تاجيكستان في ذكري الإستقلال
بقلم: أحمد عبده طرابيك
تشكل تاجيكستان موطن العديد من الحضارات العريقة التي يرجع تاريخها إلى العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي، فقد حكمت أراضيها الإمبراطورية الأخمينية، والسامانية، والمغولية، والتيمورية والروسية. ونالت استقلالها في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. وهي تشكل مع كل من أوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان إقليم آسيا الوسطى. ويحدها جنوبًا أفغانستان، وغربًا أوزبكستان، وشمالًا قيرغيزستان، وجنوبًا الصين.
خلال سنوات الاستقلال أثبتت جمهورية تاجيكستان نجاحها الكبير في بناء دولة ديمقراطية تقوم على سيادة القانون والنظام المدني، وكدولة نامية أحرزت تاجيكستان تقدمًا كبيرًا في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والاجتماع والسياسة والعلوم والثقافة. التطورات الفريدة والمصيرية التي حدثت في السنوات الماضية في جميع هذه المجالات وضعت أساسًا حقيقيًا وموثوقًا به لفتح آفاق جديدة في طريق تعزيز دعائم الدولة الوطنية واستقلال تاجيكستان.
وفي إطار الأهداف الإستراتيجية لتنمية البلاد قامت حكومة تاجيكستان بوضع برامج محددة من شأنها تحقيق مزيد من التقدم. فاستراتيجية التنمية الوطنية لجمهورية تاجيكستان 2030 تتبنى قضايا ضمان استقلال الطاقة والخروج من انسداد الطرق والاتصالات، وحماية الأمن الغذائي والتنمية الصناعية السريعة للاقتصاد وهي تمثل أربعة أهداف استراتيجية للدولة. وفي هذا الإطار تولي تاجيكستان أهمية كبيرة للاستغلال الكامل للموارد الضخمة من الطاقة الكهرمائية وتشكيل “اقتصاد أخضر”، وتنمية قدرات النقل بالعبور “ترانزيت” للبلاد، وتوسيع نطاق العمالة المنتجة، وتقليل هجرة الأيدي العاملة، عن طريق خلق وظائف جديدة داخل البلاد. وفي الوقت نفسه اتخذت حكومة تاجيكستان باستمرار التدابير اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف مجالات حياة المجتمع، بما في ذلك العلوم والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية. فمن هذا المنطلق حشدت البلاد كافة الفرص المتاحة لتحقيق هذه الأهداف المصيرية.
شهدت تاجيكستان بعيد استقلالها مرحلة من الاضطرابات والحروب الأهلية، واستطاع الرئيس إمام علي رحمان انهاء حالة الاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن وتوحيد صفوف الأمة، فاستحق لقب زعيم الأمة. وفي ظل ظروف الأمن والسلام والوحدة التي تنعم بها تاجيكستان، فإن شعبها لديه قدرة على الوصول لقمم النجاح بفضل العمل الدؤوب وروح المثابرة. فلقد دافع شعب تاجيكستان عن الدولة الوطنية في سنوات الحرب الأهلية الصعبة، وحافظ على وحدة الأراضي على حساب أرواح أبنائه، وأعاد إقامة نظام الدولة وركائزها، وأرسى دعائم الوحدة الوطنية، وذلك عبر التضحية والتفاني. ومن الإنجازات المشهودة للأمة والدولة التاجيكية تحقيق مكانة رفيعة لتاجيكستان على الساحة الدولية.
تعتبر جمهورية تاجيكستان اليوم بصفتها جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الدولي عضوًا فيما يقارب 60 منظمة دولية وإقليمية ومالية وتقيم علاقات دبلوماسية وسياسية مع أكثر من 176 دولة. كما أن تاجيكستان لديها علاقات التعاون التجاري والاقتصادي النشط مع أكثر من 100 دولة في العالم. وانطلاقًا من سياسة الانفتاح الخارجية تلعب تاجيكستان دورًا مهمًا في تسوية العديد من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العالم، وذلك جنبًا إلى جنب مع الدول الأخرى. ويبذل شعب تاجيكستان جهودًا مستمرة من أجل إيجاد طرق فعالة لمواجهة التحديات العالمية المتعلقة بالموارد المائية وتغير المناخ ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود، بما في ذلك مكافحة المخدرات.
تسير جمهورية تاجيكستان اليوم نحو تهيئة كافة الظروف الملائمة للاستثمار والنشاط التجاري وتطوير القطاع الخاص. وفي الوقت الحالي يتم تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج الاقتصادية، الأمر الذي يتطلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتقنيات الحديثة. وفي هذا الصدد تقدم تشريعات تاجيكستان أكثر من 240 نوعًا من التسهيلات والامتيازات التي تتعلق بتوريد التقنيات الحديثة وإنتاج وتصدير منتجات الصناعات المختلفة ودعم وضمان تطوير ريادة الأعمال والاستثمار. فلقد حققت تاجيكستان شروط المنافسة الحرة في السوق المحلية للسلع والخدمات ورأس المال والعملات، وتضمن التشريعات الوطنية المساواة بين المستثمرين المحليين والأجانب وتحمي ممتلكاتهم من التأميم والمصادرة. والمشاريع الصغيرة والكبيرة في تاجيكستان في مجالات الطاقة الكهرومائية والصناعات الخفيفة والغذائية، وإنشاء شركات التعدين وإنتاج مواد البناء وتصنيع المنتجات الزراعية وإنشاء البنية التحتية للسياحة بما في ذلك السياحة الجبلية.
يتم تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية في مجال الطاقة الكهرومائية وهو أحد المجالات الرئيسية للطاقة الخضراء والتي من شأنها أن تكون من المجالات الواعدة للتعاون. حيث تم تنفيذ أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في تاجيكستان وهو مشروع محطة “راجون” الكهرمائية. حيث تعتبر هذه المحطة أهم عامل في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتاجيكستان ولها أهمية إقليمية من حيث زيادة قدرة إنتاج طاقة نظيفة من مصادر متجددة. حيث يحتوي المشروع على ستة توربينات، باستثمارات كبيرة من عدد من الدول الصديقة.
يعد مسجد تاجيكستان الكبير في العاصمة دوشنبه، الذي يعد أكبر المساجد في آسيا الوسطى، علامة بارزة على مدي التدين لدى شعب تاجيكستان، حيث يقع المسجد على مساحة 12 هكتارًا من الأرض ويتكون من مبنى رئيسي لإقامة الشعائر ومكتبة ومتحف وقاعات اجتماعات واستقبال الضيوف. وتم مراعات تصميم المسجد وفق العناصر واللمسات القديمة والحديثة للفن المعماري الوطني والعالمي، وللمسجد أربع مآذن يصل ارتفاع كل واحدة منها 75 مترًا وقبة ضخمة تغطي سطح المسجد يبلف قطرها 47 مترًا.
اليوم تعد تاجيكستان من أهم الدول السياحية، وذلك بعد تطوير قطاع السياحة في البلاد، حيث تم تحديث شبكة المرافق والبنية الأساسية للطرق والفنادق والساحات والميادين، حيث تنظر تاجيكستان إلى السياحة من منطلق المصالح الثقافية والاقتصادية المشتركة مع الدول الشريكة، ولهذا فقد كان عام 2018 “عام السياحة والحرف الشعبية”، وتأكيدًا على أهمية هذا القطاع تم الإعلان عن السنوات من عام 2019 إلى عام 2021 “كسنوات التنمية الريفية والسياحة والحرف الشعبية”، حيث أصبح لدى البلاد كل الفرص لترويج السياحة وجذب الاستثمارات في هذا المجال. كما أن حكومة تاجيكستان قدمت مجموعة واسعة من التسهيلات الضريبية والجمركية واللوجستية في قطاع السياحة، الأمر الذي أثار اهتمام الشركات المحلية والأجنبية بالاستثمار في هذا القطاع الحيوي.