رأى

امسك .. شخص توكسيك!!!

استمع

بقلم: محمد محسوب السنباطي

حياتنا ممتلئة بأنماط مختلفة من الشخصيات، ولطالما وقفت مندهشا أمام تنوع تلك الأنماط، ولقد شاء القدر أن اتعامل مع تلك الأنماط المختلفة بصفة شبه يوميه في مجال عملي، وعلى الرغم من وجود تشابه في الصفات العامة بين الأفراد إلا أن لكل منهم صفات معينة تجعله متميزاً عن غيره، وسرعان ما أصرت الأيام صديقي القارئ أن تثبت لي أن ليس جميع من أتعامل معهم بنفس مثالية أو طيبة أبطال رواياتي المفضلة، ليسوا كأبطال تلك المسلسلات والأفلام التي أشاهدها على شاشة التليفزيون وأنا اشرب كوب الشاي بالنعناع في منزلي.

من بين تلك الأنماط ذلك النمط الذي يعرف بالنمط “التوكسيك” السام، والتي أكاد أن أجزم أن أغلبنا قد عانى بل ومازال يعاني من مرارة التعامل مع تلك الشخصية، لذلك من المهم أن نعرف سمات وملامح هذه الشخصية، لكي نعرف كيف نتعامل معها في حال لا زلنا نعاني منها حتى الآن، وكيف نحذر منها مستقبلاً في حال اعترضت طريقنا يوماً ما، لاسيما أن القدرة على تمييز الشخصيات السامة وتعلم طريقة التعامل معها هي السبيل الوحيد للنجاة منها.

سميت هذه الشخصية بهذا الاسم لأنها تشبه الأفعى السامة التي تبث السم في حياتنا، فهي شخصية مخادعة تظهر نفسها بصورة مثالية، ولكن سرعان ما نكتشف بشاعتها وتظهر لنا أنيابها، يتصرف بعض أصحاب هذه الشخصية بطبيعته دون وعي أو إدراك للضرر الذي يسببه للآخرين، وبعضهم الآخر يدرك تماماً ما يفعل ويجد متعته فيما يفعل.

أثبتت دراسات قامت بها جامعة “فريدريش شيلر” في ألمانيا، مدى خطورة الأشخاص السامين، وأوضحت أن التعرض للمنبهات التي تسبب مشاعر سلبية قوية وتؤثر على الدماغ، هو نفس التعرض الذي نحصل عليه عند التعامل مع الأشخاص ذوي الصفات السامة، لأنهم يدفعون دماغنا إلى حالة من التوتر والضغط الكبيرين، وأشارت الدراسات أن التعرض لهذا الضغط لأيام قليلة يسبب ضررا بالغا للخلايا العصبية بأحد أجزاء المخ المسؤول عن الذاكرة والتفكير، أما التعرض لهذا الضغط لعدة أشهر؛ فهو كفيل بتدمير تلك الخلايا العصبية.

غالبا ما يرى صاحب الشخصية السامة نفسه الأذكى والأكثر فهما وإلماما من غيره ، بل غالبا ما يبتعد عن الحقائق إذا حاول أحدهم مواجهته بالحقيقة، فيلجأ للتلاعب بالكلام، لذلك يجعل من يتعامل معه في حالة شك دائم فيما يسمع، كما أنه شخص استغلالي يحاول أن يعرف عنك كل شيء تحت غطاء الصداقة، وتفاصيل حياتك وخصوصياتك، ونقاط ضعفك، ليستعملها في أجندة سرية ضدك ويستغلها لصالحه عند الحاجة، فهو يأخذ منا الكثير مع القليل من العطاء أو حتى بدونه.

أصحاب الشخصية السامة لا ينظرون للأمور إلا من زاوية مظلمة ولا يحاولون إيجاد حلول للمشاكل وإنما فقط يلومون الأقدار ويشكون، وسرعان ما تكتشف عزيزي القارئ أن مشهد الضحية ما هو إلا مجرد دور يتقنه صاحب الشخصية السامة ليتخلص من مسؤولياته ويكسب تعاطف الآخرين، فأهم ما يميز أصحاب الشخصية السامة أنهم لا يمنحون مشاعرهم لأحد، يرتدون قناع البراءة لكسب محبة الآخرين، لكنهم لا يضيعون فرصة لتوجيه الاتهامات اللاذعة لهم دون وجه حق.

نسمع في أفلام الرعب عن مصاصي الدماء، لكن هناك أيضا مصاصو المشاعر، فأصحاب الشخصية السامة يمتصون طاقة الإنسان ومشاعره، ذلك لأنهم أشخاص غارقون في السلبية ونظرتهم للحياة تشاؤمية وسوداوية، ولا يرون إلا نصف الكأس الفارغ في كل شيء، و غالبا ما ستجد صاحب الشخصية السامة في وضع مقارنة دائم بالآخرين وبين ما لديه بما لديهم، لذا هو أكثر الأشخاص تعاسة، ذلك لأنه لا يعرف الرضا ومقياسه دائما هو ما يمتلكه فيسعى دائما للانتقاص من قيمة إنجازات الآخرين بسبب غيرته وحسده.

يعشق أصحاب الشخصية السامة أن يكونوا كمحركي العرائس، ومعاملة الآخرين كدمى في أيديهم، يجدون متعة في السيطرة على الآخرين، ولا يرضون بأقل من التسليم الكامل لهم وأن ينفذ الآخرون رغباتهم دون أي اعتراض، يحب صاحب الشخصية السامة ذم الآخرين وذكر عيوبهم وأخطائهم في غيابهم، فليس لديه موضوع إلا فضائح الآخرين ويستمد متعته من مصائب الناس، وهو أمر لا أخلاقي يؤذي الآخرين وفيه مضيعة للوقت.

هم أشخاص سريعي الغضب كثيري العصبية، يفقدون السيطرة على أعصابهم ويغضبون ويثورون لأتفه الأسباب، يزعمون أنهم على صواب دائماً، الشخصية السامة دائما وأبدا ما تحاول أن تثبت وجهة نظرها بل وتنحاز إليها دون سواها وتعتمد على تسفيه آراء الآخرين حتى لو كانوا على صواب، إذ إنه ينظر للنقاشات على أنها معركة يجب أن يكسبها، الشخصية السامة شخص متعصب لآرائه وأفكاره، يسارع بإصدار الأحكام على الآخرين ولا يؤمن بالاختلاف، وينظر للمختلفين عنه نظرة احتقار، ويسبب الكثير من الأذى لغيره ويقتل شغفه.

لا يمكن للشخصية السامة أن تمدح أحداً، على العكس من ذلك هو دائم الانتقاد وحتى السخرية ممن حوله.لا يملك الشخص السام ثقافة الاعتذار، لأنه يرى نفسه دائماً على حق ولا يعترف بالخطأ أبدا، هي شخصية دائمة التقلب، أحيانا يقربنا منه وأخرى يبعدنا عنه، شخصية تفتقر للثقة بنفسه وبالآخرين، تشكك بإخلاصهم له، لذا فجأة ينقلب تعامله مع المحيطين به ويشعرهم أنهم سبب الضيق الذي يشعر هو به، أو قد ينطوي على نفسه دون أن يشرح للآخرين الأسباب.

رغم أننا قد لا نكون قادرين على تجنب الاختلاط بأشخاص سامين، إلا أن معرفة سلوكيات الشخصية السامة قد يفيدنا في حماية أنفسنا، فمعرفة السلوكيات السامة هو السر وراء عيش حياة تتسم بعلاقات صحية؛ إذ نكون في وضع أفضل حينما نتمكن من معرفة حقيقة سهام “الحقد والأذى” التي ترمى علينا، مما يساعدنا على حماية أنفسنا بصورة أفضل، أو على تجنب الوقوع في شركها تماماً.

عزيزي القارئ في الجزء الثاني من هذا المقال لبحث كيفية التعامل مع الشخصية السامة ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى