رأى

محكمة كرتونية بلا إلزام ولا فاعلية!

استمع الي المقالة

بقلم: د. غلاب الحطاب

الخبير القانونى 

  سادت عالميا ثقافة الإفلات من العقوبة , وخاصة رعايا الدول الكبرى إذا ما ارتكب احدهم او جماعة منهم جرائم ضد الإنسانية بمفهومها الوارد بالقانون الدولي العام والقانون الدولي الانسانى، فمن هذا المنطق تشكلت فكرة إنشاء محكمة دولية قادرة على محاكمة الجناة عندما تعجز المحاكم الوطنية – لتلك الدول – القيام بدورها القضائي ضد هؤلاء المجرمين فكانت المحكمة الجنائية الدولية التى انشأت عام 2002 كأول هيئه قضائية دولية تحظى برعاية عالمية قادرة على محاكمة الجناه المتهمين بجرائم الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب.

وقد انضم حتى ألان عددا كبيرا من الدول الداعمة للسلام والأمن الدوليين إلا انه مازالت اسرائيل وامريكا ترفضان الإنضمام إلى المعاهدة ألتأسيسة للمحكمة ” نظام روما الاساسى “.

بل أصبحت السياسة الأمريكية العقبة الكؤود لعرقلة كل قرارات المحكمة الدولية وتقويض دورها الذى انشأت من أجله.

وعلى سبيل المثال حينما حاولت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السيدة / فاتو بنسودة , بتاريخ 3 مارس 2021 , التاكيد على ضرورة فتح تحقيق فى الوضع الفلسطينى عارضت أمريكا بشدة هذا القرار , الأمر الذى وصل الى حد قيام دونالد ترامب بإصدار امرا تنفيذيا بتجميد أصول المحكمة وفرض عقوبات على المدعية العامة للمحكمة ومسئول كبير اخر ومنع دخولهما الى الولايات المتحدة ونازعت أمريكا فى إختصاص المحكمة الجنائية الدولية على زعم أن إسرائيل ليست عضوا من أعضاء المحكمة وأن الفلسطينين غير مؤهلين كدولة ذات سيادة وبالتالى غير مؤهلين للحصول على العضوية كدولة فى المحكمة الجنائية الدولية او المشاركة فيها أو تفويض الولاية القضائية إليها , ورغم قيام الرئيس بايدن بإلغاء هذا الأمر التنفيذى لما له من آثار سلبية وسيئة وتهديدا غير مسبوق لسيادة القوانين الدولية , الا انه حتى مع الغاء هذا الأمر أكدت إدارة بايدن إنها لا تزال تعارض إجراءات المحكمة الجنائية الدولية فى الوضعين الافغانى والفلسطينى وهكذا تعرقل الولايات المتحدة الأمريكية وتقوض كل جهود المحكمة الدولية فى معاقبة مجرمى الحرب وخاصة المسؤولين الإسرائيلين بل ومنع حتى مجرد إجراء تحقيق حول ما يحدث من مجازر على الأراضى الفلسطينية وفى – بجاحة – منقطعة النظير أعلن المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية ” ماتيو ميلر” أول أمس الأربعاء أن الولايات المتحدة لا ترى أى اعمال فى غزة تشكل إبادة جماعية.

وذلك على أثر قيام جنوب افريقيا بإتخاذ إجراءات قضائية ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية متعلقة بالإبادة بسبب حربها على القطاع الفلسطينى.

 كل ما يحدث الآن على الأراضى الفلسطينية من إبادة ومجازر وتهجير وهدم البيوت على رؤوس الاطفال والنساء والشيوخ والتجويع والتشريد لا يرقى فى نظر أمريكا إلى تشكيل جرائم حرب , وجرائم ضد الإنسانية او جرائم إبادة جماعية , وعلى الرغم من قضاء المحكمة الجنائية الدولية بأن الاراضى الفلسطينية تقع ضمن إختصاصها القضائى وبحسب قرار المحكمة فان إختصاصها يشمل , الأراضى التى احتلتها إسرائيل منذ عام 1967 , أى غزة والضفه الغربية بما فى ذلك القدس الشرقية , ورغم أن ذلك القرار محورى هام يوجه من خلاله – مرتكبى الجرائم والإنتهاكات الجسيمة من الإسرائيلين – العدالة , إلا أن أمريكا أعلنت الحرب على المحكمة الجنائية الدولية وعلى المدعية العامة للمحكمة بعدما دعت الاخيرة عام 2019 الى إجراء تحقيق كامل بعد تحقيق أولى بدأته المحكمة عام 2014.

  وعلى الرغم من تلقى كريم خان المدعى العام الحالى للمحكمة طلبا مشتركا من خمس دول للتحقيق فى الوضع بالأراضى الفلسطنية.

إلا أن الأمر مازال معقدا . وخاصة وان هناك تحقيق مازال جاريا منذ 2014 حتى الآن وان الطلب الذى قدم سيظل له تأثير محدد , رغم ان مكتب المدعى العام للمحكمة لديه الكثير من المعلومات التى تقطع بارتكاب المسئولين الإسرائيلين لجرائم حرب وجرائم إباده جماعية إلا انه ستظل أمريكا هى حائط الصد و العقبة الكؤود تحول دون إتخاذ ثمة إجراءات عقابية تدين المسئولين الأسرائيلين عما ارتكبوه فى الأراضى الفلسطنية من جرائم.

 مما يجعل مصداقية المحكمة الجنائية الدولية على المحك.

وان “ميثاق روما الأساسى” حبرا على ورق وان إرادة أكثر من مائه دوله هم الموقعين على الميثاق فى مهب الريح ويجعل كيان المحكمة الجنائية ذاتها كيان كرتونى بلا إلزام او فاعلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى