أقنعة وكنوز واحتفالية مصرية – صينية على سفح الهرم
بقلم: أحمد سلام
تشهد العلاقات المصرية – الصينية طفرة كبيرة في جميع المجالات، منذ توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين في عام 2014، لاسيما وأن هذه الشراكة ترتكز على الاحترام المتبادل، والتعاون المثمر فى شتى المجالات، ويأتي ذلك استنادا لرؤية القيادة السياسية الحكيمة للرئيسين عبد الفتاح السيسي وشي جين بينغ، وهما قيادتين تُجيدان قراءة تحديات الواقع الإقليمية والدولية، وتطمحان لمستقبل واعد ومشرق لبلديهما.
وقد جاء اتفاق مصر والصين على شراكة استراتيجية شاملة منذ أكثر من عقد، تتويجاً للعلاقات التاريخية بين دولتين ذواتا حضارة موغلة في أعماق التاريخ، ومع توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين، ظهرت في الأفق العديد من النتائج والطاقة الإيجابية التي جلبتها الاتفاقية لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية في مصر.
وتحرص كل من مصر والصين على العمل في إطار بناء رابطة المصير المشترك بينهما، والعمل أيضاً على تعزيز التنسيق وتبادل الرؤى السياسية والاقتصادية والثقافية، ويؤكد ذلك زيادة زيارات كبار المسئولين من الدولتين، والتى كان آخرها زيارة السيد شن هاي شيونغ نائب رئيس دائرة الدعاية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس مجموعة الصين للإعلام وعضو اللجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني.
ومن الجدير بالذكر أن المجموعة الصينية للإعلام تُدير 51 قناة تليفزيونية، من بينها 9 قنوات دولية وعدد 22 قناة إذاعية محلية في الصين، بالإضافة إلى بث برامج بـ80 لغة للمتابعين عبر العالم، فضلاً عن ثلاث مواقع إخبارية رئيسية وأول مختبر رئيسي للفيديو والصوت فائق الوضوح 8 K، وأول منصة إعلامية بتقنية5G على المستوى الوطني. ولا شك أن مثل هذه الزيارات وفي إطار التعاون الكبير بين مصر والصين تفيد الجانبين في الاستفادة من الخبرات السياحية والإعلامية والثقافية والسينمائية والتعاون الجاد بين الدولتين.
وفي هذا الإطار، شرفت بالمشاركة في احتفالية كبيرة أُقيمت نهاية الأسبوع الماضي بأحد أقدم الفنادق الآثرية بالهرم، وقد كان اختياراً موفقاً لما يمثله هذا الفندق من أهمية في ذاكرة الصين والصينيين، حيث شهد توقيع إعلان القاهرة في 27 نوفمبر 1943 في أعقاب القمة الثلاثية التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة، والتي شارك فيها كلا من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، والقائد العام للجيوش الصينية تشانغ كاي شيك.
ومن بين ما نص عليه إعلان القاهرة، أن تُرد الحقوق إلى أصحابها، وأن تتجرد اليابان من جميع الأراضي التي احتلتها وسرقتها منذ الحرب العالمية الأولى وضرورة أن تعود جزر وأراضي مثل منشوريا، فورموزا، بسكادورز، هونجالدنجا، إلى الصين.
وقد شارك في الاحتفالية من الجانب المصري السيد وزير السياحة والآثار، والسفير لياو لي تشانغ سفير جمهورية الصين الشعبية ومندوبها لدى جامعة الدول العربية، وحسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، والسفير عمر سليم مساعد وزير الخارجية للعلاقات الثقافية، والفنان الكبير حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، وممثل عن الثقافة والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ورئيس التليفزيون المصري ورئيس الاذاعة المصرية، بالإضافة إلى كبار الشخصيات في مجالات الاقتصاد والثقافة والإعلام والفن والسياحة من الجانبين.
وقد تواكبت هذه الاحتفالية مع إقامة المعرض المؤقت للآثار المصرية “قمة الهرم حضارة مصر القديمة”، الذي تم افتتاحه مؤخراً بمتحف شنغهاي بالصين، ويُعد المعرض الأكبر من نوعه خارج مصر وعلى مستوى العالم لعرض الآثار المصرية القديمة خارج مصر، والذي لاقى إقبالاً كبيراً خاصة في ظل حب وشغف وتذوق الشعب الصيني للحضارة والثقافة المصرية، إذ حضره ما يقرب من 70 ألف زائر خلال الأسبوع الأول من افتتاحه، مما يؤكد أن الدول ذوات الحضارات العريقة، والتي من بينها مصر والصين، لديها الكثير من التاريخ والثقافة والأسس والقواعد التي يمكن البناء عليها لتحقيق مزيد من الشراكات الاستراتيجية.
وقد أعرب السيد شريف فتحي وزير السياحة والآثار المصري عن تطلعه لمستقبل كبير من التعاون بين الجانبين المصري والصيني، من خلال عدة محاور منها تبني فكرة إقامة معارض للآثار مؤقتة متنقلة أخرى في الصين، وزيادة الحملات الدعائية لمصر التي تقوم بها الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي في البر الرئيسي الصيني، وكذلك أن يقوم الجانب الصيني بتعريف الشعب المصري بصورة أكبر بالصين ومقوماتها السياحية المختلفة، مما يساهم في إثراء وزيادة التبادل السياحي بين البلدين.
في الوقت نفسه، تحدث السيد شن هاي شيونغ رئيس مجموعة الصين للإعلام عن أن مصر والصين دولتان ذواتا حضارتين عريقتين وأن هناك تبادلات ودية بين الشعبين المصري والصيني تعود إلى زمن طويل، مشيراً إلى أنه يعرف الكثير عن مصر من خلال المناهج الدراسية في الصين، وأن هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها القاهرة والشرق الأوسط، والتي تعرف خلالها على الكثير عن مصر وشعر بقرب كبير إليها، حيث زار هرم خوفو ونهر النيل وبرج القاهرة، ومؤكداً أن البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” سمح لدولتين عظيمتين بالتواصل جنبا إلى جنب والمضي قدما، مشيراً إلى تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الرسمية لمصر، في يناير عام 2016، بأن الصين ومصر “أصدقاء حقيقيون وأخوة جيدون”، وإلى المحادثات التي تمت في مايو الماضي بين الرئيسين السيسي وشى في بكين، والتي استمرت في ضخ زخم قوي لتحسين وتحديث الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
وأشار السيد شن إلى دور الإعلام في تعزيز التبادلات والروابط بين البلدين، وهو ما تقوم به هيئة الإذاعة والتليفزيون المركزية الصينية، لافتاً إلى التعاون القائم مع وزارة السياحة المصرية لتصوير الفيلم الوثائقي “أقنعة وكنوز” والذي تم إطلاقه خلال الاحتفال، وكذلك إلى الإقبال الكبير الذي يحققه معرض الآثار المصرية المقام حالياً في شنغهاي.
وقد مثلت زيارة المسئول الصيني رفيع المستوى، فرصة مهمة لضخ مزيد من الزخم في مجال التعاون الإعلامي، ليس فحسب بين مصر والصين، وإنما أيضاً بين الجانبين العربي والصيني. فقد تمخضت زيارة السيد شن إلى القاهرة عن توقيع العديد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون بين مصر والصين في مجالات السياحة والإعلام والسينما. وعلى المستوى العربي، بحث المسئول الصيني، خلال لقائه مع السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بمقر الأمانة العامة للجامعة بالقاهرة، الآفاق الواعدة للتعاون العربي الصيني في مجال الإعلام، بجانب بحث التحضيرات للقمة العربية الصينية الثانية المقرر عقدها عام 2026 في بكين. وقد شهد اللقاء التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الأرشيف الرقمي الصيني العربي، كما قام السيد أبو الغيط بتسليم رئيس مجموعة الصين للإعلام شهادة تكريم من الجامعة العربية، تقديراً لإسهامات المجموعة في مجال الإعلام على الصعيد الدولي.
* كاتب المقال:
المستشار الاعلامي المصري السابق ببكين
الخبير يالشأن الصيني
وكيل الوزارة السابق لمكتب رئيس هيئة الاستعلامات