رأىسلايدر

الصعود السريع للنظام العالمي الجديد يعني انتصار “غزة”

استمع

د. أحمد مصطفى يكتب

الصواريخ الروسية والإيرانية فائقة الصوت تنقل الاستراتيجية العالمية إلى فئة جديدة وتقلب تفوق الولايات المتحدة وبريطانيا وحلف شمال الأطلسي رأساً على عقب في هذا الصدد

في عصر تحدد فيه القدرات العسكرية بشكل متزايد المشهد الجيوسياسي، فإن التطورات في روسيا وإيران فيما يتعلق بالصواريخ فائقة الصوت قد ألقت بالفعل ضوءًا جديدًا على ديناميكيات الاستراتيجية العالمية. وتمثل الأسلحة فائقة السرعة، التي تُعرّف بأنها تلك التي تتمتع بالقدرة على الوصول إلى سرعات تتجاوز 5 ماخ، أو حوالي ميل واحد في الثانية، قفزة نوعية في القدرات الهجومية. هذه الأسلحة ليست أسرع فحسب، بل أكثر قدرة على المناورة من الصواريخ الباليستية التقليدية، مما يجعل اكتشافها واعتراضها من قبل أنظمة الدفاع الحالية أكثر صعوبة بكثير.

وقد أدى ظهور التقنيات فائقة الصوت من قبل روسيا وإيران إلى زعزعة الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا وحلف الناتو في مجال الدفاع الجوي الفضائي. هذه التحالفات المعروفة بأنظمة دفاعها الصاروخي المتطورة تواجه الآن تحدياً لأن أسلحتها يمكن أن تتجاوز شبكات دفاعها الجوي. كما يستلزم تطوير ونشر هذه الأسلحة إعادة تقييم الاستراتيجية العالمية والتخطيط الدفاعي.

يمكن للصواريخ الفائقة السرعة أن تقوض العقيدة الاستراتيجية ”التدمير المتبادل المؤكد“، التي تهدف إلى منع المواجهات النووية عن طريق الضرب أولاً. ويمكنها أن تُدخل عدم القدرة على التنبؤ في الحرب، مما قد يؤدي إلى مزيد من المواقف العدوانية وزعزعة استقرار هياكل القوة القائمة. يستدعي هذا الوضع تنشيط الحوار الدولي، مع التركيز على الحد من التسلح والدبلوماسية، لمنع تصعيد التوتر وضمان الاستقرار العالمي.

وسيتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء الناتو الاستثمار في التدابير الدفاعية والدبلوماسية والتحالفات القادرة على مواجهة التحديات فائقة السرعة وإدارتها. إن إدخال أنظمة الإيصال فائقة السرعة هذه في البيئة الأمنية العالمية يشير إلى حقبة جديدة تلعب فيها التطورات التكنولوجية دوراً محورياً في تشكيل العلاقات الدولية. وثمة حاجة إلى بذل جهود جماعية لضمان أن يعزز التقدم التكنولوجي الاستقرار والسلام، بدلاً من إدامة النزاعات أو تفاقمها.

هل حصل الحوثيون على صاروخهم فائق الصوت الذي هاجم تل أبيب صباح أمس من بوتين أو إيران انتقامًا من الفظائع والإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الأبرياء في غزة والحديدة؟

لقد أثار قرار الرئيس بوتين بتزويد الدول المعادية للناتو، بما في ذلك الحوثيين، بصواريخ فائقة الصوت، حقبة جديدة من عدم اليقين والخوف. ويُعد هذا الإجراء بمثابة تحذير لحلف الناتو وحلفائه، حيث يسلط الضوء على قدرات روسيا العسكرية واستعدادها لتحدي النظام القائم. وتشكل الصواريخ، التي يمكن أن تتحرك بسرعة تتجاوز 5 ماخ، تهديدًا كبيرًا بسبب قدرتها على الإفلات من أنظمة الدفاع التقليدية.

ويثير هجوم الحوثيين على تل أبيب، المنسوب إليهم، تساؤلات حول مصدر هذه الأسلحة. وتشير التكهنات إلى أن الصواريخ ربما تم شراؤها مباشرة من روسيا أو من خلال إيران، الداعم القديم للجماعة المسلحة. ويبدو هذا العمل العدواني رداً مباشراً على العدوان الإسرائيلي في غزة والحديدة، مما يسلط الضوء على الجغرافيا السياسية المعقدة والروايات المتضاربة التي تحيط بالمنطقة المضطربة.

إذا كانت روسيا مسؤولة عن توريد هذه الأسلحة، فإن ذلك يشير إلى تحول في الديناميكيات العسكرية العالمية واستعداد لتصعيد المواجهات بما يتجاوز الخطاب المعتاد. ويمكن أن يؤدي توفير الأسلحة المتطورة إلى تشجيع الجهات الفاعلة من غير الدول مثل الحوثيين على تحدي خصوم أكثر شراسة، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في المناطق المضطربة أصلاً. إن الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات بين روسيا والناتو وإسرائيل وجيرانها في الشرق الأوسط أصبحت الآن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

وبالتالي تريد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وقف التداعيات الإعلامية العالمية السلبية للصواريخ الحوثية فائقة الصوت عبر عملية الاغتيال الثانية المفبركة لـ ترامب، خشية خسارة حصتها في السوق العالمية لبيع الأسلحة.

تواجه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تحديًا كبيرًا في قدراتها الدفاعية بسبب التقدم الذي أحرزته قوات الحوثيين مؤخرًا. وقد أثار استخدام الحوثيين لصواريخ ”هايبر سونيك“ تساؤلات حول موثوقية أنظمة الدفاع الجوي الغربية، التي تعد المزود الرئيسي لهذه الأنظمة. ويشكل هذا الأمر تهديدًا لهيمنة الغرب على سوق الأسلحة، حيث تفشل منصاتهم الدفاعية في اعتراض وإبطال المد المتصاعد للأسلحة المتطورة لدى حركة المقاومة بشكل فعال، خاصة تلك التي تتميز بقدرتها على المناورة والسرعة المعززة مثل الصواريخ فائقة الصوت والطائرات بدون طيار المطورة.

ولتفادي الآثار السلبية المترتبة على هذه الاكتشافات التي تغذيها وسائل الإعلام، تلجأ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى أساليب غير تقليدية، مثل تدبير روايات عامة، مثل اختلاق محاولة اغتيال ثانية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ومع ذلك، فإن هذا لا يفعل شيئًا يذكر لمعالجة المشكلة الأساسية المطروحة: فشل شبكات الدفاع الغربية في اعتراض وتحييد القدرات المهددة للأسلحة الحديثة التي يتم نشرها في ساحة المعركة العالمية.

إن صناعة الدفاع التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسلامة حلف الناتو والاقتصاد الأمريكي، لديها الكثير لتخسره في هذا السيناريو. ويبقى البحث عن حلول دفاعية بديلة هو المفتاح لوقف فيض العجز الاقتصادي والخسارة الزاحفة للحصة السوقية العالمية. وقد يؤدي الفشل في معالجة هذه المشكلة إلى هزات ارتدادية شديدة في تفوقهم الاقتصادي، مما يؤدي إلى تحول كبير في الميول العالمية للبحث عن أنظمة دفاعية متطورة من المنافسين التقليديين بدلاً من حلفائهم التقليديين.

لم تخسر الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وإسرائيل في غزة فحسب، بل أيضًا أمام الصين وفقًا للتحولات الأخيرة في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكذلك السيارات الكهربائية

شهدت صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحولات كبيرة تتحدى القادة التقليديين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل في سباق التفوق التكنولوجي في القطاعات المدنية. وقد أدت هيمنة شركة هواوي والتقدم الذي أحرزته الصين في مجال الرقائق الدقيقة الرخيصة والفعالة والسيارات الكهربائية (EVs) إلى تحول في القيادة التكنولوجية العالمية، بعيداً عن مراكز القوى التقليدية الغربية والمتحالفة مع الغرب.

لقد أدت هيمنة الصين في المجالات التكنولوجية المتطورة مثل تكنولوجيا الجيل الخامس والجيل السادس والذكاء الاصطناعي وتصنيع أشباه الموصلات إلى تعطيل ديناميكيات السوق التقليدية، مما يشكل منافسة مباشرة لقادة الصناعة الراسخة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل. وتُعد الطفرة غير المسبوقة في كفاءة السيارات الكهربائية (EVs) الصينية الصنع والقدرة على تحمل تكاليفها دليلاً على التزام بكين بالتقنيات التي تركز على المستقبل، مما يشكل تحدياً لهيمنة عمالقة السيارات في أوروبا وأمريكا الشمالية وبدء فصل جديد في تطور سوق السيارات الكهربائية العالمية.

وقد أثارت القوة الاقتصادية المتنامية للصين، لا سيما في صناعات التكنولوجيا الفائقة، موجة من القلق في وسائل الإعلام الأنجلوسكسونية، مع اتهامات وتخمينات حول عدم الاستقرار الاقتصادي والعجز العقاري المحتمل في الصين. وتبدو هذه الحملة، الخالية في كثير من الأحيان من الأدلة الجوهرية، استراتيجية أكثر منها إعلامية، وهي بمثابة أداة لتصوير النمو الاقتصادي الصيني بصورة سلبية وحشد الرأي العام الدولي ضدها.

وقد برزت حملة إعلامية أنجلوسكسونية تصور الصين بصورة سلبية فيما يتعلق بالعجز في قطاعها العقاري، مع تكهنات بأن السبب في ذلك يعود إلى حد كبير إلى السرد المطلوب لمواجهة الطفرة في النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي الصيني. فقد بدأت التكنولوجيا الصينية عالية الجودة والفعالة من حيث التكلفة، والتي تقودها شركة هواوي في المقام الأول، حقبة لا تتحدى فيها الهيمنة التكنولوجية للغرب فحسب، بل من المحتمل أن تتفوق عليه. وبينما يشاهد العالم هذه المناورات الجيوسياسية تتكشف، من الواضح أن ديناميكيات صناعة التكنولوجيا العالمية تشهد تحولاً كبيراً لا يمكن تجاهله.

يسلط هذا الوضع الضوء على الحاجة إلى اتباع نهج أكثر توازناً في العلاقات الدولية، واحترام سيادة جميع الدول وتقدمها، بدلاً من اللجوء إلى الحرب الخطابية أو حملات التضليل الإعلامي. ومع استمرار تطور المشهدين التكنولوجي والاقتصادي العالميين، من الضروري أن تعمل الدول بشكل تعاوني مستفيدة من نقاط قوتها لتحقيق المنفعة المتبادلة، بدلاً من الانكفاء على سياسات انعزالية قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراعات المحتملة.

إن التطورات الأخيرة التي شهدها المشهد الشرق أوسطي خاصة في غزة ستؤسس لتحالف إقليمي جديد وسط 4 دول (مصر وتركيا وإيران والسعودية)

أدى التصعيد الأخير في الشرق الأوسط، وخاصة الوضع المتقلب في غزة، إلى تحولات كبيرة في الجغرافيا السياسية الإقليمية. وتقع كل من مصر وتركيا وإيران والمملكة العربية السعودية في قلب عملية إعادة الهيكلة هذه، ولكل منها مصالح استراتيجية ورؤى فريدة للهيمنة الإقليمية.

وتجد مصر نفسها، بمكانتها التاريخية كوسيط ووسيط قوي، في دور حاسم وهي تسعى للاستفادة من نفوذها لتحقيق الاستقرار في غزة. وتظهر جهود تدخلها الأخيرة للتوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس عزمها على الحفاظ على الاستقرار في جوارها المباشر وإعادة تأكيد نفسها كلاعب رائد في الشؤون الإقليمية.

ومن ناحية أخرى، انتهزت تركيا الفرصة التي أتاحها الصراع في غزة لتعزيز طموحاتها الإقليمية. فقد كانت حكومة الرئيس أردوغان صريحة في انتقادها للأعمال الإسرائيلية في غزة، مستغلةً الوضع لتعزيز مكانتها كنصير للقضية الفلسطينية. ولا يقتصر دور هذه الخطوة على تنشيط القاعدة السياسية المحلية لتركيا فحسب، بل تضعها أيضًا في موقع المدافع الرئيسي عن حقوق الفلسطينيين على الساحة الدولية.

لطالما دعمت إيران، التي غالبًا ما يُنظر إليها كخصم مركزي في مسرح الشرق الأوسط، حركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة. وتسمح التطورات الأخيرة لإيران بتعزيز مكانتها الاستراتيجية كـ”حامية“ للشعب الفلسطيني، وتوسيع دائرة نفوذها. أما المملكة العربية السعودية، الحليف التقليدي للولايات المتحدة واللاعب الرئيسي في منطقة الخليج، فتجد نفسها في مفترق طرق، إذ عليها أن توازن بين دعمها التاريخي للقضية الفلسطينية ومصالحها الاستراتيجية وعلاقاتها الإقليمية.

يعد هذا التحالف الإقليمي اضافة للقوى العالمية الجديدة وخصوصا (روسيا والصين)، بل ويعطى الدول الاربعة كروت قوة في مواجهة الغرب والناتو برئاسة الولايات المتحدة من جهة، وبالمقابل يطمئن كلا من روسيا والصين ويعطيهما فرصة مريحة لتقليم مخالب الناتو مجتمعا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى