إقتصادسلايدر

“روح باندونغ” تعود من بوابة بكين وجاكرتا!

استمع الي المقالة

رئيس التحرير يكتب

في لحظة عالمية تتسم بالتشظي الجيوسياسي، وتراجع منظومة العولمة التقليدية، تستحضر الصين وإندونيسيا روح باندونغ — لا كذكرى تاريخية فقط، بل كأداة استراتيجية لإعادة تشكيل النظام الدولي انطلاقًا من “الجنوب العالمي”.

1. العودة إلى باندونغ: بين الرمز والتكتيك

إحياء الذكرى الـ70 لمؤتمر باندونغ، الذي عُقد عام 1955 كأول تحالف سياسي-أخلاقي للدول حديثة الاستقلال، لم يكن فعلًا بروتوكوليًا. بل هو استدعاء متعمّد لخطاب “العالم الثالث” في مواجهة عالم اليوم الذي يعود سريعًا إلى منطق الكتلتين: واشنطن مقابل بكين.

لي تشيانغ، بخلفيته الاقتصادية والتكنوقراطية، لم يتحدث بلغة أيديولوجية، بل بلغة المصالح المشتركة في عصر الحمائية، واضعًا الصين وإندونيسيا على خريطة جديدة من التعاون التنموي والتكنولوجي العابر للحدود.

2. إندونيسيا: شريك لا تابع

ما يميّز خطاب الرئيس برابوو سوبيانتو هو تجنّبه الاصطفاف الكامل مع بكين، مقابل تأكيده على “استراتيجية الشراكة” لا “التبعية”. إندونيسيا تسعى لأن تكون مركزًا اقتصاديًا في جنوب شرق آسيا، مستفيدة من التوتر الأميركي-الصيني لا خاضعة له.

كما أن إشاراته إلى التعاون في الاقتصاد الأخضر والتعليم تعكس محاولة لإضفاء طابع تنموي على العلاقة، بعيدًا عن صورة “ممر عبور” لمصالح الصين ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.

3. الصين: تصدير الاستقرار في زمن الاضطراب

خطاب لي لم يكن فقط ترويجًا للاستثمار والتكامل الصناعي، بل رسالة موجهة للعالم الثالث مفادها: “الصين ليست مصدر تهديد، بل شريك نمو”.

من خلال التركيز على الاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وسلاسل التوريد، تحاول الصين تصدير نموذجها كقوة تكنولوجية مسالمة، تعوّض فراغ الثقة المتزايد في الاقتصاد الغربي.

4. تناقضات كامنة: باندونغ الروحية أم بكين البراغماتية؟

رغم الخطاب الإنساني المشترك، تبقى الأسئلة مفتوحة:

  • إلى أي مدى تستطيع بكين الاستمرار في توظيف “روح باندونغ” دون أن تقع في تناقض مع ممارساتها الجيوسياسية الصلبة في بحر الصين الجنوبي؟

  • وهل تستطيع إندونيسيا الموازنة بين مصالحها مع الصين، وشراكاتها الدفاعية مع الغرب (مثل الحوار الأمني الرباعي – QUAD)؟

5. استنتاج: من باندونغ إلى بكين.. وماذا بعد؟

ما يجري بين الصين وإندونيسيا ليس حدثًا ثنائيًا فقط، بل مؤشر على تحول عالمي أكبر تقوده قوى الجنوب لإعادة تعريف التعددية والعدالة الدولية. ولكن نجاح هذا التوجه مرهون بقدرة هذه الدول على تقديم نموذج شراكة غير استغلالي، وغير استقطابي، وهو أمر لم يُحسم بعد.

* ختاماً!

“روح باندونغ” لم تمت. لكنها الآن على المحك: فإما أن تُترجم إلى توازن عادل في العلاقات الدولية، أو أن تتحوّل إلى شعار فارغ في لعبة النفوذ بين القوى الكبرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى