هاريس تربك حسابات ترامب
د. حذامى محجوب تكتب
شهدت الساحة الأمريكية منعطفًا غير متوقع في 21 يوليو حين أعلن الرئيس جو بايدن عن عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية، مفسحًا المجال لنائبته، كامالا هاريس، لتولي زمام المبادرة. هذا القرار المفاجئ أعاد تشكيل المشهد السياسي، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تقاربًا بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري، بعد ان كانت لدونالد ترامب حظوظا كبيرة للعودة إلى البيت الأبيض خاصة بعد الأداء الكارثي لجو بايدن في المناظرة الرئاسية الأولى في 27 يونيو وكذلك بعد خفض الضغط القضائي عن ترامب وتعاطف الأمريكيين معه على اثر محاولة اغتياله.لكن دخول كاميلا هاريس السباق الانتخابي سحب السجادة من تحت قدمي ترامب حيث شهد الحزب الديمقراطي ارتفاعًا في الدعم، خاصة في الولايات الرئيسية. هذا التأييد الكبير يأتي في وقت حساس، حيث تجاوزت التبرعات لحملة كاميلا هاريس 200 مليون دولار في أقل من عشرة أيام. من الواضح أن شخصية هاريس، المولودة لأم هندية وأب جامايكي، تجذب اهتمام الناخبين، خاصة الأفرو-أمريكيين وكل من يبحث عن الجديد .كان معسكر دونالد ترامب يحذر من ضعف آداء بايدن بسبب تقدمه في السن مركزا على نقطة الضعف هذه . تنقلب المعطيات لصالح الديمقراطيين باعتبار ان مرشح الحزب الجمهوري البالغ من العمر 78 عامًا يجد نفسه الآن في مواجهة مرشحة أصغر سنًا وأكثر نشاطًا وحيوية . في 23 يوليو، توقع توني فابريزيو، مستطلع رأي جمهوري، أن التحمس لهاريس سيتقلص قريبًا، وستعود الأنظار إلى “سجلها الليبرالي الخطير” ودورها في “التضخم التاريخي” و”تدفق المهاجرين غير الشرعيين”على حسب تعبيره .بدأ الجمهوريون بالفعل حملة إعلانات سلبية ضد كامالا هاريس بقيمة 12 مليون دولار، تستهدف الولايات الأكثر تنافسًا مثل أريزونا وجورجيا وميشيغان. في المقابل، أعلنت حملة هاريس عن استثمار بقيمة 50 مليون دولار لتمويل إعلانات حتى المؤتمر الانتخابي في شيكاغو في 19 أغسطس.
رغم كل ذلك، لم يحقق دونالد ترامب التقدم المتوقع. وفقًا لمجلة “ناشونال ريفيو”، يعاني ترامب من “سقف صلب” في نوايا التصويت. هذا السقف لا يمكن إلا أن يتعمق بالجدالات التي تعود إلى حملته والتي يغذيها بشكل لافت المرشح لمنصب نائب الرئيس، جي. دي. فانس، الذي قام بتصريحات علنية مهينة تستهدف بشكل خاص الأشخاص الذين حرموا من الأطفال. وأثارت هذه التصريحات استياءً لدى المتابعين . يضاف إلى ذلك مواقفه المتطرفة ضد الإجهاض، وهي قضية من المحتمل أن تكون محور حملة المرشحة الديمقراطية.
كما أن دونالد ترامب أضاع على نفسه الفرصة التي قدمتها محاولة الاغتيال ليظهر كقائد يجمع الناس. في مقابلة إذاعية مع مقدم برامج محافظ يوم الثلاثاء، علّق ترامب على دور إدارة بايدن في الشرق الأوسط، وقال إن كامالا هاريس، المتزوجة من أمريكي يهودي، دوغ إمهوف، “لا تحب اليهود”، ووافق على كلام مقدّم البرنامج، عندما وصف دوغ إمهوف بـ “اليهودي الحقير”، فاعتبرت تصريحاته معادية لليهود واثارت انتقادات حادة في صفوف الأمريكيين .
وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز المحافظة تم بثها في نفس اليوم، شكك دونالد ترامب في كفاءة كامالا هاريس، واعتبرها غير قادرة على مواجهة نظرائها الأجانب في حال انتخابها. وقال: “سوف يدوسون عليها”، وأضاف بغموض وهو ينظر إلى الكاميرا: “لا أريد أن أقول لماذا. لكن الكثير من الناس يفهمون.” واضطرت حملته الانتخابية إلى نفي استهدافها لجنسها أو أصولها العرقية.
ومع ذلك، واصل المرشح الجمهوري يوم الأربعاء 31 يوليو هذا التوجه والتهجم، خلال تبادل حاد مع صحفيات أميركيات من أصول إفريقية في شيكاغو، واتهم نائبة الرئيس بأنها “أصبحت سوداء” لأسباب انتخابية. وقال: “كانت هندية بالكامل وفجأة تحولت وأصبحت شخصًا أسود.” وردت عليه نائبة الرئيس واصفة هذه التصريحات بأنها “تقسيمية وغير محترمة.”
كما واجه المرشح الجمهوري انتقادات شديدة بسبب تصريحات غير واضحة خلال لقاء مع المسيحيين المحافظين في فلوريدا، في 26 يوليو. قال: “في غضون أربع سنوات، لن تحتاجوا للتصويت بعد الآن. سنكون قد حللنا المشكلة بشكل جيد بحيث لن تحتاجوا إلى التصويت.” وفي محاولة لتوضيح هذه التصريحات، استضافته قناة فوكس نيوز بلطف في 29 يوليو، لكنه لم يستطع تقديم توضيحات كافية.
ختامًا، تواجه حملة ترامب صعوبات كبيرة في استمالة الناخبين المعتدلين، خاصة في ظل البرنامج الحكومي القوي “مشروع 2025″، الذي وضعه مركز The Heritage Foundation المحافظ. وقد أعلن المركز عن استقالة رئيسه، بول دانس، بعد أن واجه ضغوطًا بسبب هذا البرنامج المثير للجدل.