وإن لنفسك عليك حقاً
بقلم: الشيخ أحمد تركى
توجيه نبوى شريف وبسيط للصحابى الجليل ابى الدرداء الذى فهم الايمان على نحو ترك حظوظ الدنيا واجتناب الحياة. والاكتفاء بالصلاة والذكر والعبادة…
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان الفارسي وابى الدرداء بعد الهجرة النبوية الى المدينة المنورة ، فزار سلمان الفارسي صاحبه فوجده لا يعرف سوى الصلاة والعبادة وترك زوجته وماله ….
فقال له سلمان : ان لربك عليك حقاً وان لجسدك عليك حقاً وان لأهلك عليك حقاً .. فأعط لكل ذى حقٍ حقه ….
ولما علم النبى صلى الله عليه وسلم بكلام سلمان ! قال لابى الدرداء .. لقد صدق سلمان ان لربك عليك حقا ، وان لجسدك عليك حقاً وان لأهلك عليك حقاً .. فأعط لكل ذى حقٍ حقه …
إن من أشد الأخطاء التى يمارسها الانسان المعاصر ! ، اهتمامه بحياة غيره وحقوق غيره واهمال حقوقه الشخصية التى قررها الله له فطرةً وديناً ! ، أو الاهتمام بحقوقه هو فقط والحرص على الارتواء من بحر الحياة مع إهمال حقوق غيره تماماً ..،
الصورة الأولى : رجل آثر أولاده وأهل بيته بوقته وماله وكدّ فى الحياة لتوفير رفاهيتهم بمثالية كبيرة مدعياً ان رسالته هى ان يعيش لغيره دون ان يهتم بحقوقه فى الحياة من الملذات الحياة الفطرية …
والصورة الثانية : عكس الأولى رجل يعيش أنانيته كاملة دون نقصان .. ويهمل حقوق أولاده وزوجته والناس دون اى اعتبار …
والصورتان رغم انتشارهما ، وكثيراً ما يبدو على أصحابهما التدين وحب الله ، وأحيانا يتم تبرير هذين المسلكين بقال الله وقال الرسول !!! لا تمثلان الايمان الحق وسنة النبى صلى الله عليه وسلم … ووصل الجهل بالبعض الى الاستدلال بنصوص ذم الدنيا !! وان الرسول قد ذمها وهذا يعنى ان نحرم أنفسنا منها !!!
واسمحو لى ان أعيد لكم عرض ما كتبته سابقاً عن الفرق بين حب الدنيا وحب الحياة لتتضح الحقيقة النورانية فى هذا الجانب …
الفرق بين حب الدنيا وحب الحياة ؟
هناك فارقٌ كبير بين حب الدنيا وحب الحياة !
حب الدنيا هو أن تعيش مسجوناً بين جداران ملذاتك وتعيش لها !! دون اى اعتبار !!
أما حب الحياة فهو أن تعيش إنسانيتك روحاً وقلباً وعقلاً ونفساً وجسداً … تستمتع بالحلال. وما أكثره. كما تسمتع بعبادة الله فى الخشوع والحب والتجلى والعطاء …
ولا يمكن أن تحب الآخرة وتستعد للقاء الله حتى تعيش حياتك وإنسانيتك ..
“ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ” القصص : 77
ألا تعلم أن الله أوجب على الزوجين اثناء الجماع ان يصلا الى درجة الارتواء العاطفى والجنسى وربط ذلك بتقوى الله ؟!
فقال تعالى ” نساؤكم حرث لكم فأتو حرثكم أنّى شئتم وقدمو لأنفسكم واتقو الله واعلمو أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ” البقرة : 233
اى أن الانسان لا يستطيع معايشة التقوى والإيمان الا اذا ارتوى بالحلال على مستوى احتياجاته الفطرية ..
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمتع بالنظر الى أهل الحبشة وهم يلعبون فى المسجد ..
ومرّ على شباب ينتضلون ( يتسابقون فى الرمى ) فقال : ارمو بنى اسماعيل فإن أباكم كان رامياً .. ( تشجيع الرياضة)
وقال لمن زعمو ان الحرمان من الزواج او الطعام او الراحة قربى إلى الله:
” أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم لله ! ولكنى أصوم وأفطر وأصلى وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى “
وقال للسيدة عائشة وهى عائدة من عرسٍ لبعض الأنصار :
” هلا أطربتم لها فإن الأنصار يحبون الطرب ” …
هناك مجموعة من الناس زعموا بأن هناك خصومة بين الله وبين حب الحياة ومعايشتها ! وسوقوا انك ينبغى تعيش الحرمان والذل والقهر والتعصب والكراهية حتى يرضى الله عنك !!
وكذبو على الله بهذه الفرية ..
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) سورة الصف
-الحقيقة أن هذا النمط من التدين المشوه وظفه تجار الدين وسيلة للسيطرة على الناس وابتزازهم مالياً ونفسياً وسياسياً …
إن ظلم الانسان لنفسه بتجاهل حقوقه واحتياجاته قد يوصله للانحراف ! سواء الانحراف عن الاستقامة والدين ! او الإنحراف نحو التعصب والتطرف ..
وقد حدث هذا كثيراً !! بل ان الانحراف فى عصرنا نتيجة طبيعية لذلك ..
وتبقى وصايا النبى صلى الله عليه وسلم ..
ان لربك عليك حقاً وان لجسدك عليك حقاً وان لأهلك عليك حقاً .. فأعط لكل ذى حقٍ حقه ..
والحمد لله على نعمة الاسلام ونعمة الحياة ..
#إن_الله_معنا
#الشيخ_أحمد_تركى