أشرف أبو عريف
ألقى السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كلمة في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري الدورة العادية 162 والتى جاءت على النحو التالى:
معالي الدكتور شائع الزنداني
وزير الخارجية وشئون المغتربين للجمهورية اليمنية
رئيس الدورة العادية (162) لمجلس الجامعة على المستوي الوزاري
أصحاب السمو والمعالي الوزراء،
أصحاب المعالي والسعادة الضيوف الكرام،
السيدات والسادة،
أتقدم بالتهنئة لكم معالي الأخ الوزير، على تولي الجمهورية اليمنية رئاسة أعمال الدورة 162 للمجلس الوزاري مُتمنياً لكم كل التوفيق والنجاح.. كما أتقدم بالشكر لمعالي السيد محمد سالم ولد مرزوق وزير الشئون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج على رئاسته للدورة 161 من أعمال المجلس،
واسمحوا لي أن أهنئ أيضاً كلا من السيد الدكتور بدر
عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج بجمهورية مصر العربية، والسيد محمد علي النفطي وزير الشئون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج بالجمهورية التونسية على توليهما مهام وزارة الخارجية في بلديهما، وحضورهما لأعمال المجلس للمرة الأولى.
السيد الرئيس،
نقترب هذه الأيام من مرور عام كامل على العدوان الوحشي على أهلنا في غزة، وفي فلسطين كلها.. عام من الإجرام.. عام من الإبادة والتطهير العرقي، الذي يتبجح ولا يختبئ… يُباهي بالجريمة ويُفاخر بالعار.. غير عابئ بحساب أو عقاب… عام قُتل فيه 17 ألف طفل.. 17 ألف طفل و11 ألف امرأة.
هو أيضاً عام من عجز المجتمع الدولي عن وقف المذبحة.. بل وإسهام بعض القوى الغربية – لا سيما مع بداية العدوان– في تقديم مظلة أمان للإجرام لكي يتمادى، وغطاء سياسي للقتل لكي يتواصل.. بل ويتوسع من غزة الصامدة إلى جنوب لبنان إلى الضفة الغربية… في الضفة وحدها ارتقى سبعمائة شهيد منذ السابع من أكتوبر.. ناهينا عن الدمار والخراب والخسائر الهائلة.
أقول بلا تجميل.. إن القوة الكبرى في عالم اليوم إما لا ترغب في ممارسة الضغط على الاحتلال، وإما أنها لا تستطيع إيقاف هذه البلطجة والوحشية… لقد مرت شهور قبل أن تنطق دول بعينها بكلمة وقف إطلاق النار… وعندما أدركوا فداحة الجريمة وطالبوا بوقف الحرب، كان الوقت قد تأخر… وصار المعتدي واثقاً من أن أحداً لن يراجعه، وأنه فوق القانون.. وفوق المساءلة.. وفوق العدالة الدولية، سواء محكمة العدل أو المحكمة الجنائية.. وفوق الأمم المتحدة وقراراتها… بل وفوق مجلس الأمن وما يصدر عنه من قرارات تدعو بوضوح لوقف إطلاق النار.
وإذا كان الاحتلال يُمارس الإجرام من أجل الانتقام فهو مُدان بالقتل ومُجرد من الإنسانية.. ولكن الهدف يتعدى الانتقام، والغاية أبعد من مجرد الإخضاع والترويع… لدى الاحتلال وهمٌ بأنه باقٍ أبد الدهر… وأنه سيلتهم الأرض مجردة من سكانها.. لذلك فإن أجندته الحقيقية تتخفى خلف حجة الأمن التي يخاطب بها العالم.. هي أجندة قوامها تصفية القضية وضم الأراضي وتحقيق التطهير العرقي والتهجير.
إن التصريحات الرسمية بشأن التطهير والإبادة ليست من اختراعنا.. وهي مسجلة ولن تُنسى أو تُمحى من الذاكرة.. أما نوايا التهجير القسري فمؤكدة، والعمل على تحقيقه متواصل.. بل هو يشمل غزة والضفة معاً.. ويُمارَس كل يوم في صورة تهجير قسري داخلي يُطلقون عليه مُسمى مخففاً هو “أوامر الإخلاء”.
لقد تصدينا جميعاً -متضامنين وبصوت واحد- لهذه المخططات، وسنستمر في مواجهتها وإحباطها، باللسان وبالعمل… نفضحها في العالم كله ليعرف بنوايا الاحتلال ومراميه.. ونعمل بشكل متواصل على دعم صمود الفلسطيني على أرضه… الفلسطينيون يبذلون دماءهم في هذا الصمود البطولي النبيل.. وأقل ما نقدمه هو أسباب الدعم والإسناد لهذا الصمود الذي هو – في واقع الأمور- جوهر قضية فلسطين ومعناها وامتدادها الباقي على الأرض… لقد ارتقى أكثر من 41 ألف شهيد ولكن هناك ستة ملايين باقون على أرض فلسطين، ولا يُمكن إخراجهم منها.
السيد الرئيس،
تحركنا، خلال الشهور المنصرمة على أكثر من صعيد في حملة دبلوماسية مكثفة، قادتها اللجنة الوزارية العربية الإسلامية برئاسة المملكة العربية السعودية… اقتربت المواقف في العالم من مواقفنا بالتدريج… ووجدنا الحكومات تُبدّل من لغتها.. والاعتراف بالدولة الفلسطينية تتوسع رقعته.. والشعوب تُعبر عن رأيها في ظلمٍ إنساني لا ينكره سوى من تجرد من الضمير وانسلخ من الإنسانية.
ويتعين أن نواصل الجهد.. مع الشركاء المقتنعين بعدالة القضية.. والساعين إلى تجسيد حل الدولتين على الأرض، وليس فقط الترويج له بالكلام.
إن وقف إطلاق النار اليوم لم يعد مطلباً عربياً.. بل هو مطلب عالمي يحظى بإجماع مشهود… هو ضرورة إنسانية وأخلاقية.. وهدف استراتيجي لتجنيب هذه المنطقة شرور حرب موسعة ليست احتمالاتها ببعيدة… بل إن شراراتها تلوح في أفق المنطقة منذرةً بالخراب للجميع بغير استثناء.
ولكننا، مع ذلك كله، نرى الاحتلال مستمراً في غيّه… مُمعناً في الهرب إلى الأمام عبر اختراع الأكاذيب واعتماد أساليب التلفيق المكشوف… يدّعي رئيس حكومة الاحتلال أن “محور فيلادلفي” هو ما يُعطل صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار.. والحقُ أن رفض وجود قوات الاحتلال على الحدود بين مصر وقطاع غزة هو موقف مصري مدعومٌ عربياً بشكل واضح.. ويتأسس على رفض إعادة فرض الاحتلال على القطاع، ورفض اقتطاع أجزاء منه.. وقد صار واضحاً اليوم للجميع أن نتنياهو غير مستعد لإبرام صفقة لأنه لا يريد دفع المقابل .. لا يريد وقف هذه الحرب العدوانية حتى بهدف إنقاذ أبناء شعبه الذين صار أغلبهم واعين بحقيقة مراوغاته وأجندته المكشوفة.. ونسمعه يقول بالأمس القريب إنه من دون السيف لا يمكن العيش في الشرق الأوسط… ونقول له لن يكون أمام إسرائيل بعد كل هذا القتل والتدمير سوى أن تقبل بدولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل… فالسيف لن يحل المشكلة، والترويع لن يُجدي مع الشعب الفلسطيني البطل.
السيد الرئيس،
الجرح المفتوح في فلسطين لا يحرف أنظارنا عن جراح مفتوحة في أوطان عزيزة علينا.. لا زال السودان يعيش أزمة قد تكون هي الأشد وطأة من الزاوية الإنسانية… التسوية السياسية ووقف الاحتراب ما زالت أهدافاً بعيدة المنال.. والأزمة مستحكمة.. وجاءت كارثة الفيضانات والسيول لتضيف مزيداً من الألم إلى المعاناة القائمة.. لقد تضررت نحو 32 ألف أسرة في 13 ولاية من ولايات السودان.. وقال مدير منظمة الصحة العالمية في زيارته لبورتسودان قبل يومين إن النظام الصحي في المدينة على وشك الانهيار.. لقد بات الأمر يحتاج من الجميع -دولاً ومنظماتٍ- إلى تكاتف عاجل مع السودان وأهله لتجاوز هذه المحنة الإنسانية التي يعيشها الشعب على أكثر من صعيد.. فالأزمة الغذائية في هذا البلد هي الأسوأ على مستوى العالم.. وأوضاع النازحين بالغة الهشاشة.. ولا يجب أبداً أن يُترك السودان وحده في مواجهة هذه النوازل.
وفي ليبيا.. لا يسعني سوى الإعراب عن الأسف والقلق مما آلت إليه التطورات مؤخراً في هذا البلد العربي العزيز… فالانقسام لا يلتئم وإنما تتسع الهوة بين الشرق والغرب… وتتصلب المواقف بصورة لا تخدم وحدة ليبيا، ولا وحدة مؤسساتها بما في ذلك تلك المؤسسات التي يستفيد منها المواطن الليبي في كافة أرجاء الوطن.. ونناشد الأطراف الفاعلة أن تضع مصلحة الشعب والحفاظ على مقدراته نصب أعينها… وندعو من هنا .. كافة الأطراف للعودة للحوار البنّاء تحت مظلة بيت العرب لتجاوز الخلافات، تمهيداً لإتمام المصالحة الوطنية الشاملة وإجراء الانتخابات التي طال انتظارها.
السيد الرئيس،
إن القضايا كثيرة … والمرحلة التي تمر بها أمتنا حاسمة ولا تحتمل سوى التضامن والتآزر والعمل المشترك… فلن نعبُر أزماتنا سوى بالتضامن بين بعضنا البعض.
شكراً لكم وأتمنى لأعمال الدورة كل النجاح والتوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.