“الكرم الإيراني داخل مصر”
أحمد مصطفى يكتب
رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة
للمرة الثانية وبدعوة كريمة من راعي المصالح الإيرانية في مصر سيادة السفير/ محمد سلطاني فرد، نلتقي على عشاء خاص في مقر إقامته بمصر الجديدة.
كانت المرة الأولى في الخميس ما قبل الأخير من شهر أغسطس مع وفد تجاري مكون من شخصين كانا يزوران مصر ويمثلان وزارة الاقتصاد، أحدهما هو نائب وزير الاقتصاد الإيراني السيد/ رضا بخشي آني الرئيس التنفيذي لشركة إيران للاستثمارات الاجنبية وهي أحد مساهمي بنك مصر إيران وكانت تضخ أموال في البنك لإتاحتها للاستثمار. والثاني إستشاري بنفس الشركة وممثلا عن وزارة الاقتصاد والمالية د/ محمد حسين محمدي.
وقد قمت بالتنسيق مع السيد/ فرد بالتنسيق لمقابلة عدد لا بأس منه من رجال الأعمال والمستثمرين المصريين لرؤية إمكانية التعاون مع بلد إقليمي إسلامي كبير مثل إيران لديه خبرات وقدرات مختلفة.
وكان لقاء ناجح بكل المقاييس لأنه يحاول كسر جبال الجليد التي تكونت بين مصر وإيران منذ 2016 وانخفاض حجم التجارة البينية من مليار دولار في نهاية العشرية الأولى من الألفية، إلى أقل من 100 مليون دولار في الفترة الحالية.
إيران دولة كبيرة في مجال الصناعة والتجارة والتعدين والفضاء والتكنولوجيا والتمويل ويمكنها على الأقل نقل خبراتها الناجحة للدول المجاورة، وطبعا كان الحافز لنا هذه المرة، المصالحة الكريمة الكبيرة ما بين قطبي العالم الاسلامي السعودية وإيران وبوساطة صينية وعمانية وعراقية. وهذه الحوارات بعيد كل البعد عن اي اشكاليات سياسية أو خلافية لأن البزنس والثقافة لا يختلف عليهم أحد عدا السياسة ولا نتطرق إليها.
إضافة إلى قبول البلدين مصر وإيران في قمة البريكس مؤخرا في عضوية بريكس بلس بداية من عام 2024 وكذلك مشاركة وفد إيراني في منتدى بنك الصين للبنى التحتية في أكتوبر المقبل في مدينة شرم الشيخ تحت قيادة وزير الاقتصاد الإيراني. وايضا ربما مشاركة وفد رئاسي من إيران في مؤتمر (مجموعة الثمانية التنموية) التي تضم أكبر دول اسلامية في العالم، ومنها طبعا مصر وإيران في شهر ديسمبر المقبل.
ونرى أيضا أن هناك بداية بناء جسور ثقة ما بين الجانبين يتم بناؤها جنبا إلى جنب مرة أخرى، بدليل سماح السلطات المصرية للوفود الإيرانية بالمجيء والمشاركة في فعاليات، وخصوصا في مجالي الاستثمار والتجارة والسياحة وكذلك البحث العلمي. فجزيل الشكر للإدارة على سماحها باتخاذ هذه الخطوة المهمة والتي دائما ما يشكر سيادة السفير للحضور مصر على هذه الثقة.
اما العشاء الثاني فكان الأربعاء الماضي الموافق 6 سبتمبر وفي مقر إقام السفير السيد/ فرد ولكن هذه المرة كان في المجال البحثي والأكاديمي لوجود أحد أهم الباحثين الإيرانيين والأكاديميين المتخصصين في مجال هندسة المعاينة ونظم المعلومات الجغرافيا المكانية باستخدام الذكاء الصناعي ونماذج عدم اليقين في تحليل الجغرافيا المكانية أ.د/ محمود رضا ديلاور – وكان مشارك في مؤتمر نظمته الأكاديمية العربية للعلوم التكنولوجيا تحت عنوان “الإحساس عن بعد ومستقبل أفضل” والذي عقد في مصر في الفترة من 2-7 سبتمبر 2023 في القاهرة.
والدكتور مدير العلاقات الخارجية في جامعة طهران إحدى اكبر جامعات المنطقة والعالم ولديها آلاف الأوراق البحثية المعترف بها عالميا في مجالات التقنيات العالية والذكاء الصناعي والاتصالات والأقمار الصناعية والكيمياء والتقنيات الحيوية.
وبالتنسيق ما بيني وما بين السفير الإيراني تم دعوة أكثر من عشرة من الباحثين المصريين والمثقفين الممثلين لقطاعات علمية وأكاديمية والحديث عن مستقبل التعاون العلمي والأكاديمي المحتمل ما بين الجانبين المصري والإيراني – الجلسة كانت ناجحة كجلسة الأعمال وبامتياز.
وتحدث الضيف الكريم د/ ديلاور عن تجربة إيران في التعاون العلمي مع الجانبين التركي والصيني على وجه التحديد. حيث يشتركون في العديد من الجوانب والمشاريع العلمية والأكاديمية، وأن ربما أي تعاون علمي از مشاريع علمية مع مصر يجب أن تتم وفقا لنموذج مشابه لمثل هذه الشراكات الناجحة مع دولتين كبيرتين مثل الصين وتركيا.
بالنسبة للتعاون على المستوى الاقتصادي والتجاري ما بين البلدين
اقترح رجال الأعمال والسفير بالفعل مد يد التعاون التجاري ما بين البلدين من خلال ما تتميز به إيران وتوفره وخصوصا في المجالات التي تعاني فيها مصر من نقص الدعم المادي والتقني وكان أبرزها في صناعة النفط ومشتقاته والبتروكيماويات، فيمكن للجانب الإيراني أن يزود مصر بكل ما تحتاجه من غاز طبيعي ونفط ووقود واسفلت بالجنيه المصري بسعر تفضيلي ويساعد قبول عضوية البلدين في بريكس على التعاون بهذه الصيغة حاليا. بالإضافة الى كل تقنيات صناعة النفط والغاز والتي يتم إنتاج 80% منها محليا ويمكن أن تمتد بها مصر للمساعدة على الإستخراج والاستكشاف للثروات المعدنية.
كذلك في مجال الأدوية الحيوية الجديدة تعد إيران خامس دولة على مستوى العالم وكذلك في النانو تكنولوجي والتي تعد إيران فيها من أكبر دول العالم – والجدير بالذكر أن إيران لديها حقول ليثيوم هذا العنصر الهام في إنتاج البطاريات الكهربية الخاصة بصناعة التقنيات العالية مثل الهواتف الذكية والحواسيب واجهزة الإتصالات
أيضا إيران من اهم دول العالم في الطاقة النووية بشهادة د/ يسري أبو شادي الخبير المصري الأكبر في هذا المجال – ويمكنها في حالة أي قصور من الموردين الحاليين أن تمد مصر بكل ما تريده في هذا المجال إضافة أيضا للصين وهما طرفان موثوق فيهما ومشاريعهم وطنية مستقلة على أي تحكمات غربية.
وقد وعد وزير الاقتصاد سابقا بتوفير مساحات مجانية في ارض المعارض الإيرانية للتجار ورجال الأعمال المصريين لعرض منتجاتهم داخل السوق الإيرانية وذلك كنوع من الدعم للصناعة والمصدرين المصريين وتقوية العلاقات التجارية بين البلدين.
كما أن هناك العديد من المستثمرين الإيرانيين الذين لديهم الرغبة الكبيرة في إنشاء مناطق صناعية خاصة داخل المناطق الحرة لدخول السوق المصري، و افريقيا نظرا لمعرفتهم التامة بقيمة موقع مصر بالنسبة للسوق العربي والإفريقي وأوروبا أيضا. وخصوصا التعاون في مجال الصناعات الثقيلة والمتوسطة وإعطاء مصر سر الصنعة في صناعة المحركات الخاصة بالسيارات سواء التي تدار بالوقود العادي او السيارات الكهربائية.
وكذلك في صناعة الحديد والصلب والصناعات التعدينية والسبائك وغيرها وكذلك في صناعة الدواء والأطراف والأجهزة التي يحتاجها البشر في العمليات الجراحية والطب.
أيضا يساعد الخط الحديدي الجديد (شلمجة البصرة) في تنمية محور الشام الجديد ما بين العراق ومصر مرورا بالأردن ويمكن الربط ما بين هذه البلاد وبعضها بالسكك الحديدية وهذا بدوره يخلق تنمية على طول هذه السكك الحديدة ويخلق استثمارات جديدة – إذا حسنت النوايا وهو بدوره أيضا يدخل ضمن مشروع الطريق الصيني.
أما بالنسبة للجانب العلمي والبحثي والأكاديمي
فتراوحت الاقتراحات من الجانبين بإنشاء جامعة خاصة إيرانية مصرية للتقنيات العالية بالشراكة ما بين الجانبين يكون لها فرع في القاهرة وفرع آخر في طهران لدعم التعاون العلمي والتقني ما بين الجانبين.
أيضا اقترح د/ دلاور أن يكون هناك مركز معلوماتي للتنسيق العلمي ما بين البلدين يخدم مشاريع الأبحاث العلمية المشتركة وتنظيم المنح الدراسية التي يمكن أن تمنح من كلا الجانبين والتعاون على مستوى المؤتمرات والمنتديات العلمية.
أيضا كون د/ دلاور مدير العلاقات الخارجية بجامعة طهران انه يوجد ايضا اتحاد الجامعات الايرانية الذي يضم أفضل ثلاثين جامعة ايرانية وهم جاهزون للتعاون مع الجامعات المصرية العامة والخاصة في المجالات الجديدة والأكثر احتياجا في السوق مثل التحول الرقمي والذكاء الصناعي والنانو تكنولوجي والهندسة والطب بفروعها المختلفة.
وايضا ان جامعة طهران تحتوي على حاضنات أعمال يمكنها التعاون مع الجامعات المصرية في هذا المجال بالنسبة للمشروعات الناشئة وتطويرها وتسويق الأفكار والمشاريع ورعايتها من مرحلة (البذور/ الأفكار) وحتى مرحلة (الإثمار/الإنتاج) وهذا ما نحتاجه في مصر. حيث ان ايران لديها حوالي 2730 شركة في هذه المجالات ومنها طبعا مجالات الاقتصاد الأخضر والمستدام والتطبيقات المالية وتطبيقات الدفع والتسويق والترويج وخلافه.
وكذلك مما طرح مشروعات مشتركة في التنمية المستدامة وكذلك على المستوى الفكرى مشروع كتاب مشترك يضم باحثين وكتاب من (مصر وإيران) يمهد لفتح آفاق التعاون بين الطرفين والتعرف أكثر على الطرفين، وكذلك مركز فكري كبير للدراسات الاسيوية ما بين الثلاثي مصر وإيران وتركيا نظرا لصعود قارة آسيا وكونها أصبحت مركز الثقل الاقتصادي والاستراتيجي الأكبر في العالم.
ربما ايضا تسويق بعض الكورسات الخاصة بـ (رقائق السيليكون) لدى المهتمين من الجانب الإيراني بهذا الجانب العالي جدا تقنيا وفوائده المستقبلية لأن صناعة هذه الرقائق باتت من أهم الصناعات على مستوى العالم وإيران حققت فيها أيضا بعض التقدم.
وفي النهاية، لا يسعنا إلا ان نشكر سيادة السفير/ محمد سلطاني فرد على محاولاته الجدية لتوسيع نطاق التعاون العلمي والثقافي والتجاري ما بين البلدين (إيران ومصر) ويمكن لهذا التعاون ايضا ان يمتد للدول القريبة والصديقة والداعمة، على سبيل المثال وليس الحصر، السعودية والجزائر وتركيا وطبعا روسيا والصين.