رأىسلايدر

حرب الاتصالات العالمية.. إلى أين؟!

استمع الي المقالة

د. أحمد مصطفى يكتب

حرب الاتصالات لا تزال قائمة بين العرب وإسرائيل حتى الآن، وكذلك بين الغرب في مواجهة الصين وروسيا على الرغم من التقدم في مجال التكنولوجيا والاتصالات العالمية، إلا أن حرب الاتصالات بين الدول العربية وإسرائيل لا تزال قائمة. وقد شكل هذا الصراع المستمر عقبة كبيرة في تحقيق السلام والتفاهم بين هاتين المجموعتين. وقد أدى عدم وجود قنوات اتصال فعالة إلى سوء الفهم وانعدام الثقة، وزاد من حدة التوترات، مما جعل من الصعب إيجاد حل لخلافاتهما. علاوة على ذلك، لا تقتصر حرب الاتصالات على الصراع العربي الإسرائيلي وحده.

فهناك أيضًا صراع مستمر على النفوذ والسيطرة في مجال الاتصالات الدولية بين الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى. ويمتد هذا التنافس إلى ما هو أبعد من الأيديولوجيات السياسية والمصالح الاقتصادية، حيث يسعى كل طرف إلى الهيمنة على السرد وتشكيل الرأي العام على مستوى العالم. وقد أدى ظهور منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة حدة هذه المعركة، حيث يستخدم كل طرف هذه القنوات لنشر رسالته، ومواجهة روايات خصومه، والتأثير على الرأي العام لصالحه.

وقع يوم أمس هجوم إلكتروني كبير على أجهزة الاستدعاء في لبنان، يُزعم أن إسرائيل دبرته كشكل من أشكال الانتقام. ويُعتقد أن هذا الهجوم الإلكتروني جاء رداً على الهجوم الذي تعرضت له الوحدة 8200 الإسرائيلية من قبل حزب الله الشهر الماضي خلال احتفالات الأربعينية. وتعتبر الوحدة 8200 كتيبة التجسس الأكثر نخبة في إسرائيل، مما يجعل هذا الهجوم المضاد ضربة قوية. وعلاوة على ذلك، وقبل يوم واحد فقط من الهجوم الإلكتروني على جهاز الاستدعاء الإلكتروني، أطلقت قوات الحوثي صاروخًا باليستيًا فائق السرعة استهدف عمق إسرائيل.

تسلط هذه الأحداث الأخيرة الضوء على التوترات المتصاعدة وتكتيكات الحرب التكنولوجية المستخدمة في المنطقة. إن عواقب حروب الاتصالات هذه بعيدة المدى وعميقة الأثر. فهي لا تعيق الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والتعاون فحسب، بل تقوض أيضاً الثقة والتفاهم بين الدول. في عالم اليوم المترابط، أصبح التواصل الفعال أكثر أهمية من أي وقت مضى. فهو ضروري لتعزيز الحوار وحل النزاعات وتعزيز التفاهم المتبادل. ومع ذلك، طالما استمرت حروب الاتصالات هذه، ستظل آفاق السلام والتعاون بعيدة المنال.

فضح الكاتب الفرنسي “تيري ميسان” التسريبات المعلوماتية في لبنان بعد إنشاء المحكمة الوهمية الخاصة بمصرع رفيق الحريري، في حين كشف “إدوارد سنودن” عن تجسس الولايات المتحدة وبريطانيا على حلفاء الناتو وروسيا والصين عبر شركتي إريكسون السويدية ونوكيا الفنلندية.

وكشف الكاتب الفرنسي الشهير تيري ميسان عن هشاشة أمن المعلومات في لبنان بعد إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان. وقد كشف عمل ميسان أن المحكمة كانت أداة للتلاعب السياسي وجمع المعلومات عن لبنان بما أسقط سيادتها المعلوماتية والسيبرية، بدلًا من السعي الحقيقي لتحقيق العدالة. فضح إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، عمليات المراقبة الضخمة التي قامت بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكشف أن هاتين الدولتين القويتين كانتا تتجسسان على من تعتبرانهم أعداءهما مثل روسيا والصين وحلفائهما داخل حلف شمال الأطلسي. وقد أدى هذا الكشف إلى صدمة في جميع أنحاء العالم، مسلطًا الضوء على المدى الذي كانت هذه الدول مستعدة للذهاب إليه لجمع المعلومات الاستخباراتية، حتى على حساب حلفائها.

كما أدّت تسريبات سنودن إلى توريط شركتي الاتصالات السلكية واللاسلكية الرئيسيتين، إريكسون السويدية ونوكيا الفنلندية، في أنشطة التجسس التي تقوم بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وقد تبين أن هاتين الشركتين متواطئتان في السماح للولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالاستفادة من أنظمتهما وجمع معلومات حساسة عن روسيا والصين، مما أثار مخاوف بشأن أمن شبكات الاتصالات العالمية ودور الشركات الخاصة في تسهيل التجسس الذي ترعاه الدول. إن عمل هذه الشركات بمثابة تذكير صارخ بأهمية الشفافية والمساءلة في العلاقات الدولية والحاجة إلى ضمانات قوية لحماية الخصوصية الفردية والأمن القومي.

تتعاون شركات التجسس الإسرائيلية مثل بيجاسوس مع شركات الاتصالات الأمريكية مثل كوالكوم، وكذلك المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وتقوم كل من بيجاسوس وكوالكوم بتشغيل هواتف أبل وسامسونج وغيرها من العلامات التجارية الكبرى للهواتف المحمولة وأجهزة الاستدعاء باستثناء العلامات التجارية الصينية الكبرى خاصة هواوي

اكتسبت شركة بيجاسوس، وهي شركة تجسس إسرائيلية، شهرة كبيرة في صناعة المراقبة العالمية بسبب تقنيتها المتقدمة. وقد زادت الشركة من تعاونها مع كبرى شركات الاتصالات، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، مما أثار مخاوف بشأن إساءة الاستخدام المحتملة لهذه التكنولوجيا القوية. ومن اللاعبين الرئيسيين في هذا التعاون شركة كوالكوم، وهي شركة أمريكية رائدة في مجال معدات الاتصالات. تتخصص شركة بيجاسوس في تطوير برامج التجسس التي يمكنها التسلل إلى الأجهزة المحمولة والتحكم فيها، مما يسمح بالمراقبة واستخراج البيانات في الوقت الفعلي. ومن خلال دمج برنامج التجسس الخاص بشركة بيجاسوس في شرائح كوالكوم، يمكن لشركات الاتصالات الوصول إلى بيانات المستخدمين الحساسة دون علمهم أو موافقتهم.

كما استثمرت المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة بكثافة في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الناشئة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في تبادل المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيا بين هذه الدول. على سبيل المثال، أفادت التقارير أن الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في المملكة المتحدة استخدمت برنامج التجسس الخاص بشركة بيجاسوس لمراقبة النشاط الإجرامي، بينما اتُهمت الإمارات العربية المتحدة باستخدام تكنولوجيا مماثلة لقمع المعارضة السياسية وغيرها.

ومع ذلك، أثار هذا التعاون المتزايد مخاوف بشأن الخصوصية وحقوق الإنسان. ويجادل المنتقدون بأن استخدام أدوات المراقبة القوية هذه يمكن أن يؤدي إلى إساءة استخدام وانتهاك خصوصية الأفراد على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن تقع هذه التقنيات في الأيدي الخطأ، مما يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن العالمي. ومع استمرار الحكومات والشركات الخاصة في دفع حدود تكنولوجيا المراقبة، من الضروري إعطاء الأولوية للاعتبارات الأخلاقية وضمان الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات.

وتثير حادثة جهاز الاستدعاء في لبنان الذي صنعته شركة ”جولد أبولو“ التايوانية مخاوف بشأن صلات محتملة بإسرائيل أو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مما يستدعي إجراء تحقيق فوري.

كما أن تورط المبعوث الأمريكي، هوغستين، في هذه المسألة يستدعي التدقيق أيضًا. فالتقارير تشير إلى أنه زود إسرائيل بكلمة السر الخاصة بأجهزة الاستدعاء وربما تكون وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد نصحت الجانب الصهيوني بتنفيذ هذا الهجوم بدلاً من الحرب البرية ضد لبنان دون أن يكون النصر مضموناً وفقاً لنتائج حرب 2006 التي كانت ضد إسرائيل، مما يزيد من التكهنات حول مدى تورط الولايات المتحدة في هذه الحادثة. هذا الكشف له تداعيات كبيرة على العلاقات الدولية والأمن الدولي، إذ يمكن أن يشير إلى مستوى من التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل يتجاوز القنوات الدبلوماسية المعلنة.

علاوة على ذلك، فإن استخدام أجهزة الاستدعاء كوسيلة اتصال في هذا الحادث جدير بالملاحظة. أجهزة الاستدعاء هي تكنولوجيا قديمة نسبيًا، وغالبًا ما ترتبط بعصر ما قبل الهواتف الذكية. ويثير استخدامها في هذا السياق تساؤلات حول النوايا الكامنة وراء استخدامها. هل تم اختيارها لمزاياها الأمنية المتصورة، مثل كونها أقل عرضة للاعتراض أو الاختراق مقارنة بالأجهزة الرقمية الحديثة؟ أم كان هناك سبب آخر لاختيار هذا الشكل الخاص من الاتصالات؟

وفي ضوء هذه التطورات، من الضروري إجراء تحقيق شامل في الظروف المحيطة بحادثة أجهزة الاستدعاء في لبنان. وينبغي ألا يقتصر ذلك على تحديد الجهة الموردة لأجهزة الاستدعاء فحسب، بل يجب أن يشمل أيضًا استكشاف أي صلات محتملة بالمصالح الإسرائيلية أو مصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وكما نعلم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على شركات الاتصالات التايوانية في حرب التنافس مع الصين. علاوة على ذلك، يجب فحص دور المبعوث الأمريكي في هذه المسألة بشكل كامل لضمان الشفافية والمساءلة في الشؤون الدولية.

في نهاية المطاف، ستكون الإجابات على هذه الأسئلة حاسمة في تحديد الطبيعة الحقيقية لهذا الحادث وتداعياته على الأمن العالمي. ومع ظهور المزيد من المعلومات، من الأهمية بمكان أن تخضع جميع الأطراف المعنية للمساءلة عن أفعالها وأن تُتخذ تدابير لمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.

* ملاحظات!

تسلط الاكتشافات الأخيرة الضوء على ضرورة توخي الحذر عند اختيار المنتجات والبرمجيات الإلكترونية. يجب تجنب شركات مثل بيجاسوس وكوالكوم، إلى جانب الشركات المرتبطة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أو المخابرات البريطانية أو الموساد، بسبب أنشطة المراقبة والتجسس المحتملة. كما يجب على المستهلكين أيضاً تجنب المنتجات من دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا والإمارات العربية المتحدة وتايوان، والتي لها تاريخ في التعاون مع وكالات الاستخبارات.

تمثل قمة بريكس القادمة في قازان بروسيا فرصة للدول العربية والإسلامية للتعاون مع الصين وروسيا في مبادرة رائدة. وقد يؤدي ذلك إلى إنشاء محرك بحث خاص بهم ينافس هيمنة جوجل. ومن شأن هذا التعاون أن يعزز النمو الاقتصادي، والتقدم التكنولوجي، والتفاهم الثقافي، ويُظهر قوة هذه الدول في سعيها لتحقيق السيادة الرقمية. ومن شأنه أيضًا أن يعالج المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات وأمنها، وإنشاء بديل جدير بالثقة لمحركات البحث الغربية.

تدرس بلدان الجنوب، وخاصة في نصف الكرة الجنوبي، شراء منتجات الاتصالات السلكية واللاسلكية مباشرة من الصين أو روسيا لضمان السلامة والأمن. هذا النهج يتجاوز الوسطاء، ويسمح بتحكم أفضل في المشتريات، ويخفف من مخاطر خصوصية البيانات. كما أنه يعزز العلاقات الدبلوماسية الأقوى مع هذه الدول. ومع ذلك، يجب معالجة المخاوف المتعلقة بجودة المنتج وخدمة ما بعد البيع قبل إبرام الاتفاقيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى