تقرير: د. حذامى محجوب
في تطور جديد تشهده الساحة السياسية الفنزويلية، خرجت المعارضة للطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مشيرة إلى أن لديها أدلة على الفوز الساحق لمرشحها إدموندو غونزاليس. احتشد آلاف المتظاهرين يوم أمس في حي راقٍ بشرق العاصمة، رافعين شعار “لدينا الأدلة”، استجابة لدعوة زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو. وادعى المتظاهرون أن مرشحهم قد فاز بنسبة 70% من الأصوات، حسب حساباتهم، مؤكدين أن مراقبيهم جمعوا المحاضر من جميع مراكز الاقتراع في البلاد، حيث جاء فيها أن غونزاليس فاز بسهولة.
لم يكن فرز الأصوات، الذي جرى الأحد الماضي، شفافًا. حتى الآن، لم يقدم المجلس الوطني الانتخابي أدلة على فوز نيكولاس مادورو بنسبة 51% كما أعلن. وعلى الرغم من أن نظام التصويت الإلكتروني في فنزويلا يُعتبر من أكثر الأنظمة موثوقية في العالم، فإن المعارضة تواجه الآن تحديًا في الوصول إلى المعلومات المسجلة بواسطة 30,000 آلة تصويت. وبرر مادورو التأخير بـ “هجوم إرهابي”، ما أثار استغراب الكثيرين، حيث اعتبروا ذلك تكرارًا للأعذار المزعومة التي استخدمت في أحداث سابقة مثل انقطاع الكهرباء عام 2019.
في حين كان مادورو يُعلن رئيسًا في حدث رسمي، اندلعت اضطرابات في الأحياء الشعبية. حيث تحولت تجمعات صغيرة إلى مسيرات ضخمة، مع تدفق الآلاف من المواطنين من أحياء الصفيح نحو قصر ميرافلوريس، مقر الحكومة. كان الشباب في طليعة هذه المسيرات، مطالبين بالحرية ومنددين بالتزوير.
من بين المتظاهرين، حضر العديد من حي “بيتر” المعروف بخطورته في أمريكا اللاتينية، مطالبين برحيل مادورو خلال أسبوع وإلا فإنهم يهددون بالتصعيد. وأسفرت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن والميليشيات الموالية للحكومة عن سقوط عدة قتلى وعشرات الجرحى.
وفي هذا السياق، أشارت كوليت كابريليس، أستاذة العلوم السياسية بجامعة سيمون بوليفار، إلى أن العنف الحالي يعقد المفاوضات السلمية. ووصفت ما حدث بأنه “تزوير فاضح”، مشيرة إلى أن الحكومة لن تتنازل بسهولة، وأنها ستلقي باللوم على المعارضة، التي تصفها بأنها “إرهابية”.
من جانبه، رفض إدموندو غونزاليس أي شكل من أشكال العنف، داعيًا إلى الهدوء، محذرا من تكرار سيناريو 2017 عندما لقي مئة شخص حتفهم خلال مظاهرات. واعتبر البعض أن الوضع الحالي مختلف، مشيرين إلى أن المتظاهرين اليوم هم من الأحياء الشعبية وليسوا من أبناء الطبقة الغنية.
وفي خطوة تصعيدية، قامت حكومة مادورو بطرد الموظفين الدبلوماسيين من دول أمريكا اللاتينية التي شككت في فوزه، كما أوقفت الرحلات التجارية مع بنما والجمهورية الدومينيكية. هذه الإجراءات تشير إلى عزلة متزايدة للبلاد على الساحة الدولية، مما يعيدها إلى سنوات العزلة السياسية.
رغم هذه التطورات، يرى بينيغنو ألاركون، مدير مركز الدراسات السياسية والحكومية، أن التفاوض هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا في فنزويلا. حيث أشار إلى أن الحكومة، رغم كل شيء، سمحت بتنظيم الانتخابات الأولية للمعارضة وترشيح إدموندو غونزاليس.
في الوقت الحالي، تعيش فنزويلا على وقع انقسامات كبيرة، مع شعور متزايد بالإحباط بين سكان الأحياء الشعبية والمناطق الراقية على حد سواء، حيث لم ينجح مادورو في تحقيق وعوده الاقتصادية، ما أدى إلى تدهور الوضع المعيشي لشرائح واسعة من الشعب.