شكوى هولندا وكندا ضد سوريا في العدل الدولية.. مطيّة لتحقيق أغراض سياسية
مريم سليم
تقدّمت كل من هولندا وكندا في يونيو/حزيران الماضي بشكوى إلى محكمة العدل الدولية تزعمان فيها بأن سوريا ارتكبت إنتهاكات لاتفاقية “منهاضة التعذيب”، وطالبتا هذه المحكمة بالتحقيق في هذه القضية والتعامل معها.
القضية الأولى التي تلحّ علينا نفسها هي أنه ما إذا كانت هذه المحكمة مُختصّة بالنظر في هذه القضية أم لا؟ وذلك في ظلّ مزاعم هولندا وكندا بأن سوريا تقوم بتعذيب المواطنين السوريين منذ بداية الحرب.
من البديهي أن اختصاص المحكمة هو النظر في قضايا وخلافات تحدث فيما بين بلدين، وبالتالي لا ينبغي السماح لدولة واحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، لهذا ينبغي “عدم الإصطياد في الماء العكر” وترك هذه القضية لمحامي كل دولة أو المراقبين الدوليين المُختصين في هذا الشأن. علاوة على ذلك، ووفقاً لمؤتمر سان فرانسيسكو لعام 1945، يقتصر اختصاص محكمة لاهاي على مسألة الترافع في الدعاوى، ويحقّ لجميع دول العالم أن تقرر منح الاختصاص في كل قضية. بناءً على ذلك، نظراً لعدم حدوث أي من الإجراءات الدبلوماسية المطلوبة بين حكومتي هولندا وكندا مع الحكومة السورية لمنح الاختصاص القضائي لهذه المحكمة، فلا يمكن رفع هذه القضية الى هذه المحكمة الدولية.
من جهة أخرى، حتى وإن تشكّلت محكمة العدل الدولية للنظر في القضية المزعومة، باعتبار أن سوريا لا تملك قاضياً دائماً في تشكيلة قضاة محكمة لاهاي، فإنه ينبغي إجراء مشاورات قانونية دبلوماسية مع الحكومة السورية لمشاركة قاضي سوري (Ad hac) في مجلس القضاة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
كافة هذه النقاط المطروحة سالفاً تأتي في حين لم تُقدم الدولة السورية على إرتكاب أي عمليات تعذيب مُتعمّدة بأي وجه، منذ حوالي 20 عاماً عبّد الرئيس السورية بشار الأسد الأرضية لإلتحاق سوريا بلجنة “مناهضة التعذيب”، وأعلن في إطار القرار رقم 39 عام 2004 إنضمام سوريا بشكل رسمي لهذه اللجنة، وهو ما يُظهر اهتمام سوريا الكبير بقضية حقوق السجناء.
كما شهدنا أن الدولة السورية مُتمسّكة بإبداء حسن نيّتها في هذا المجال، لا سيما في إطار الإلتزام بتنفيذ المادة العاشرة (10) التي أعلنتها لجنة مناهضة التعذيب، خير دليل على ذلك أنها قامت بإجراء دورات خاصة في مجال مناهضة التعذيب للقوات العسكرية والأمنية.
كما أنها اتخذت خطوات واعدة في تنفيذ البند 1 من المادة 2 للجنة الدولية المناهضة للتعذيب، وذلك فيما يخصّ مراحل الإجراءات القضائية إزاء منع التعذيب ومواجهته، وفي هذا الصدد، لا يخفى على أحد أن المتهمين على ارتباط دائم مع المحامين.
كما أنه لتنفيذ المادتين 4 و11 من هذه الاتفاقية، تم النظر في العقوبات المناسبة لممارسي التعذيب، وصدرت تعليمات لمنع حدوث التعذيب من قبل الحكومة السورية.
وأثيرت المزاعم المذكورة من قبل هولندا وكندا في حين أن لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة لم تقدم أي دليل على وقوع عمليات تعذيب أو قيود صارمة ضد السجناء في سوريا.
ولهذا السبب يرى بعض الخبراء أن تصرف حكومتي كندا وهولندا سياسي أكثر منه قانوني، وترفع شكوى هولندا وكندا ضد سوريا في حين أن هاتين الدولتين لم تتخذا أي موقف رسمي ضد جرائم غوانتانامو الشهيرة التي لا تغيب عن بال أي انسان، في حين أن هناك العديد من الوثائق حول جرائم التعذيب المؤلم في سجون “غوانتانامو” بين أيدي عامة الناس.