رأى

التجارة الرقمية العالمية… نحو خطوات تنظيمية

استمع الي المقالة

علاء زياد

في خطوة بعد خمس سنوات من التفاوض، حظيت بالإشادة من جانب أطرافها الموقعين عليها، إذ توصل نحو 80 دولة في أواخر يوليو الماضى (2024) إلى اتفاق بشأن القواعد التي تحكم التجارة الرقمية العالمية، حيث اعتبره الاتحاد الأوروبي “تطورا تاريخيا” ووصفته بريطانيا بأنه “ريادي”، واعتبره الآخرون بأنه نص متوازن محققا التوازن المطلوب بين حماية الحقوق التجارية للأطراف كافة من ناحية، وصون عمليات التبادل التجارى بعيدًا عن الاحتيال والادعاء المضلل من ناحية أخرى، إذ تضمن الاتفاق جملة من الضوابط من أبرزها: الاعتراف بالوثائق والتوقيعات الإلكترونية، وضع ضمانات قانونية ضد المحتالين عبر الإنترنت والادعاءات المضللة حول المنتجات، الحد من رسائل البريد الإلكتروني التطفلي وحماية البيانات الشخصية وتقديم الدعم للدول الأقل نموًا.

ولا شك أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق يعد الخطوة الأولى من نوعه عالميا بشأن وضع ضوابط اتفاقية مشتركة لتنظيم حركة التجارة العالمية الرقمية، مع الاخذ في الاعتبار أن ثمة اهتمام دولى بهذا النوع من التجارة يعود إلى منتصف التسعينيات من القرن المنصرم، إذ يذكر أن قامت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) بإعداد مجموعة من النصوص التشريعية للتمكين من استخدام الوسائل الإلكترونية في ممارسة الأنشطة التجارية وتيسير ذلك، وقد اعتُمدت تلك النصوص في أكثر من 100 دولة، وكان من أكثر تلك النصوص اشتراعاً ” قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية (المعروف اختصارا بقانون التجارة الإلكترونية لعام 1996)، الذي مثل مرجعية للعديد من القوانين والتشريعات الوطنية التي صدرت لتنظيم شئون التجارة الالكترونية، حيث وضع قواعد تكفل المساواة في المعاملة بين المعلومات الإلكترونية والورقية، والاعتراف القانوني بالمعاملات والعمليات الإلكترونية، استنادا إلى المبادئ الأساسية المتمثلة في عدم التمييز ضد استخدام الوسائل الإلكترونية والتكافؤ الوظيفي والحياد التكنولوجي. وفى عام 2001، وضع هذا القانون مجموعة من القواعد الإضافية بشأن استخدام التوقيعات الإلكترونية.

وظل الأمر عند هذا المستوى حتى تم التوصل إلى اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية (نيويورك، 2005) وقد استندت نصوص هذه الاتفاقية إلى احكام قوانين الاونسيترال السابق الإشارة إليها، وقد شكلت هذه الاتفاقية المعاهدة الأولى من نوعها التي تكفل اليقين القانوني للتعاقد الإلكتروني في التجارة الدولية.

وتماشيا مع التطورات التي يشهدها هذا المجال، أدخلت الأونسيترال تعديلات على قانونها النموذجى عام 2017 وذلك بشأن السجلات الإلكترونية القابلة للتحويل، وهدفت إلى وضع المبادئ والضوابط التي تستهدف تمكين وتيسير استخدام الأشكال الإلكترونية من المستندات والصكوك القابلة للتحويل، مثل سندات الشحن والكمبيالات والشيكات والسندات الإذنية وإيصالات المستودعات، ليشهد عام 2022 تعديلات جديدة بإضافة بعض الأحكام لتنظيم عملية استخدام خدمات إدارة الهوية وتوفير الثقة والاعتراف بها عبر الحدود، إلى جانب تنظيم المسائل القانونية المتعلقة بالاقتصاد الرقمى.

وعليه، يمكن القول إن الخطوة التي أقدمت عليها الدول الموقعة على اول اتفاقية دولية مشتركة بينهم مثلت بداية حقيقية لتفعيل النصوص الدولية سواء تلك الواردة في قانون الاونسيترال النموذجى او الاتفاقية الأممية، وإن سجلت بعض الأطراف الموقعة على الاتفاقية تحفظات على نصوصها ولكنها تظل ملاحظات ثانوية على غرار البرازيل وإندونيسيا وتركيا كما كشفت عن ذلك بعض المصادر.

ولكن رغم أهمية هذه الخطوة إلا أنها ستواجه بعض التحديات في تنفيذها، منها على سبيل المثال؛ عدم رقمنة بعض الوثائق والعمليات الجمركية التي تتم بين الدول، بما يتطلب رقمنة كل هذه المعاملات. ومن ذلك أيضا عدم انضمام الولايات المتحدة الامريكية للاتفاقية رغم اشادتها بها، إذ ذكرت أنه “رغم أن النص الجديد خطوة مهمة إلى الأمام، لكنه ما زال غير كاف ويتعين بذل جهود أخرى، تتضمن صياغة الاستثناءات نتيجة المصالح الأمنية الأساسية”، وهو ما أشارت إليه “ماريا باجان”، السفيرة الأمريكية في منظمة التجارة العالمية بالقول: “نتطلع إلى العمل مع الأعضاء المهتمين لإيجاد حلول لجميع القضايا المتبقية ودفع المفاوضات إلى نتيجة في الوقت المناسب”، وهو ما يعنى ان ثمة صعوبات ستواجه أن تصبح هذه الاتفاقية اتفاق رسمى في اطار منظمة التجارة العالمية لأن هذا يتطلب توافق آراء بين جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى