أحمد مصطفى
مدير مركز آسيا للدراسات والترجمة
مقدمة
تؤكد زيارة بوتين إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اليوم الأربعاء الموافق 6 ديسمير 2023 إهتمام روسيا المتزايد ونفوذها في الشرق الأوسط. يمكننا تحليل الأهداف الرئيسية وراء زيارة بوتين. الهدف الأول هو تعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيع الوجود الروسي في المنطقة. تعد كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لاعبين رئيسيين في سوق النفط العالمية، ويهدف بوتين إلى تعميق التعاون في مجال الطاقة واستكشاف فرص الاستثمار. ثانياً، يسعى بوتين إلى اكتساب النفوذ السياسي وتحدي الوجود الغربي المهيمن في الشرق الأوسط. ومن خلال تشكيل تحالفات استراتيجية مع القوى الإقليمية الرئيسية، يهدف بوتين إلى إعادة تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية، وخاصة في سياق الصراعات المستمرة مثل فلسطين، ويحاول جاهدا وقف إطلاق النار ومنح الفلسطينيين دولتهم، وكذلك سوريا واليمن. أخيرًا، تعد زيارة بوتين أيضًا بمثابة منصة لعرض القوة العسكرية الروسية، وخاصة أسلحتها المتقدمة وأنظمتها الدفاعية، والتي يمكن أن تجتذب المشترين من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
تعزبز دور روسيا في تجارة الطاقة عالميا مع شريكتيها السعودية والإمارات
تعد زيارة بوتين إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مدفوعة بأجندة اقتصادية. يمتلك كلا البلدين احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، وتسعى روسيا، باعتبارها منتجًا رئيسيًا للطاقة، إلى توسيع نطاق وجودها في المنطقة. وترتبط السعودية، باعتبارها أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم، بعلاقة راسخة مع روسيا من خلال تعاونهما في إدارة أسعار النفط العالمية. ويهدف بوتين إلى تعميق هذا التعاون واستكشاف المشاريع المشتركة في مجالات مثل التنقيب عن النفط وإنتاجه وتكريره. وبالمثل، تعمل الإمارات العربية المتحدة بنشاط على تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، ويسعى بوتين للاستفادة من ذلك من خلال تشجيع الاستثمارات الروسية في قطاعات مثل العقارات والبنية التحتية والتكنولوجيا والدفاع. ومن خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية، يهدف بوتين إلى ترسيخ دور روسيا كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط.
مصالح سياسية روسية كبيرة في المنطقة على حساب الغرب
بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية، فإن زيارة بوتين إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لها آثار سياسية كبيرة. لقد تأثرت المنطقة تقليدياً بالقوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. ويهدف بوتين إلى تحدي هذه الهيمنة من خلال تشكيل تحالفات استراتيجية مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين. ومن خلال التحالف مع أمثال المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تهدف روسيا إلى وضع نفسها كوسيط دبلوماسي وعسكري في الصراعات الإقليمية. وفي سوريا، على سبيل المثال، كانت روسيا الداعم الرئيسي للنظام السوري، إذ تدعم الرئيس بشار الأسد. ومن خلال إقامة علاقات أوثق مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يأمل بوتين في اكتساب المزيد من النفوذ في حل الصراع السوري بشروطه، مما يؤدي إلى تهميش التدخل الغربي. وبالمثل، في اليمن، تهدف روسيا إلى تقديم رواية بديلة للتحالف الذي تقوده السعودية، مما قد يفتح الأبواب أمام المفاوضات الدبلوماسية.
انتصار ضمني على الناتو يعزز دور روسيا في منطقتنا
أدى الصراع بين أوكرانيا وروسيا إلى انتصار فلاديمير بوتين ضمنياً، حيث فشل الناتو في مواجهة عمليات الضم التي قام بها بوتين. لقد حاصر الوجود القوي والمؤثر للجيش الروسي القوات الأوكرانية، ولم يترك مجالًا للهروب. وتمكن بوتن من صد القوات الأوكرانية بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى عجز حلف شمال الأطلسي عن وقف تقدم بوتن. وضغط رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون على أوكرانيا لعدم قبول مفاوضات السلام في بداية العملية الروسية الخاصة، حيث اعتقد جونسون خطأً أن الناتو قادر على هزيمة بوتين وهزيمة الجيش الروسي، مما يؤدي إلى انتصار بوتين في الصراع. وذكرت صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية أن خبراء بريطانيين يقومون الآن بإقناع أوكرانيا بالتفاوض مع روسيا. ومن الناحية الفنية، فإن هذا الانتصار يمنح روسيا وبوتين الثقل والقوة في إجراء أي محادثات مع أي دولة في العالم.
النجاح في سوريا واوكرانيا يعزز بيع السلاح الروسي للسعودية والإمارات
تخدم زيارة بوتن أيضاً كمنصة لعرض براعة روسيا العسكرية. وقد أظهرت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، باعتبارهما منفقتين عسكريتين في المنطقة، رغبة في تنويع مشترياتهما الدفاعية بما يتجاوز الموردين الغربيين التقليديين. وترى روسيا، المعروفة بأسلحتها وأنظمتها الدفاعية المتقدمة، في ذلك فرصة لجذب المشترين من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومن خلال تسليط الضوء على عمليات النشر الناجحة للمعدات الروسية الصنع في صراعات مثل سوريا، يهدف بوتين إلى تقديم روسيا كشريك موثوق وقادر في قطاع الدفاع. ولا يؤدي هذا إلى تعزيز الآفاق الاقتصادية للصناعات الدفاعية الروسية فحسب، بل يعزز أيضًا نفوذ روسيا الجيوسياسي الشامل ونفوذها في المنطقة.
عضوية السعودية والإمارات في تحالف بريكس بلس
يناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عضويتهم المحتملة في كتلة البريكس، وهو تطور مهم في المشهد الجيوسياسي العالمي. إن إدراج هذه الدول لن يؤدي فقط إلى توسيع النفوذ الجيوسياسي للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بل سيعزز أيضًا علاقاتهما الاقتصادية مع الاقتصادات الناشئة. ومن شأن هذه الخطوة أن تساعد أيضًا في معالجة الهيمنة الغربية المزعومة في المنظمات الدولية ومنح البريكس المزيد من النفوذ في المفاوضات المتعلقة بالقضايا العالمية الرئيسية.
بالنسبة لبوتين، فإن المناقشات حول عضوية مجموعة البريكس تسلط الضوء على رؤيته الاستراتيجية لتوسيع نفوذ روسيا وتعزيز قوتها العالمية. ومن خلال الإعراب عن اهتمامه بالانضمام إلى مجموعة البريكس، يدرك بوتين الفرصة لتوسيع نطاق المنظمة وزراعة مجال أكبر من النفوذ. إن هذا التحول نحو الحلفاء الإقليميين الراسخين في الشرق الأوسط يخدم المصالح الجيوسياسية لروسيا من خلال وضع نفسها كشريك موثوق به للدول الرئيسية التي تتمتع بقوة اقتصادية وعسكرية كبيرة. وتساعد مثل هذه الشراكات في التعويض عن العزلة الناجمة عن العقوبات الغربية والتأكيد على قدرة روسيا على تشكيل تحالفات بديلة تتحدى توازن القوى العالمي الحالي.
روسيا تسعى للتخلص من الدولرة مع حلفائها في المنطقة
يدعو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إلغاء الدولرة في اقتصادات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهي خطوة تهدف إلى تحدي هيمنة الدولار الأمريكي وإضعاف مكانته باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم. وقد تكون هذه الخطوة مدفوعة برغبة بوتين في كسر الهيمنة الأمريكية وسيطرتها على الأنظمة المالية العالمية. إن هيمنة الدولار الأميركي تزود الولايات المتحدة بميزة لا مثيل لها في تحديد الأجندات الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم. ومن خلال الدعوة إلى إلغاء الدولار في الدول الكبرى المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يهدف بوتين إلى تآكل نفوذ الدولار، واكتساب النفوذ، وإعادة تشكيل المشهد النقدي الدولي. ومن الممكن أيضاً أن ننظر إلى حملة إزالة الدولار باعتبارها مناورة استراتيجية للحد من تعرض روسيا لتقلبات أسعار النفط، حيث يلعب الدولار دوراً حاسماً في تحديد أسعار النفط العالمية.
محاولة جادة لإيجاد حل للصراع في غزة
ويجري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مناقشات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لحل الصراع المستمر في غزة وإقامة هدنة. هدف بوتين هو تعزيز قوة روسيا العالمية وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. ومن خلال إشراك هذه البلدان في المناقشات، يُظهِر بوتين فهمه لدورها المركزي في الجغرافيا السياسية للمنطقة وأهمية دعمها لمبادرات السلام. إن التعقيدات المحيطة بالصراع في غزة، والتي تتميز بعوامل تاريخية ودينية وإقليمية، تجعل من هذا الصراع قضية صعبة الحل. ويتجلى ذكاء بوتين وفهمه للموقف في جهوده الرامية إلى إشراك الجهات الفاعلة الإقليمية المؤثرة القادرة على المساهمة في التوصل إلى حل يشمل تطلعات الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء.
تثير الدعوة الموجهة لوفد من حماس لزيارة موسكو تساؤلات حول الاستراتيجية الجيوسياسية الروسية والديناميات المعقدة في الشرق الأوسط. إن فهم هذه الدعوة يتطلب فهماً دقيقاً لاستراتيجية روسيا الجيوسياسية وديناميكيات الشرق الأوسط. وقد يكون الدافع وراء ذلك هو تعزيز نفوذ موسكو، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، والفوائد الدبلوماسية المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، تثير الدعوة مخاوف بشأن موقف روسيا بشأن مكافحة الإرهاب وتداعياته على علاقاتها مع الحلفاء الغربيين الرئيسيين.
وفي الختام، وتهدف زيارة بوتين إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط واستعراض القدرات العسكرية الروسية. ويخطط لتعميق الوجود الروسي في المنطقة من خلال التعامل مع اللاعبين الرئيسيين في سوق النفط، وتشكيل تحالفات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتحدي الهيمنة الغربية، وعرض أنظمة الأسلحة المتقدمة. تعكس المناقشات بين بوتين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشأن عضويتها المحتملة في مجموعة البريكس تطوراً كبيراً في المشهد السياسي الدولي. إن إدراج دول الشرق الأوسط هذه من شأنه أن يعزز البراعة الاقتصادية والجيوسياسية لمجموعة البريكس ويمنح روسيا فرصة لتعزيز مكانتها الدولية. يعكس سعي بوتين لنزع الدولرة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة رؤيته الاستراتيجية وسعيه لتحدي الهيمنة الأمريكية. إن مشاركته مع ممثلي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمناقشة الهدنة في غزة وإقامة دولة فلسطينية تسلط الضوء على ذكائه وفهمه كقائد عالمي محنك.