د. أحمد مصطفى يكتب
كان من المفترض أن تعقد هذه الاحتفالية في أكتوبر الماضي بموجب الدعوة التي وصلتني من سكرتارية السفير الروسي في القاهرة (السيد/ بوريسينكو) ممثلة في السيد/ فلاديمير، ولكن قد تم تأجيل الاحتفالية بسبب الوضع السيء في غزة وحرصا على مشاعر العرب والمسلمين في هذه الفترة الحرجة.
ثم بعد ذلك تم العزم على عقد هذه الاحتفالية (80 عاما على العلاقات الدبلوماسية المصرية الروسية) أمس الثلاثاء في المسرح الصغير بأوبرا القاهرة. والحمد لله أن الأجواء كانت مواتية وتميل إلى الربيع بعد موجة سقيع امتدت لأكثر من إسبوعين على الوجه البحري.
والشيء اللافت أن أحد أطراف هذه الاحتفالية الجميلة والراقية التي نشكر إخواننا وأحبابنا الروس عليها قناة روسيا اليوم العربية، وذلك بموجب دخول مصر عضوية بريكس بلس إلى جانب روسيا وزيادة الاهتمام بمصر على وجه العموم كأحد أهم الدول الأولى بالرعاية لروسيا على مستوى العالم العربي وأفريقيا – حيث ان مصر إلى الآن تعد أكبر شريك تجاري للجانب الروسي بقيمة تزيد عن 6 مليارات دولار.
وستزداد هذه القيمة مع دخول المنطقة الاستثمارية الصناعية الروسية حيذ التنفيذ، ربما بعد انتهاء الحرب على غزة، والتي نرغب في أن تنتهي سريعا بحل عادل للفلسطينيين. حيث أن كل ما يحدث منذ سبعينيات القرن الماضي وبسبب إهمال القضية الفلسطينية كان السبب الرئيسي لكل التوترات التي تحدث في المنطقة ودولها ومنها مصر وإلى الآن وهنا يوجد ايضا تفاهم مصري روسي في هذا المنحى. وعليه قامت روسيا اليوم العربية بتفعيل أدوات القوى الناعمة، ونحن نعلم من متابعتنا لـ روسيا اليوم أنها تنتج افلام وثائقية عالية المستوى.
فقامت بإنتاج فيلم وثائقي تحت عنوان (ذهاب وعودة) ويتضح من عنوان الفيلم انه رحلة لشخصية روسية تجيد العربية خدم في الجيش الروسي عمل كضابط معاون وخبير ومترجم مع الجيش المصري. وتتذكر هذه الشخصية من خلال حالة نوستالجيا وجوده في مصر وبالتحديد في القاهرة منذ خمسين عاما سابقة. ثم يعيد اكتشاف القاهرة مرة أخرى ويقارن بين وضعيها في الماضي وفي الحاضر.
وتمكن بطل الفيلم في الوقت نفسه من زيارة المعالم الأساسية الرئيسية في القاهرة، والتي بسبب عمله، كان قد حرم منها، وخصوصا الأهرام، والقاهرة الفاطمية، ومسجد سيدنا الحسين، ووسط القاهرة.
يلقي الفيلم بظلاله أيضا على العلاقات الاستراتيجية المصرية الروسية في هذه الفترة التاريخية العصيبة التي تلت هزيمة 1967، وكيف ساهم الجيش الروسي في إعادة تسليح الجيش المصري وتزويده بطائرات طراز ميج 23 (80 طائرة) على وجه التحديد وأسلحة الدفاع الجوي والتي تمكن من خلال من العبور لنصر أكتوبر كما يشير الفيلم لشهداء الجيش الروسي في حرب تحرير سيناء مع الجيش المصري. وهذا ما قلناه مرارا وتكرارا اننا انتصرنا في حرب أكتوبر 1973 على الكيان الصهيوني بفضل الدعم العسكري الروسي وتفوق السلاح الروسي.
وهذا ما أكده صديقه المقاتل الطيار المصري اللواء المتقاعد السيد/ أحمد كمال المنصوري، وربما قامت روسيا اليوم من خلال هذه اللفتة الجميلة بتكريم هذا الطيار والجيش المصري وهذا الجيل جيل أكتوبر جيل النصر على إسرائيل من خلال استضافته – والحمد لله سعدت بلقائه بعد عرض الفيلم.
ثم انتقل بطل الفيلم الى الاسكندرية والبيت الروسي على وجه التحديد وتابع إهتمام بعض الدارسين المصريين باللغة الروسية ووجود شخص آخر روسي يتعلم العربية.
ولكن بالرغم من مادة هذا الفيلم الجيدة كنت أتمنى أن يكون هناك ربط ورؤى من روس يعملون ويدرسون في مصر والعكس من مصريين يعملون ويدرسون في روسيا من الجيل الجديد – لأن ما لاحظته أثناء منحتي الدراسية بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو أن الجيل الجديد الروسي ما يعرفه عن مصر فقط هي المناطق السياحية كالغردقة وشرم الشيخ والأهرامات.
ولا يعلم الكثير عن نمط حياة الناس في مصر مستوى التعليم والثقافة والجوانب الاقتصادية والاجتماعية. وخصوصا من هم في سن دون الـ 30 عاما، عدا الدبلوماسيين والمهتمين والمختصين بشؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط.
والعكس الكثير من المصريين لا يعرفون الثقافة الروسية، وكيف يفكر الروس؟ وربما تحاول روسيا اليوم عرض ذلك في نشراتها ومواقعها، ولكن كان لا بد من مثلا تقسيم هذا العمل إلى نصفين (نصف لهذه الشخصية الجميلة تمثل الجيل الأكبر – ونصف يتحدث عن الوضع الحالي ما بين الشباب الروسي والمصري).
فشخصية مثل شخصية السيد/ اليكسي تيفانيان والذي عاش بمصر حوالي 14 عاما وخدم مع السفير وقتئذ بوغدانوف في القاهرة (المبعوث الحالي للرئيس الروسي للشرق الأوسط) ثم أصبح مديرا للبيت الروسي، وحاليا المستشار التجاري الروسي لدى مصر كانت شخصية أيضا يمكن أن تعبر عن الجيل الأوسط والشباب وكذلك أرتيوم كابشوك مقدم البرامج المعروف.
ربما التعرض لـ بعض طلاب الدراسات العليا في الجامعات الروسية من مصر على الجانب الآخر، أو الإعلاميين المصريين العاملين بروسيا. هذا كان سيعطي توازن في الرؤية ما بين الجيلين، ويعطي فهم أكثر. كيف يرى الروس مصر والعكس. ويمكن بعدها العمل على مشروعات تخدم نتائج هذا البحث.
لأني في وجهة نظري الفيلم التسجيلي أيضا هو عمل بحثي مرئي ودراسة حالة. وقد شرفت سابقا بتقديم الوثائقي الشهير “أهل سنة إيران – إنتاج 2014”. ومن خلاله قمت بمقابلة كافة أطياف أهل السنة داخل إيران (رجال دين وناس عاديين) – (رجال ونساء) – (كبار في السن – شباب) لأن هذا التنوع والتضاد يعطي مصداقية للعمل.
فعلى سبيل المثال كان نجوم السينما المصرية معروفين لدى الروس في الفترة الذهبية كما ذكر ممثل الخارجية المصرية، وبعض الأفلام المصرية فازت بجوائز مهرجان طشقند السينمائي والتي كانت مبنية على أعمال روائية روسية وخصوصا فيلم (الإخوة كارامازوف). لماذا اختلف الوضع حاليا، وأصبحت السينما المصرية غير معروفة في السوق الروسي بالرغم من وجود العديد من الأعمال والعكس؟
وكان من دواعي سروري الالتقاء بقنصل عام روسيا لدى الاسكندرية السيد/ كارين فاسيليان، والتحدث باستفاضة عن بعض الأمور المشتركة كوني مواطن سكندري واحب واحترم روسيا تلك الدولة التي منحتني درجة الماستر في الدراسات الروسية والاقتصاد السياسي، والذي اتمنى في المستقبل القريب ان نتعاون سويا بما يخدم مشروع الشراكة ما بين الإسكندرية وسان بطرسبورج.
وفي النهاية – أتوجه بالشكر لطاقم السفارة الروسية بمصر ولكل من اهتم ودعاني لحضور هذه الاحتفالية في دار الأوبرا بالقاهرة.