رأى

أوزبكستان في ذكرى الاستقلال ومئوية التأسيس

استمع الي المقالة

بقلم: أحمد عبده طرابيك

      تعد أوزبكستان مهد العديد من الحضارات القديمة، التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد، حيث تعاقب علي المنطقة السكوثيين الذين أسسوا ممالك خوارزم وباختر والصغد بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد، ومملكتي فرغانة ومرغوش بين القرنين الثالث قبل الميلاد والسادس الميلادي. ثم تعاقب عليها الإمبراطورية الأخمينية، والإسكندر المقدوني، والإمبراطورية الفرثية ثم الإمبراطورية الساسانية، حتى جاء الفتح الإسلامي خلال حكم الدولة السامانية. فاعتنق سكان البلاد الإسلام، ومن بينهم النخب المحلية الحاكمة. وازدهرت مدن سمرقند وخيوة وبخارى موقعها المتميز على طريق الحرير التجاري العظيم. وشهدت صعود شخصيات قيادية في العصر الذهبي للإسلام، من بينها الإمام البخاري والترمذي والخوارزمي والبيروني وابن سينا. ولكن جاء الغزو المغولي فعمل على تدمير الإمبراطورية الخوارزمية في القرن الثالث عشر. ثم جاء بعد ذلك الأمير تيمور ليؤسس الدولة التيمورية في القرن الرابع عشر، واتخذ من سمرقند عاصمة له، فأصبحت مركزًا علميًا إبان حكم حفيده ميرزا أولوغ بيك ومهد عصر النهضة التيموري. ثم جاء الشيبانيون الأوزبك في القرن السادس عشر، ونقلوا مركز السلطة إلى بخارى. وانقسمت المنطقة إلى ثلاث دول، خانية خيوة وخانية خوقند وإمارة بخارى. وقد أدت فتوحات ظهير الدين محمد بابر شرقًا إلى تأسيس سلطنة مغول الهند. وبعد ذلك دخلت آسيا الوسطى بالإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، وأصبحت طشقند مركزًا سياسيًا لتركستان الروسية. وفي عام 1924، أي منذ مئة عام، تم تأسيس جمهورية أوزبكستان وفق ترسيم الحدود الوطنية في الاتحاد السوفيتي. ونالت أوزبكستان استقلالها في 31 أغسطس عام 1991، عقب تفكك الاتحاد السوفيتي.  

      طرأت علي أوزبكستان خلال السنوات القليلة الماضية نهضة شاملة بشك أدت إلي تغيرات جذرية في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولذلك فقد تم إطلاق “أوزبكستان الجديدة” علي تلك المرحلة نظرًا لحركة التغير والتحديث الذي تشهده البلاد علي المستوي الداخلي، وفي علاقاتها الخارجية مع دول الجوار والقوي الإقليمية والدولية. ولقد أصبحت فكرة “أوزبكستان الجديدة”، التي اتخذت مكانًا عميقًا في قلوب شعب أوزبكستان حركة وطنية، تقوم على أحلام وتطلعات الأجداد العظماء. حيث يتردد صدي “أوزبكستان الجديدة”، بشكل متناغم مع حياة شعب أوزبكستان، ويلهمه لتحقيق أهدافه العظيمة. حيث تشهد أوزبكستان عملية إصلاح واسعة وتطور كبير تقودان إلي “أوزبكستان الجديدة”.

      أخذت عملية الإصلاح في أوزبكستان اتجاهين متوازيين، الأول: إصلاح رأسي من خلال إعادة ترتيب وهيكلة مؤسسات الدولة القائمة، بداية من مؤسسة الرئاسة، إلي أدني مستويات الإدارة في الولايات وعلي مستوي المحلة والقرية. والاتجاه الثاني: اعتمد علي شمولية الإصلاح من خلال إعادة هيكلة جميع المؤسسات في وقت متزامن، كما تم ربط جميع الوزارات والمؤسسات والإدارات بشبكة إلكترونية موحدة، بحيث يستطيع المواطن تأدية كافة احتياجاته من مكان واحد ولا يتكفل معاناة التنقل بين المؤسسات والإدارات.

       لقد ساهمت الإصلاحات بشكل كبير في إحداث تغييرات واسعة النطاق في أوزبكستان، حيث تميزت بتحولات واسعة النطاق شملت مختلف المجالات، في مقدمتها النظام السياسي للدولة، والبناء الاجتماعي، والنظام القضائي والقانوني، والاقتصاد، والمجال الاجتماعي، والأمن، والوئام بين الأعراق والقوميات والتسامح الديني، والسياسة الخارجية. وقد جاءت التغيرات التي طرأت علي السياسة الخارجية لأوزبكستان، وخاصة إقامة علاقات حسن الجوار في آسيا الوسطى، وفتح الحدود وإنشاء نقاط التفتيش، وإجراء حوار بناء مع دول آسيا الوسطى حول جميع القضايا دون استثناء، جاءت في مقدمة هذه الإصلاحات التي تشهدها أوزبكستان، إلي جانب تحرير سوق الصرف الأجنبي، والقضاء على المشاكل النقدية. وتطوير نظام الخدمات العامة، وإطلاق مراكز الخدمات العامة في مختلف أنحاء البلاد، والقضاء على البيروقراطية في الجهاز الإداري للدولة. وتطوير قطاع السياحة، والسماح بدخول الأجانب من 90 دولة إلي أوزبكستان بدون تأشيرة، واقرار نظام عبور بدون تأشيرة لمواطني 48 دولة. وتعزيز ضمانات حماية حقوق الإنسان، استحداث نظام جديد للنظر في شكاوي المواطنين وازالة كافة القيود والحواجز لتسهيل عملية التواصل بين المواطنين وكافة أجهزة الدولة. وتوسيع الفضاء الإعلامي وتعزيز دور الإعلام في المجتمع واتخاذ القرار. وإثارة قضايا المساواة بين الجنسين على مستوى، وإنشاء اللجنة الحكومية لشئون الجنسية والمواطنة. وتطوير نظام التعليم العالي، وزيادة أعداد القبول في الجامعات، وفتح فروع للجامعات الوطنية والأجنبية. وتحسين بيئة الأعمال في البلاد، من خلال تبسيط إجراءات تسجيل الشركات والتملك وإدارة الأعمال. والاعتراف الرسمي بإحصاءات الفقر ووضع خطط متكاملة للحد منه. وتنفيذ التغييرات القانونية والمؤسسية في مجال مكافحة الفساد. وإنشاء نظام جديد لدعم ورعاية الشباب. واستحداث إجراءات منح الجنسية بشكل مباشر للأشخاص المقيمين بصفة دائمة في أوزبكستان لمدة 15 عامًا. وإنشاء مزارع حرجية وقائية في القاع الجاف لبحر آرال. وإطلاق صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للأمن البشري لمنطقة بحر آرال، وتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا خاصًا بمبادرة أوزبكستان بجعل منطقة بحر آرال منطقة للابتكارات والتقنيات البيئية.

       وضع الرئيس شوكت ميرضيائيف، ستة أولويات قصوي لتنمية أوزبكستان، وقدمها إلى المجلس الأعلى “البرلمان الوطني” في ديسمبر 2020، وهي: السياسة الاجتماعية. وتحديد نقاط النمو في التنمية الاقتصادية. ودعم ريادة الأعمال. وتطوير القطاع الزراعي وفق متطلبات العصر الحديث. وتطوير قطاع الصحة العامة. وتعزيز العمل الروحي والتربوي. وقد تم إنشاء “مركز الإمام البخاري للبحوث الدولية” في سمرقند، “مركز الإمام الترمذي” في ترمذ، “أكاديمية أوزبكستان الإسلامية العالمية” في طشقند “مركز الإمام الماتوريدي الدولي للأبحاث”، “مركز الحضارة الإسلامية”، في طشقند. وقد تم إنشاء “صندوق تنمية ودعم المجالات الروحية والإبداع” في مارس 2023، بهدف توفير الوارد المالية لتلك الأنشطة. كما تنشط أوزبكستان في المنظمات الدولية والإقليمية، لطرح مبادرات في كافة المجالات، بما في ذلك القضايا الروحية والتعليمية.

      أعادت أوزبكستان صياغة أولويات سياستها الخارجية وعلاقاتها بالعالم الخارجي، فقد ارتكزت سياسة أوزبكستان تجاه آسيا الوسطى علي عدد من الأسس، أهمها: لا توجد مشاكل غير قابلة للحل. آسيا الوسطى الموحدة أكثر جاذبية للاستثمار وأكثر نشاطًا للاقتصاد. المصالح المشتركة تزيد من مكانة المنطقة باعتبارها لاعبًا متكاملًا وموحدًا. التقارب الإقليمي يزيد من دعم المجتمع الدولي. وعلي الرغم من أنه لا توجد منظمة رسمية تجمع دول آسيا الوسطى في تكتل واحد، إلا أن الحوار والتنسيق بين قادة دول الإقليم صنع منها قوة إقليمية مهمة سياسيًا واقتصاديًا، وهو ما جعل الدول والتكتلات الكبرى في سباق لإقامة علاقات تعاون اقتصادية وسياسية مع دول الإقليم، حيث عقد العديد من القمم المشتركة كالقمة بين دول آسيا الوسطى مع الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وألمانيا، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان، ومجلس التعاون الخليجي.

      اعتبرت أوزبكستان أن من أولويات سياستها الخارجية هو عملية استعادة الأمن والاستقرار في أفغانستان واعادة دمجها في المجتمع الدولي، حيث تشكل أفغانستان أهم مراكز النقل والعبور بين دول آسيا الوسطى والدول الآسيوية، إلي جانب غناها بالعديد من الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة. ففي عام 2020، حدد الرئيس ميرضيائيف مهمة تعزيز التعاون مع دول جنوب آسيا، والعمل على إنشاء ممر النقل العابر لأفغانستان “خط سكة حديد مزار الشريف- كابول- بيشاور”.

      كان للتعاون مع الدول العربية جانب مهم في توجهات السياسة الخارجية لأوزبكستان الجديدة، حيث شهدت السنوات الأخيرة نشاطًا كبيرًا في العلاقات بين الجانبين، وقد تجلي ذلك في الزيارات التي جرت علي أعلي مستويات القيادة، وفي حجم ونوعية اتفاقيات التعاون الموقعة بين أوزبكستان والدول العربية. ففي 5 سبتمبر 2018، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة أوزبكستان، كما الرئيس شوكت ميرضيائيف بزيارة مصر في 21 فبراير 2023. وفي 17 أغسطس 2022، قام الرئيس شوكت ميرضيائيف بزيارة رسمية إلي المملكة العربية السعودية. وقام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بأول زيارة لأمير قطري إلي أوزبكستان في 6 يونيو 2023. كما قام رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف بزيارة إلى قطر في الأول والثاني من أكتوبر 2023. وقام الرئيس شوكت ميرضيائيف بزيارة إلي دولة الإمارات العربية المتحدة في 26 مارس 2019. بالإضافة إلي عقد لقاءات علي مختلف المستويات بين أوزبكستان وأغلب الدول العربية بهدف تطوير علاقات التعاون بين الجانبين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى