نوران عزالدين
أن الحرب الجديدة بين حماس وإسرائيل قد اعادت القضية الفلسطينية ومحاولات تسوية الصراع الذي دامت 75 عاماً إلى مقدمة الأولويات، حيث أن التوسع الاستيطاني قد جعل فكرة حل الدولتين غير فاعلة وغير عادلة، وبات من الصعب إقامة دولة مستقلة لغياب التواصل الإقليمي اللازم.
ففي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هناك هدفين متناقضين: الإسرائيليون الذي يريدون الأمن والاستقرار والفلسطينيون الذي يتطلعون لتحرير ارضهم وتحقيق سيادتهم، وفي المقابل، كافة المبادرات التي تمثل جزءاً من عملية السلام قد انحرفت عن مسارها لعدم قناعة المجتمع الدولي بها.
أن المفاوضات التي بدأت في أعقاب مؤتمر مدريد وتجسدت بشكل أكثر وضوحاً في أوسلو، قد أفضت إلى الاعتراف بدولة إسرائيل ورفض الكفاح المسلح، وبذلك خسرت منظمة التحرير الفلسطينية اوراقها أمام المحتل.
أن السلطة الفلسطينية أحد نتاج “اتفاقية أوسلو” والمفترض أن تكون أساس الدولة الفلسطينية تم اختزالها في إدارة شؤون البلديات، وأصبحت الجهة المحلية المسؤولة عن ملاحقة إعداء إسرائيل وتأمين الضفة الغربية، هكذا امسكت حماس بالقضية المركزية للتحرير الوطني بموافقة الإسرائيليين الذين وجدوا في ذلك وسيلة لإضعاف “فتح” وإثارة الانقسام الداخلي.
دعمت كافة الحكومات الإسرائيلية التوسع الاستيطاني الهائل في الضفة الغربية حول القدس وغزة.
منذ ذلك الحين، ترسخت جغرافيا جديدة على الأراضي الفلسطينية وتغيرت التركيبة السكانية لها احياناً باسم الأسس الدينية واحياناً تحت ذريعة الضرورات الأمنية.
لم يكن لدى بنيامين نتنياهو منذ وصوله لسلطة قناعة بفكرة إقامة دولتين، مؤكداً على أن الدولة الفلسطينية التي تقع على بعد 15 كيلومتر من تل ابيب تشكل تهديداً وجودياً للدولة اليهودية، وترى أغلبية الأحزاب السياسية الإسرائيلية أن الرجوع عن سياسة الاستيطان سيكون تنازل كبير لصالح الفلسطينيين، وقد دفع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ثمن ذلك، الذي تجاهله نتنياهو وحكومته لمجرد دعوته لتجميد الاستيطان.
أن الامتداد الاستيطاني قد جعل الآن من المستحيل بناء دولة قابلة للحياة بسبب غياب التواصل الجغرافي اللازم، والأسوأ من ذلك عدم وجود إرادة وقوة سياسية قادرة على فرض هذا الخيار.
قد وضعت القوة الكبرى مسار لحل الأزمة ولكن دون تحديد جدول زمني للتطبيق وإيجاد السبل الكفيلة بتحقيق السلام.
وفي السياق الراهن، قد تراجع هذا الخيار لعدم استعداد إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية واجلاء البؤر الاستيطانية، وعدم قبول فكرة تبادل الأراضي، باختصار فإنها لا تريد أن يكون هناك دولة فلسطينية
أن مسألة انهاء الاحتلال وإزالة المستوطنات تتطلب تغير عميق في العقيدة والوعي والهوية الإسرائيلية، فأن فكرة حل الدولتين تخضع لمغزى اقتصادي لا هوادة فيه. فلا يمكن للدولة الفلسطينية الجديدة البقاء منفصلة عن إسرائيل، وبذلك أصبح حل الدولتين غير صالح ومجحف.
فمن غير الواقعي البحث عن بدائل للسلام طالما أن الولايات المتحدة لا تتحمل مسؤوليتها تجاه حل الدولتين أو أنشاء دولة ثنائية القومية.
أن النشاط الاستيطاني الحالي يضعف احتمالية وجود دولتين، وفي المقابل تنمو فكرة إقامة دولة ذات قومية ثنائية.
لم يعد حل الدولتين قابل للتطبيق بالنظر إلى الحقائق على أرض الواقع:
لقد زاد الاستيطان بشكل ملحوظ منذ عملية أوسلو واتسعت أفاقه، حيث يوجد 700,000 مستوطنة في الأراضي المحتلة، حيث لا يقتصر فقط على المستوطنات السكانية بل المستوطنات الزراعية والصناعية.
هناك أيضاً ظاهرة يمكن وصفها بالحصار الجديد تضاف لنقاط التفتيش الثابتة والمتنقلة، وإلى حواجز الطريق الأخرى، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نشوء الكثير من المناطق الصغيرة في الضفة الغربية، فمعظم القرى الفلسطينية محاطة بالمستوطنات، فضلاً عن الجزء الشرقي من القدس.
علاوة على ذلك، الانتهاكات والاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون ضد الشعب، والثقافات والمباني، ويشهد على ذلك “مذبحة حوارة” والهجوم الهائل على مدينة تورموسايا في يونيو الماضي، بالإضافة إلى ذلك قامت الحكومة بزيادة تسليح المستوطنين من خلال توزيع الأسلحة الهجومية عليهم، وقد أفصحت الحكومة الإسرائيلية بوضوح عن نيتها في ضم الضفة الغربية بعد القدس الشرقية.
أظهرت الاستطلاعات الأخيرة التي اجراها الفلسطينيين حول موضوع حل الدولتين، تنامي فكرة الدولة الواحدة (لدى 30% من الأشخاص الذي شملهم الاستطلاع)، لاقتناعهم بعدم إمكانية تحقيق ذلك في ظل الظروف الراهنة.
في واقع الأمر، نحن نجد أنفسنا في دولة واحدة تتحكم في الحدود البحرية مع الأردن ونظام يمكن وصفه بالفصل العنصري، وهو الأمر الذي يشكك في فكرة قيام دولة إسرائيلية تكون ديمقراطية، فالمجتمع الفلسطيني لم يعد ينظر للوضع كونه صراع تقليدي بل استعمار استيطاني بدء بعد 1948 واستمر مع نزع الملكية التي كان ضحيتها البدو والقرى غير المعترف بها.
يندرج ذلك الوضع ضمن مفهوم العيش في “نكبة مستمرة”، وهو الأمر الذي يظهر جلياً في التهجير الهائل لسكان غزة تحت تهديد الجيش الإسرائيلي، مما يجعل الكثير من السكان يخشون أن يصبحوا لاجئين مرة أخرى، مع العلم بأن 80% من سكان غزة ينتمون إلى آسر لاجئة منذ 1948.
ومن قبيل المفارقة، ان كل ذلك قد أعاد احياء فكرة العودة للدولة ثنائية القومية أو للدولة الديمقراطية الواحدة التي ستكون بالتالي الوسيلة التي تمكن الجميع من العودة لمساكنهم في مساحة مشتركة مع وجود التشكيلات السياسية المختلفة، ويكون لكل فرد نفس الحقوق، غير أن هذا الطريق هو أكثر تعقيداً من فكرة الدولتين التي تحظى بتأييد المجتمع الدولي.