سلايدرسياسة

لماذا لدى إسرائيل هذا العدد الكبير من الفلسطينيين المحتجزين والمتاحين للتبادل؟

استمع الي المقالة
HRW_شهد الأسبوع الماضي، حتى 28 نوفمبر/تشرين الثاني، إطلاق سراح 69 مدنيا كانوا محتجزين كرهائن في غزة مقابل 180 سجينا فلسطينيا، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد بين السلطات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة.

بينما أشاد الكثيرون عن وجه حق بإطلاق سراح المدنيين الذين احتجزتهم حماس بعد مقتل مئات الإسرائيليين وغيرهم من المدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول – يُعتبر أخذ الرهائن جريمة حرب – كان الاهتمام أقل بالسبب المحدد لوجود هذا العدد الكبير من الفلسطينيين محتجزين لدى إسرائيل ومتاحين للتبادل. وكان الاهتمام أقل أيضا حول كيفية وصولهم إلى هناك.

وفقا للمنظمة الحقوقية الإسرائيلية “هموكيد”، حتى 1 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت السلطات الإسرائيلية تحتجز حوالي 7 آلاف فلسطيني من الأراضي المحتلة بسبب جرائم أمنية مزعومة. منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، اعتُقل فلسطينيون أكثر بكثير ممن أُطلق سراحهم في الأسبوع الماضي. من بين المحتجزين عشرات النساء والأطفال.

الأغلبية ليسوا مُدانين بأي جريمة، بمن فيهم أكثر من ألفي معتقل رهن الاحتجاز الإداري، حيث يحتجز الجيش الإسرائيلي الفرد دون تهمة أو محاكمة. يمكن تجديد هذا الاحتجاز إلى أجل غير مسمى استنادا إلى معلومات سرية لا يُسمح للمحتجز بمعرفتها. يُعتقل المحتجزون الإداريون على أساس افتراض أنهم قد يرتكبون جريمة في المستقبل. تحتجز السلطات الإسرائيلية الأطفال، والمدافعين الحقوقيين والنشطاء السياسيين الفلسطينيين، وغيرهم، رهن الاحتجاز الإداري، غالبا لفترات مطولة.

نتج العدد الكبير من المحتجزين الفلسطينيين في المقام الأول عن أنظمة العدالة الجنائية المنفصلة التي تطبقها السلطات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. يخضع حوالي 3 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، باستثناء القدس الشرقية، للقانون العسكري ويُحاكمون في محاكم عسكرية. في المقابل، يخضع حوالي نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية للقانون المدني والجنائي ويحاكمون في محاكم مدنية إسرائيلية. ينتشر التمييز في كافة جوانب هذا النظام.

بموجب القانون العسكري، يمكن احتجاز الفلسطينيين حتى ثمانية أيام قبل عرضهم على قاض، وعندئذ فقط قاض عسكري. مع ذلك، وبموجب القانون الإسرائيلي، يجب عرض الشخص على قاض خلال 24 ساعة من اعتقاله، ويمكن تمديدها إلى 96 ساعة عندما يُسمح بذلك في حالات استثنائية.

يمكن سجن الفلسطينيين لمشاركتهم في تجمعات تضم 10 أشخاص فقط بشأن موضوع “يُمكن تفسيره كسياسي” دون ترخيص، بينما يمكن للمستوطنين التظاهر دون ترخيص في تجمعات ما لم يتجاوز عددهم 50 شخصا، وتجري في مكان مفتوح وفيها “خطب وبيانات سياسية”.

باختصار، يعيش الفلسطينيون والمستوطنون الإسرائيليون في نفس المنطقة، لكنهم يُحاكمون في محاكم مختلفة بموجب قوانين مختلفة مع حقوق مختلفة في الإجراءات القانونية الواجبة، ويواجهون أحكاما مختلفة على نفس الجريمة. النتيجة هي وجود عدد كبير ومتزايد من الفلسطينيين المسجونين دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.

يسود التمييز أيضا على معاملة الأطفال. يحمي القانون المدني الإسرائيلي الأطفال من الاعتقالات الليلية، ويمنحهم حقّ حضور أحد الوالدين أثناء الاستجوابات، ويحصر المدة التي قد يُحتجز فيها الطفل قبل تمكنه من التواصل مع محام وعرضه على قاض.

مع ذلك، تعتقل السلطات الإسرائيلية بانتظام الأطفال الفلسطينيين في مداهمات ليلية، وتحقق معهم دون حضور وليّ الأمر، وتحتجزهم لفترات مطولة قبل عرضهم على قاض، وتحتجز أطفالا لم يتجاوزوا 12 عاما على ذمة المحاكمة لفترات مطولة. في 2017، وجدت “جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل” أن السلطات أبقت 72% من الأطفال الفلسطينيين من الضفة الغربية رهن الاحتجاز حتى انتهاء الإجراءات، بينما لم تتجاوز النسبة 17.9% لدى الأطفال في إسرائيل.

بينما يسمح قانون الاحتلال بالاعتقال الإداري كإجراء مؤقت واستثنائي، فإن استخدام إسرائيل الكاسح للاحتجاز الإداري ضد السكان الفلسطينيين، بعد أكثر من نصف قرن من احتلال دون نهاية قريبة في الأفق، يتجاوز بكثير ما يسمح به القانون.

حتى المدانون بجريمة يُحرمون بانتظام من حق الإجراءات القانونية الواجبة في المحاكم العسكرية. قبِل العديد من المدانين الذين يقضون عقوبات بتهمة “جرائم أمنية” (2,331 شخصا حتى 1 نوفمبر/تشرين الثاني) صفقات الاعتراف مقابل تخفيف العقوبة لتجنّب الحبس الاحتياطي المطول والمحاكمات العسكرية الصورية، التي يبلغ معدل الإدانة فيها حوالي 100٪ ضد الفلسطينيين.

بالإضافة إلى غياب الإجراءات القانونية الواجبة، أساءت السلطات الإسرائيلية على مدى عقود معاملة المحتجزين الفلسطينيين وعذبتهم. قُدمت أكثر من 1,400 شكوى تعذيب، منها التكبيل المؤلم والحرمان من النوم والتعرض لدرجات حرارة شديدة، على يد “جهاز الأمن العام الإسرائيلي” المعروف بالـ “شين بيت”، إلى وزارة العدل الإسرائيلية منذ 2001.

وفقا لـ “اللجنة العامة لمناهضة التعذيب”، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية، أدّت هذه الشكاوى إلى ثلاثة تحقيقات جنائية وعدم توجيه لوائح اتهام. أفادت منظمة “شاهد” التي تراقب المحاكمات العسكرية أنه في 22 حالة احتجاز لأطفال فلسطينيين وثّقتها في 2023، قال 64٪ إنهم تعرضوا للاعتداء الجسدي، بينما تعرض 73٪ منهم للتفتيش عراة على يد القوات الإسرائيلية أثناء احتجازهم.

أفادت جماعات حقوقية فلسطينية عن ارتفاع حاد في الاعتقالات وتدهور في أوضاع السجناء الفلسطينيين قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، منها المداهمات العنيفة، والنقل الانتقامي بين السجون وعزل السجناء، وقلة الوصول إلى المياه الجارية والخبز، وزيارات عائلية أقل. ازدادت الأمور سوءا منذ ذلك الحين.

ليس التمييز في الاحتجاز والسجن سوى جانب واحد من القمع المنهجي، الذي ترتكز عليه جرائم السلطات الإسرائيلية ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين، كما وجدت “هيومن رايتس ووتش” وغيرها من المنظمات الحقوقية الإسرائيلية، والفلسطينية، والدولي.

ينبغي للسلطات الإسرائيلية إنهاء ممارسات الاحتجاز التمييزية والمسيئة التي تتبعها، سواء استمرت عمليات التبادل أم لا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى