بقلم: د. حذامي محجوب
في خطوة أثارت الكثير من الجدل ، أقدمت وزارة التربية والتعليم في مصر على إلغاء مادة الفلسفة من مناهج الثانوية العامة.
هذا القرار، الذي قد يبدو للبعض في ظاهره بسيطًا، يحمل في طياته تداعيات خطيرة تهدد مستقبل الأجيال الشابة في مصر وتوجه المجتمع نحو فكر أحادي ومغلق.
إن تدريس الفلسفة لم يكن مجرد مادة تعليمية بحتة ، بل كان نافذة يتعرف من خلالها الطلاب على مختلف المدارس الفكرية والفلسفية، يكتسبون من خلالها مهارات التفكير النقدي والتحليلي.
هذه المهارات تمكّنهم من تحليل القضايا المعقدة و البحث عن الحلول، بعيدًا عن التبعية والتقليد الأعمى.
إن إزالة هذه النافذة هو إغلاق لمجال الحوار والتفكير الحر، وإقصاء للقدرة على تحدي المألوف والنظر إلى العالم بعيون ناقدة ومستقلة.
في وقت تتجه فيه بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية، نحو تعزيز التعليم الفلسفي وتنمية مهارات التفكير النقدي بين الطلاب، نجد أن مصر ” امّ الدنيا ” تسير في الاتجاه المعاكس.
من الواضح انّ الدافع وراء مثل هذا القرار يبدو أنه رغبة في العودة إلى نهج فكري أحادي، يرفض التعددية الفكرية ويخشاها.
هذا التوجه قد يؤدي إلى ترسيخ سيطرة فكرية تعتمد على الخرافات والأساطير بدلاً من دعم التفكير العلمي والعقلاني.
إن الفكر الأحادي يخلق بيئة مغلقة على نفسها، ترفض النقد وتعتبره تهديدًا، مما يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل التقدم والتنمية في مصر.
من المؤسف أن هذا القرار قد يفتح الباب أمام من يسعون لتجنب مواجهة التحديات الفكرية، ويعزز نفوذهم في المجتمع.
بما يتّجه معه التخلي عن الفكر التنويري، الذي قامت عليه نهضة مصر الحديثة، و الذي قد يتحول إلى أداة لتعزيز سياسات تهدف إلى إحكام القبضة على الراي الحر وفرض التبعية الفكرية.
هذا التوجه ليس مجرد خطر على حرية الفكر، بل هو تهديد حقيقي لمستقبل الأمة بأسرها.
في ظل هذه التطورات، من الضروري أن يتحد المثقفون والمفكرون في مصر وخارجها للدفاع عن حرية الفكر والتنوع الفكري.
إن استمر هذا الاتجاه، فإن مصر قد تخسر مكانتها التاريخية كمركز للفكر والتنوير.
مصر، التي كانت عبر التاريخ منارة للفكر والحضارة، يجب أن تحافظ على هذا الإرث الحضاري الغني من خلال دعم التفكير النقدي وتعزيز حرية التفكير.
إن الحرية الفكرية ليست رفاهية يمكن الاستغناء عنها. بل هي العمود الفقري لأي مجتمع يرغب في التقدم والازدهار.
إلغاء تدريس الفلسفة يمثل تحديًا كبيرًا يجب مواجهته بجدية ووعي، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة في مصر، وحماية هذا الإرث الحضاري العظيم الذي صنعته مصر العظيمة على مر العصور.