة المتجددة والممثلة فى الشمس والـرياح ، حيثُ تعد مصـر من الدول الواعـدة فى أنتاج الطاقة المتجددة لما تتمتع به من مناخ ملائم وموقع متميز فهى أكثر الـدول الملائمة لتنفيذ مشروعات توليد الطاقة الكهربائية بالرياح والتى تتسم بالديمومة والإستمرارية وعدم النضوب ، وفيما يتعلق بالطاقة الشمسية كمصدر للطاقة المتجددة نجد أن لمصر العديد من المميزات التنافسية الناتج عن وقوعها ضمن الحزام الشمسى وفقاً لأطلس الشمس الذى تتوافر فيه ساعات سطوع الشمس ويصل أرتفاع حدة أشعة الشمس المباشرة فى مصر ، والتى تتراوح ما بين ( 2000 : 2600 كيلو وات ساعة / متر مربع ) وهذا غير متوافر فى عدد كبير من الدول الأمـر الذى يجعلها مصـدراً مهمـاً لتوليد الطـاقـة. ، والثروة المعـدنية وتنقسم الثروات المعدنية فى مصـر إلـى ثلاثة أنـواع أساسية وهــى:

1- خامات الطـاقـة : وتشمل المـواد البترولية كالبترول والغاز الطبيعى.

2- الخـامات الفلزية : وتشمل ثلاث أطياف من المعادن وهما الخامات الحديدية والخامات غير الحديدية كالنحاس والزنك والرصاص والقصدير والمعادن النفيسة كالذهب والفضة والبلاتين.

3- الخامات اللافلزية : وتشمل خامات الصناعات الكيميائية والأسمدة وخامات الحراريات والسيراميك وخامات مواد البناء والرصف وأحجار الزينة والأحجار الكريمة وشبه الكريمة.

وأن ما ذكرناه هو جزء بسيط مما تتميز به جمهورية مصـر العربية التى يبلغ إجمالى مساحتها (1010408 كيلو متر مربع ) موزعة على (27 محافظة) ونجد أن أكبر محافظات مصر من حيثُ المساحة هى محافظة الوادى الجديد البالغ مساحتها (440098 كيلو متر مربع ) وأصغرها من حيث المساحة هى محافظة دمياط والبالغ مساحتها (910.26 كيلو متر مربع )، لكـــــن رغـم كل هذه المميزات وأكثر ما زالت مصر من الدول النامية وأذا نظرنا على الصعيد العالمى نجد أن دولة سنغافورة على سبيل المثال والبالغ مساحتها ( 710 كيلو متر مربع ) وهى أصغر من مساحة محافظة دمياط وبها مساحات محدودة من الأراضـى الصالحـة للـزراعة ، ولذلك فهى تعتمد بشكل كبيـر على مجمعات التكنولوجيـا الـزراعية من أجل الإنتـاج الـزراعى وتعتمد على شراء المواد البترولية الخام والعمل على تكريرها بغرض إعادة تصديرها كمـا هو الحال فى صناعة الرقائق وتكـرير النفط.

وهنا نتسائل كيف وصلت سنغافورة فى زمن قصير جداً إلى مصاف دول أسيا المتقدمة والعالم رغم صغر مساحتها وقلة مواردها بينما ما زالت مصر من البلدان النامية؟

يرجع هذا إلى تبنى حكومة سنغافورة عقب أستقلالها عام ( 1965 م ) سياسات اقتصادية وإجتماعية جعلتها تتحول من دولة نامية إلى دولة متقدمة ذات اقتصاد مرتفع فى غضون عقود قليلة أصبحت سنغافورة تصنف من أكثر الاقتصادات أنفتاحاً على العالم ، ورابع أهـم مـركـز مـالـى على مستـوى العـالم ، وثالث أقـل اقتصـاد من حيثُ الفسـاد ، وكما تحتل المركز الثالث فى العالم من حيثُ الناتج المحلى الإجمالى للفرد، وصُنفت أيضاً من أكثر الدول التى تدعم الأعمـال التجارية ، وذلك بسبب أهتمامها بتعليم وتدريب العنصر البشرى وأكتسابه العديد من الخبرات والمهارات مما جعلها تحتل هذه المراكز وتصبح أيضاً مركزاً صناعياً رئيسياً تنتج الكيميائيات والملابس والنسيج والألات الكهربائية والإلكترونية والإدوات المنزلية والمعدات الصناعية والإجهزة العلمية والبصرية ومنتجات المطاط والبلاستيك، وبناء وأصلاح السفن … الــخ . ، بينما نحن فى مصر نحتاج أن نرجع إلى النظرية الاقتصادية فى التخصص وتقسيم العمـل وأستغلال الموارد المتاحة أستغلال أمثل ولـن يتأتى هذا إلى بالإهتمام بأهـم عنصر فى العملية الإنتاجية وهـو (العمل ) وبهذا يتضح لنا أن العنصر البشرى هو أهم عناصر العملية الإنتاجية وأن كانت هناك ندرة فى العناصر الأخـرى نستطيع التغلب عليها فالهرم الاقتصادى الشامخ فى سنغافورة أهتم بالقاعدة العريضة والأساس القوى وهو تعليم وتدريب وتنمية مهارات وخبرات العنصر البشرى لتكون الإجابة واضحـة كما ذكر المؤسسين الأوائل لعلم الاقتصاد حيثُ وضح ( لورانس فرازير أبوت ): أن الإنسان لا يستطيع الحصـول على طيبات الحياة إلا من خلال مزج الجهد البشرى بالموارد الأخـرى. ، فلا يكون الأستغلال الأمثـل للموارد إلا بتنمية الإنسان من خلال التعلم والتدريب المستمر وأكتساب الخبرات ، وكما وضح لنا ( أرثر سيسيل بيجو ) : إيضاً ضرورة العمل على تحسين مستوى رفاهة الإنسان والمجتمع.

ومـن هنـا يأتى تساؤل أخــر هل نستطيع بناء دولـة ذات اقتصاد قوى بلا إنسـان قوى؟

– ونظـراً لأن قوة اقتصادات الدول بقوة مركزها المالى فهنا يكون الجواب هو زيادة الثروات ولكن للأسف تمت الإجابة على هذا التساؤل فى الربع الأخير من القرن الثامن عشر مع نشر الاقتصادى الأنجليزى ( أدم سميث ) كتابه ( ثروة الأمـم ) فى عام ( 1776 م )، حيثُ جاء موضحاً فى هذا الكتاب أن قوة الدول بقوة ثرواتها وأنه لا تعارض بين مصلحة الفرد والدولة فالفرد الذى يقوم بالإهتمام بمصلحته الشخصية يساهم فى أرتقاء المجتمع ككـل من خلال مبدأ ( اليد الخفية ) الذى يشرح فيه أن العائد العام للمجتمع هـو مجموع عـوائد الأفـراد.

 ولعـل الإجابة أتضحت الأن وهى أن نقدم أولوية الأهتمام بالعنصـر البشرى على أى أعتبار أخـر وذلك بتحسين البنية التحتية التعليمية والفنية والتكنولوجية لإبناء الوطن ودعم القطاع الخاص مما يؤدى إلى إعادة النظر فى تخصيص الموارد فى جميع محافظات مصـر وتعظيم أستغلالها لتصبح الزيادة فى الناتج المحلى الإجمالى زيادة حقيقية وليست نقدية وأن يكون التوزيع عادل للعوائد على أفـراد المجتمع كلاً حسب مساهمته فى العملية الإنتاجية مما يزيد من معدل رفاهة الأفـراد وزيادة معدلات النمو الاقتصادى وهذا يخلق لدى الأفـراد الإنتماء والولاء لبلدهم وزيادة الحرص عليها والعمل على تقدمها لما ينعكس عليهم من حياة كريمـة.

فإذا جاءت الأستراتيجيات والسياسات وفقاً للإجابة السابقة تحقق المفهوم الحقيقى للتنمية المستدامة وتحولت مصر من دولة نامية إلى متقدمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى