ماذا يحدث لو لم يستمع الغرب وإسرائيل لصوت الحكمة؟
مصر كحالة فرضت أمر واقع واستعادت سيناء في 25 أبريل 1982
بقلم: أحمد مصطفى
كان انتصار مصر الاستراتيجي في حرب أكتوبر 1973، المعروفة باسم حرب يوم الغفران، بمثابة لحظة حاسمة في تاريخها. ومن خلال التخطيط الدقيق لهجوم مفاجئ على القوات الإسرائيلية التي تحتل شبه جزيرة سيناء، حطمت مصر أسطورة إسرائيل التي لا تقهر، ووضعت الأساس لمفاوضات السلام المستقبلية. هذه العملية العسكرية الجريئة، التي تم تنظيمها بدقة تحت قيادة الرئيس أنور السادات ورئيس الأركان سعد الشاذلي، فاجأت الإسرائيليين وأوقعت خسائر كبيرة قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. أظهرت الحرب براعة مصر العسكرية ورؤيتها الإستراتيجية وتصميمها على استعادة أراضيها. وفي وقت لاحق، ومن خلال الدبلوماسية الذكية والمثابرة التي لا تتزعزع، تمكنت مصر من تأمين عودة شبه جزيرة سيناء في 25 أبريل 1982، وهو إنجاز هائل أعاد السيادة المصرية على أرضها وكان بمثابة نقطة تحول في الصراع في الشرق الأوسط.
هل تحتاج المقاومة في غزة فلسطين إلى أمر واقع لوقف إطلاق النار فوراً؟
إن فعالية المقاومة في غزة في خلق الأمر الواقع لفرض وقف فوري لإطلاق النار هي قضية معقدة ومثيرة للجدل. ويقول المؤيدون إن المقاومة استخدمت بنجاح استراتيجية الصواريخ وغيرها من العمليات العسكرية لإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل، وبالتالي إجبارها على السعي إلى هدنة. وهم يشيرون إلى اتفاقات وقف إطلاق النار العديدة التي تم التوصل إليها في الماضي كدليل على قدرة المقاومة على خلق الظروف التي تجبر إسرائيل على التحرك.
ومن ناحية أخرى، يرى المنتقدون أن تكتيكات المقاومة كانت ذات نتائج عكسية، ولم تؤد إلا إلى زيادة العنف والمعاناة لشعب غزة. وهم يؤكدون أن الهجمات الصاروخية على إسرائيل لا تؤدي إلا إلى تعزيز الدعم لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتشددة، وأن الضربات الانتقامية الإسرائيلية الناجمة عن ذلك تتسبب في دمار واسع النطاق وخسائر في الأرواح في غزة.
علاوة على ذلك، فإنهم يقولون إن استراتيجية المقاومة فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة المتمثلة في رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة وتأمين تسوية عادلة للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار، لا يزال الحصار قائما، ولم تحقق السلطة الفلسطينية تقدما يذكر في دفع عملية السلام.
وفي نهاية المطاف، فإن فعالية استراتيجية المقاومة هي موضوع نقاش مستمر. ولا يوجد إجماع حول ما إذا كانت قد نجحت في تحقيق أهدافها، ومن المرجح أن يبقى الموضوع محل جدل في المستقبل المنظور.
ما يعنيه 200 يوم من الفشل لإسرائيل في احتلال غزة؟!
لقد أدى الصراع الذي طال أمده بين إسرائيل وحركة حماس، الفصيل الحاكم في قطاع غزة، في كثير من الأحيان إلى فترات من الأعمال العدائية المكثفة. وفي عام 2024، أدى تصعيد كبير في أعمال العنف إلى 200 يوم من القتال، مما يمثل واحدة من أطول فترات الصراع وأكثرها حدة في المنطقة في السنوات الأخيرة. وفي حين أن هدف إسرائيل الأولي ربما كان احتلال غزة، فإن عجزها عن تحقيق هذا الهدف على الرغم من طول مدة القتال يشير إلى التحديات والتعقيدات الكبيرة التي ينطوي عليها حل هذا الصراع.
إن الفشل في احتلال غزة يسلط الضوء على قدرة حماس على الصمود والطبيعة العميقة الجذور للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن قدرة حماس على الصمود في وجه هجوم طويل الأمد، على الرغم من تفوقها الكبير على القدرات العسكرية، تثبت قدرتها على حشد الدعم والحفاظ على سيطرتها داخل غزة. علاوة على ذلك، فإن طبيعة الصراع التي طال أمدها تؤكد التحديات التي تواجه إيجاد حل دائم يعالج الأسباب الكامنة وراء التوتر والعداء بين الجانبين.
إن 200 يوم من فشل إسرائيل في احتلال غزة في عام 2024 هي بمثابة تذكير صارخ بالصعوبات التي تواجه التوصل إلى حلول عسكرية للقضايا السياسية والاجتماعية المعقدة. وفي حين أن القوة العسكرية قد تقمع مؤقتًا فصائل معينة أو تحقق أهدافًا تكتيكية محددة، فإنها غالبًا ما تفشل في معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بل وربما تؤدي إلى تفاقم التوترات على المدى الطويل. ويتعين على المجتمع الدولي أن يلعب دورا حيويا في تسهيل الحوار والمفاوضات بين إسرائيل وفلسطين، والعمل على التوصل إلى حل عادل ومستدام يحترم حقوق وتطلعات كلا الطرفين.
لقد خلقت الضربات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل فئة جديدة من الردع لصالح غزة
لقد أدخلت الضربات الإيرانية الأخيرة على أهداف إسرائيلية في سماء الكيان الصهيونى، بعداً جديداً للديناميكيات بين إسرائيل وإيران وجماعة حماس الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة. وقد أنشأت هذه الضربات نموذجًا جديدًا للردع، حيث برزت غزة، التي كان يُنظر إليها سابقًا على أنها جيب معزول وهش، كرادع غير مباشر للأعمال الإسرائيلية ضد إيران.
الضربات الإيرانية، التي شنت ردا على غارة جوية إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في سوريا، استهدفت على وجه التحديد أهدافا إسرائيلية داخل اسرائيل. ومع ذلك، فإن أهمية هذه الضربات تتجاوز تأثيرها العسكري المباشر. ومن خلال استهداف الأراضي الإسرائيلية، أرسلت إيران رسالة واضحة مفادها أنها مستعدة لتصعيد التوترات ومواجهة إسرائيل بشكل مباشر دفاعاً عن مصالحها. وقد أدى هذا التحول في الاستراتيجية الإيرانية إلى خلق مستوى جديد من عدم اليقين بالنسبة لإسرائيل، التي يجب عليها الآن أن تفكر في احتمال الانتقام الإيراني كلما اتخذت إجراءات ضد أهداف إيرانية في سوريا أو في أي مكان آخر.
ونتيجة لذلك، اكتسبت حماس درجة من النفوذ على إسرائيل. وباعتبارها حليف لإيران في المنطقة، فإن تصرفات حماس وتهديداتها يمكن أن تؤثر بشكل غير مباشر على عملية صنع القرار الإيرانية. ومن خلال التهديد بشن هجمات صاروخية على المدن الإسرائيلية في حالة وقوع ضربة إيرانية، أرغمت حماس إسرائيل فعلياً على تقييم العواقب المحتملة لتصرفاتها ضد إيران. وقد خلقت هذه الديناميكية شكلاً جديداً من أشكال الردع.
لقد أدت الضربات الإيرانية على إسرائيل إلى إعادة تشكيل ديناميكيات القوة في المنطقة. لقد برزت حماس باعتبارها رادعاً غير مباشر لإسرائيل، مما يدل على أنه حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية قادرة على لعب دور مهم في تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط. وقد أدخلت هذه الفئة الجديدة من الردع مستوى جديداً من التعقيد على الصراع المضطرب بالفعل بين إسرائيل من جهة وإيران وحماس من جهة أخرى، وسوف تستمر آثارها في تشكيل المشهد الأمني في المنطقة لسنوات قادمة.
إسرائيل تخسر ولأول مرة في الساحة الأكاديمية الأمريكية لصالح غزة وفلسطين
ومؤخراً، اتخذت جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، المعروفة بمعاييرها الأكاديمية الصارمة وسمعتها المرموقة، موقفاً جريئاً بفرض أمر واقع في دعم غزة وفلسطين، الأمر الذي ألقى بظلاله على النفوذ الإسرائيلي الذي طال أمده داخل المؤسسة. أدان قرار أصدره مجلس طلاب جامعة كولومبيا، بأغلبية ساحقة من ممثلي الطلاب الذين صوتوا لصالحه، انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعا الجامعة إلى سحب استثماراتها من الشركات التي تساهم في سياسات الحكومة الإسرائيلية القمعية.
وتمثل هذه الخطوة تحولا كبيرا في سياسة الحرم الجامعي، حيث حافظت جامعة كولومبيا تاريخيا على علاقات وثيقة مع إسرائيل ومؤيديها. وأثار القرار جدلا حادا، حيث أعرب بعض الطلاب وأعضاء هيئة التدريس عن دعمهم للقضية الفلسطينية، بينما عارض آخرون بشدة قرار الجامعة بالنأي بنفسها عن إسرائيل. وقد لفت القرار انتباهًا واسع النطاق، وأشاد به النشطاء المؤيدين للفلسطينيين باعتباره انتصارًا لحقوق الإنسان وشهادة على الزخم المتزايد لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها.
الأراضي الفلسطينية، وقف إطلاق النار في غزة والامتثال للقانون الدولي. وتمتد الآثار المترتبة على هذا القرار إلى ما هو أبعد من جامعة كولومبيا، مما يشير إلى تحول أوسع في مواقف الأوساط الأكاديمية الأميركية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويبقى أن نرى كيف سيؤثر هذا القرار على علاقة الجامعة مع الجهات المانحة لها والمجتمع اليهودي الأوسع، لكنه بلا شك يشكل سابقة تتبعها جامعات أخرى مع احتدام الجدل حول الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
يتحتم على الغرب وإسرائيل أن يستمعوا إلى صوت الحكمة إذا كانوا يريدون أن يكونوا جزءا من النظام العالمي الجديد
يشهد المشهد الجيوسياسي الحالي تحولا عميقا نحو نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وفي هذا العصر الناشئ، يتعين على الغرب وإسرائيل أن ينتبها إلى صوت الحكمة إذا كانا راغبين في الحفاظ على أهميتهما ونفوذهما. لقد أثبتت الأحادية وفرض إرادتهم من خلال القوة العسكرية عدم فعاليتها وتؤدي إلى نتائج عكسية. ولم يؤد الخطاب التحريضي وتقويض القانون الدولي إلا إلى زيادة عزلتهم عن بقية العالم.
القوة الحقيقية لا تكمن في الهيمنة بل في التعاون والاحترام المتبادل. ويتعين على الغرب وإسرائيل أن يعيدا توجيه سياساتهما الخارجية بعيداً عن العدوان ونحو الدبلوماسية. وينبغي لهم أن يتعاملوا مع الدول الأخرى على قدم المساواة، مع الاعتراف بتطلعاتهم واهتماماتهم المشروعة. إن التعاون في مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، والإرهاب، والتفاوت الاقتصادي، من شأنه أن يعزز الثقة ويبني الجسور عبر الانقسامات الثقافية.
تشمل “الحكمة” المشار إليها هنا مجموعة واسعة من المبادئ: التعاطف، والتسامح، والتفاهم، والاستعداد للتسوية. ومن خلال تبني هذه القيم، يستطيع الغرب وإسرائيل أن يتحررا من دائرة الصراع وانعدام الثقة التي ابتلي بها الماضي. ويمكنهم أن يصبحوا شركاء حقيقيين في إنشاء نظام عالمي عادل ومنصف، حيث يتم إعطاء الأولوية لرفاهية جميع الدول على المصلحة الذاتية الضيقة.
إن تجاهل صوت الحكمة لن يؤدي إلا إلى المزيد من العزلة وعدم الأهمية بالنسبة للغرب وإسرائيل. وعليهم أن يختاروا ما إذا كانوا يريدون أن يكونوا جزءا من الحل أو جزءا من المشكلة. إن مستقبل النظام العالمي الجديد يعتمد على خياراتهم الحكيمة.
وفي الختام، فإن المقاومة في فلسطين تحتاج إلى أمر واقع لوقف إطلاق النار فوراً، وسيتحقق عاجلاً أم آجلاً على أساس أن إسرائيل بعد 200 يوم من الصراع فشلت في تحقيق أي من أهدافها. كما أن الضربات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل خلقت فئة جديدة من الردع لصالح فلسطين. ,للمرة الأولى في الولايات المتحدة، صدر قرار أصدره مجلس طلاب جامعة كولومبيا، بأغلبية ساحقة من ممثلي الطلاب، يدين انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويدعو الجامعة إلى سحب استثماراتها من الشركات التي تساهم للسياسات القمعية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية. وبناءً على ذلك، يجب على الغرب وإسرائيل أن يستمعوا إلى صوت الحكمة إذا أرادوا أن يكونوا جزءاً من النظام العالمي الجديد.