رأى

القيادة في المنطقة العربية

استمع الي المقالة

أحمد مصطفى يكتب

يتذكر الشعب المصري والعربي والجنوب اليوم الموافق ١٥ يناير ذكرى ميلاد زعيم الجنوب الراحل الباقي في ذكرانا (جمال عبد الناصر). ولماذا؟ لأنه كان فريدا من نوعه. حاول أن يمكن شعوب الجنوب، التي عانت من الظلم والاضطهاد، وخصوصا الشعوب العربية التي كانت بلدانها محتلة بريطانيا أو فرنسيا ويعوضهم عما فعله فيهم الاستعمار من اغتصاب لكافة الحقوق.

عبد الناصر اكتشف ذلك، بعد تجربته المريرة في (حرب فلسطين عام ١٩٤٨ ) في الوقت الذي لم يكن هناك للشعوب العربية مجتمعة جيش قوي نظامي قادر على حمايتها من الاحتلال الصهيوني. في حين وجد الجيش الصهيوني المحتل لأراضي العرب منذ ١٩٤٨ مدجج بالسلاح الأمريكي والبريطاني والفرنسي، ومدرب جيدا على النزاع. وكان هناك للاسف تواطؤ من الأنظمة العربية مبرر وقتها لأن كل الانظمة كانت رجعية ويتحكم فيها الاحتلال من لندن وباريس.

ومع ثورة يوليو ١٩٥٢ والتي تعد اليوم الوطني لمصر وحتى الآن – حاول الزعيم عبد الناصر محاصرة الاستعمار في الدول العربية وفي إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ووضع على رأسه قضية فلسطين كقضية القرن بالنسبة له – فدعم وساعد عبد الناصر كل الدول التي عانت من الاستعمار لكي تتحرر وتحتفظ بثرواتها لشعوبها – ولهذا استقر في وجدان المواطن المصري والعربي والجنوبي في العالم قيمة هذا الزعيم ومن رافقوه، أو من كانوا تلاميذه ومنهم (تشي جيفارا – فيدل كاسترو – بياتريس لومومبا – نكروما – وآخرين وحتى الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا).

ومع تكرار ما حدث في فلسطين في هذه الأيام مع نهاية ٢٠٢٣ وبداية ٢٠٢٤ – وكذلك مرور ١٠٠ يوم بالتمام من العدوان الصهيوني الغاشم على أهلنا في غزة، بفضل ما حدث من المقاومة الفلسطينية (حماس – القسام – الجهاد الإسلامي) في ٧ أكتوبر. وكذلك من ساندهم بعدها (حزب الله من لبنان – الحشد الشعبي في العراق – قوات انصار الله/ الحوثيون في اليمن) ودعم دولي من القوى الجديدة (إيران – روسيا – الصين – كوريا الشمالية) بشكل علني أو مستتر.

لا لشيء إلا لمحاولة تحرير الأراضي الفلسطينية من مستعمر ومستوطن أتي من دول شتى لا يمت للأرض بشيء لمعادلة العامل الديموغرافي الفلسطيني. ويريد كذلك أن يستولي على كافة الأراضي الفلسطينية بالقوة. وبالتحايل على القانون، وبالتواطؤ القضائي من قبل محاكمات اسرائيلية هزلية، تعطي كل الحق للاسرائيلي، بل وتجبر صاحب الحق الأصيل “الفلسطيني” على هدم بيته بيده. وكذلك إخلاء أرضه بالقوة. ومنها غزة، وذلك للاستيلاء على الغاز الفلسطيني المكتشف حديثا في شرق المتوسط ناحيتها، وتحويل غزة لمدينة ترفيهية للصهاينة، بحسب المصادر الاسرائيلية والغربية خصوصا البريطانية والامريكية.

وعلى مدار المائة يوم الفائتة والتي تدور من خلالها معارك ضارية ما بين أصحاب الأرض الحقيقيين الفلسطينيين، ومغتصبين محتلين بالأساس المستوطنين، نسوا وتناسوا (حل الدولتين) والمتفق عليه في أوسلو، ووادي عربة، وشرم الشيخ، لتصفية القضية الفلسطينية.

الشيء اللافت والرائع حتى بشهادة إعلام الأعداء أنفسهم (اسرائيل – امريكا – بريطانيا) ان المحتل فشل في تحقيق أي هدف من أهدافه بالرغم من كل الدعم الغربي. وكثير من الدعم من بعض الدول المحسوبة علينا عربيا. حتى لو لم يكن بالفعل بل بإعلام يمكن أن يصيب المشاهد العربي الغير واع بالإحباط لتهويل الدور والقوة الخاصة بالكيان وحلفاءه الفشلة.

وبالرغم من الضعف المالي واللوجيستي الذي أصاب الغرب منذ فضيحة ٢٠٠٨ المالية العالمية وظهور القوى الجديدة لا زال بعض من أنظمتنا العربية والإسلامية تراهن على الفرس الخاسر أمريكا والغرب، بل ويدعون ان القوى الجديدة روسيا والصين بعيدتان عن المشهد العربي.

نفس النقطة التي أجبت عليها من خلال البرامج المصرية الشهيرة على التلفزيون الرسمي المصري منذ شهر ونصف ومع مديرة اللقاء د/ حياة عبدون – عندما سألتني عن نفس السؤال: أين الصين وروسيا من الصورة والمشهد في غزة؟

وقد قلت لها ليس معنى انهما غير موجودتان في الصورة انهما لا تدعمان القضية الفلسطينية، وقد تدعمان من خلال ممثل قانوني لهما كـ “إيران” على سبيل المثال، والتي تم ضمها لتحالف بريكس بلس في هذا الشهر، وكذلك أصبحت عضو عامل في منظمة شنغهاي للتعاون منذ صيف ٢٠٢٢.

وكذلك مع شرحي لدور جماعة أنصار الله في اليمن من القضية الفلسطينية وتحكمها في أهم ممرات التجارة العالمية مضيق باب المندب. وأنها وحدها لا يمكنها القيام بكل ما تقوم به من مطاردة أي سفن تذهب إلى موانئ الكيان الصهيوني من خلال البحر الأحمر دون التنسيق المسبق مع الدول الثلاث سالفة الذكر.

وذكرت أن هناك حربا بين مبادرتين عالميتين للتجارة، (مبادرة الطريق والحزام) الصينية والواقعية، والتي تضم دولا كـ مصر وإيران وباكستان وغيرها من الدول المهمة. ومبادرة حاولت أمريكا التفكير فيها وهي (مبادرة الهندي الهادي) والتي تضم الهند واليابان واستراليا، وهي غير واقعية، ولن تفلح لأنها ليس لها أساس واقعي في الوقت الحالي وفي المستقبل.

فخلاصة الأمر، أن الحرب الدائرة ستغير خريطة العالم الاستراتيجية، حيث ستسقط الإمبراطورية الأمريكية والانجلوسكسونية، اما مفهوم القيادة والذي تكون لدى الشعوب العربية. فسيكون هناك تمايز ما بين من دافع عن القضية واقعيا، واغاث الشعب الفلسطيني. دون معادلات فاشلة فيها تناحر بين فصائل (فتح وحماس)، أو مذاهب (سنة وشيعة) فكانت من مزايا هذه الحرب إنتهاء هذه النبرة العشائرية والمذهبية بين غالبية الشعوب العربية والاسلامية.

وستصبح الأرض والقيادة لمن يدافع عنها ودفع عنها ضريبة الدم، ومن ساهم في الدفاع ودعم أهلنا في غزة بالفعل وبالدم، وكان على العرب دراسة نموذج حزب الله في لبنان بشكل مجرد، وعدم النظر له طوال الوقت على أنه آداة لإيران، وكيف استطاع تحرير أرضه والانتصار على الكيان الصهيوني في ٢٠٠٦ بموجب تقرير فينوجراد.

بعد ذلك فرض معادلة جديدة في ٢٠٢٤ على الكيان الصهيوني، عندما فتح جبهته من الجنوب اللبناني على شمال فلسطين المحتلة، وكيف أنجز تهجير مستوطني الشمال وشل حركة العدو وضرب كل وحداته الاستطلاعية على مدار ١٠٠ يوم؟ الأمر الذي جعل السيد/ حسن نصر الله يتحدث أمس بكل ثقة مناطحا الأمريكان والفرنسيين عن معادلة جديدة واقعية، إما إيقاف الحرب على غزة أو الاستمرار وهزيمة كبرى ستلحق بإسرائيل لا محالة.

كذلك الأمر مع جماعة أنصار الله في اليمن على وجه التحديد، والتي أظهرت قوة وبسالة وجرأة وإيمان في إعاقتها الملاحة البحرية للسفن الإسرائيلية أو المتجهة الى الموانئ هناك. فكيف استطاعت بعد ثمان سنوات من التعرض لعاصفة الحزم أن تصبح أقوى عشرات المرات عن المرة الأولى؟ وهل بالفعل اليمن بلد سهل على الأمريكان، كما اعتقد بعض الجنرالات العرب المتأمركين؟ أم أن الحوثي أيضا تعلم من حزب الله حرب الأنفاق والاستعداد للمواجهات الكبرى، ولديه مخزون كبير من السلاح؟

للاسف لو كنا في دول عربية تتسم بالرشد وعدم التبعية، لكنا نفتخر بـ “حماس والقسام في غزة وحزب الله وأنصار الله” لما لها من بأس شديد، يمكن أن يكون سلاح على رقاب الأعداء والوقوف لهم بالمرصاد. ولكن لا زالت مصالح البعض الشخصية داخل الانظمة العربية، تحاول إتهام هذه القوى بالعمالة، مع الاسف، لكي تواري سوءاتها بالتخلي بالدفاع عن إخواننا في الدين والجوار والإنسانية، أقصد داخل (فلسطين المحتلة).

وأقرب دليل على ذلك – فبالرغم من فطاحل رجال القانون والقضاء والحقوقيين في العالم العربي والإسلامي وخصوصا في مصر، نجد أن أبناء وأحفاد مانديلا (تلميذ الزعيم عبد الناصر) في دولة جنوب إفريقيا العزيزة – هم من قاموا برفع الدعوى الجنائية على الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية بـ لاهاي في هولندا، والتي تدور جلساتها هذه الأيام وبنجاح كبير.

حيث شبه البعض هذه الواقعة بما حدث لأتباع رسولنا سيدنا محمد (ص) في بداية دعوته، وحين اشتد الإيذاء من الأهل والجيران في مكة، طلب منهم الذهاب إلى الحبشة لأن لديها ملك مسيحي عادل (النجاشي)، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

والسؤال هنا: هل زالت الأنظمة العربية تتحلى بالريادة أم أنها ضيعت الفرصة الذهبية في الدفاع عن فلسطين، وهل فكرت الأنظمة العربية في اليوم التالي من انتصار المقاومة، على عكس ما توقعوا، بعد مرور ١٠٠ يوما من الخيبة لحقت بجيش الاحتلال؟

وهنا، لا زلت أكرر أننا في حاجة الى زعيم كـ عبد الناصر مرة أخرى لديه القدرة للعبور بالعرب والمسلمين الى المستقبل بآليات العصر الحالي. ويكون للعرب دورا في صناعة النظام العالمي الجديد مع القوى الجديدة. مع ضرورة فتح باب التعاون والشراكة أكبر مع هذه القوى الجديدة من الجنوب والشرق، التي تشبهنا. وأن يكون لدينا قدر من الثقة المتبادلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى