رأىسلايدر

الصين فى أفغانستان.. صياد أم فريسة؟

استمع الي المقالة

بقلم: نوران عزالدين

لقد مضى على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عامين، الأمر الذي دفع أنظار دول العالم تتوجه نحوها لما تنعم به من ثروات طبيعية هائلة وموارد أرضية نادرة، وربما تكون الصين هي الاوفر حظاً في لعب دور الوساطة لما تمتلكه من مؤهلات تمكنها من ذلك، لقد كانت الصين هي المصدر الرئيس للاستثمار في أفغانستان أثناء تواجد الولايات المتحدة الأمريكية بها، كما انها تتمتع بعلاقات نموذجية مع أفغانستان تخلو من المؤثرات السياسية وتقوم على التعاون الاقتصادي. كما أن نجاحها في تحقيق الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران جعل منها وسيط معترف يها عالمياُ، في المقابل تصبو أفغانستان إلى مشاركة الصين في عملية إعادة الاعمار والتنمية، غير أن الصين تعي جيداً انها لم تتمكن من تحقيق مقاصدها أن لم تتوفر البيئة الأمنية المواتية، لذا تسعى إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني بها عبر التعاون مع دول الجوار، وقد تمكنها علاقاتها الجيدة بحركة طالبان من إقناع الأخيرة بتشكيل هيكل سياسي واسع النطاق.

في واقع الأمر، هناك دوافع رئيسية وراء تعاظم أهمية أفغانستان لدى الصين: أن مطالب الصين واضحة للتعامل مع حركة طالبان أبرزها قطع العلاقات مع حركة تركستان الشرقية الإسلامية، حيث وسعت الصين حملاتها القمعية ضد الإيغور خارج حدودها، ويعتبر مشروع الحزام والطريق بمثابة ورقة ضغط بالغة التأثير على الدول التي يمر عبرها، مما يدفع الأمر أفغانستان للتضحية بالإيغور المتواجدين لديها مقابل الحصول على مكاسب اقتصادية.

  كما أن لدى الصين مصالح اقتصادية واستراتيجية كبيرة في أفغانستان باعتبار موقعها الاستراتيجي ضمن مبادرة الحزام والطريق، ويأتي إلى جانب ذلك اهتمام الصين المتنامي بالليثيوم الذي أصبح أكثر المعادن طلباً، لا سيما في ظل التحول نحو الاقتصاد الأخضر، حيث أصبح لا غنى عنه في صناعة السيارات الكهربائية والهواتف والأجهزة اللوحية الذكية، وخوادم الانترنت، وبما أن الصين اصبحت تهيمن على صناعة البطاريات عالمياً حيث تمتلك 77% من الطاقة الإنتاجية لبطاريات الليثيوم، فإنها تسعى إلى امتلاك أكبر قدر منه.

وتسعى الصين أيضاً من وراء تعاونها مع أفغانستان إلى توسيع رقعه نفوذها عالمياً وأثبات فشل الإدارة الأمريكية التي تسعى إلى فرض نظامها على العالم.

تسعى الصين إلى وضع خطة أمنية ثلاثية مع أفغانستان وباكستان، حيث ترغب في جني ثمارها بما يؤهلها من إقامة مرحلة جديدة من الاستثمارات في أفغانستان.

ومن منطلق وساطتها الناجحة بين كل من المملكة العربية السعودية وإيران، فإنها تضاعف جهودها الدولية من اجل مساندة أفغانستان للخروج من عزلته باعتبارها الضامن للعلاقات الخارجية بكابول.

لايزال من الصعب التكهن بالأوضاع الأمنية في أفغانستان، حيث يتمركز المقاتلون في المناطق الحدودية، وقد شهد العام الماضي العديد من المواجهات بين كابول وإسلام اباد على خلفية الهجمات التي شنتها جماعة ” تحريك طالبان – باكستان”، حيث تم تنفيذ ما يقرب من 150 هجوماً – من قبل هذه الجماعة المحظورة في باكستان خلال عام 2020، فإذ لم يتم احتواؤها قد يطيل التهديد الإرهابي مناطق أخرى.

فمنذ أن بدأت الولايات المتحدة الحوار مع طالبان في الدوحة في 2019، واخذت الصين في الانخراط في عملية السلام باعتبارها فقط وسيطاً في المباحثات متعددة الأطراف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وباكستان، غير أن النظام الصيني فرض نفسه اليوم كوسيط رئيسي للتفاوض بشأن الاتفاق الأمني الثلاثي القابل للتحقيق بين كابول وإسلام اباد، ويبدو أن الصين تجهز بالفعل لآليه لمكافحة الإرهاب مع الجارتين من أجل تحقيق الأمن المستدام، وقد أبدى كل من باكستان وأفغانستان استعدادهما لمواصلة الحوار المتعلق بمبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها الصين في فبراير 2023 من اجل القضاء على الأسباب الجذرية للنزاعات الدولية (GSI)، فضلاً عن مبادرة التنمية العالمية. كما أبدو استعدادهم لتسخير جهودهم ضمن الإطار الاستراتيجي الذي وضعته الصين في 2023.

تأمل الصين من خلال آلية التعاون الثلاثي للتواصل الاستراتيجي والتنسيق السياسي في إحلال السلام في المنطقة، فبحسب تشين جانغ وزير الخارجية السابق ” أن مسألة مكافحة الإرهاب لا تحتمل أن تكال بمكيلين، مما يستلزم جهود من جميع أصحاب المصلحة”، معرباً عن أمله في أن تكفل كابل وإسلام اباد سلامة الافراد والمؤسسات والعمال الصينين المقيمين لديهم. كما تطرق الوزير للصراعات الإقليمية الأخرى، لا سيما مسألة كشمير، فضلاً عن التحالفات الإقليمية الأخرى.

ووفقاً لزوبير فيصل عباسي المتخصص في السياسة الإنمائية في اسلام اباد، يرجع اهتمام الصين بأفغانستان إلى سببين: هناك مسائل داخلية تتعلق بالصين، فأنها تسعى بوصفها قوة إقليمية عظمى إلى المساهمة في إقرار السلام والأمن، من ناحية أخرى، ترى الصين في ذلك فرصة لتعزيز قوتها الاقتصادية من خلال لعب دور في استغلال الموارد الطبيعية وتشيد البنية التحتية بها، وتمنح أفغانستان الفرصة للصين لتحقيق الاستقرار في البلاد من خلال التعاون مع القوى الإقليمية الكبرى مثل باكستان وإيران.

أن السفارة الصينية هي واحدة من البعثات الأجنبية القليلة التي لم تغلق خلال استعادة طالبان سيطرتها الفوضوية على كابل في أغسطس 2021، ودعمت الصين عمليات إعادة الاعمار والتنمية الاقتصادية في أفغانستان بعد رحيل القوات الأجنبية.

الرغبة في الحداثة

 تعرضت طالبان منذ عودتها للسلطة لانتقادات شديدة من قبل المجتمع الدولي بسبب سياساتها القمعية التي أدت إلى حرمان المرأة من الوصول لسوق العمل وحرمانها من الالتحاق بالتعليم.

وفي الوقت الذي لم تعترف فيه أية دولة بنظام طالبان، فقد حرصت الصين على الانخراط في علاقات معها من اجل إيجاد حل طويل الأمد.

تضمنت الوثيقة التي أصدرتها الصين في أبريل الماضي حول “موقفها تجاه القضية الأفغانية” أسباب دعمها القوي لعملية إعادة الاعمار في أفغانستان التي دمرتها الحرب، فبحسب نائب الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، فأن الصين تتوق إلى تبديد مخاوف المجتمع الدولي وتأمل في اقناع طالبان باتباع النهج المعتدل في حكمها للبلاد، وتشكيل حكومة شاملة، ولكنها في واقع الأمر تجهل الأساليب التي قد تعتمد عليها في اقناع طالبان بقبول طوائف سياسية أخرى وتوفير بيئة مناسبة تتمتع فيها المرأة بمزيد من الحقوق، كذلك إتباع نهج أكثر تسامحاً مع الأقليات الاثنية الأخرى، وذلك مقابل اطلاق استثماراتها الضخمة في أفغانستان، ويصعب على طالبان تحديث حكوماتها حيث يتعارض الامر مع معتقداتها، لذا لم يبقى أمام الصين سوى الانتظار، أيماناً منها بأن الدولة لم تسقط، ولم يبقى أمامها خيارات أخرى سوى التطوير من نفسها.

أيا كان الأمر، فيبقى أمام الصين تحدي لإيجاد حل للازمة الأفغانية المتعثرة، وذلك لتأكيد مكانتها كقوة عالمية، خاصة وأن أفغانستان تتواجد على نقطة استراتيجية هامة في مشروعها ” طريق الحرير الجديد”، ولن تسمح الصين بأن تتحول هذه البقعة الجبلية إلى ساحة صراع أبدي.

يذكر أن الصين لديها استثمارات ضخمة في باكستان، وهو الأمر الذي تتوق إلى تنفيذه في أفغانستان، غير أن المشاكل الأمنية تعوقها من إقامة العديد من المشروعات الضخمة، فاذا تكللت مساعيها مع نظام طالبان بنجاح، سيكون بإمكانها ليس فقط توسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، ولكن وضع أيضاً اساساً صلب في هذه المنطقة التي تتمتع بأهمية استراتيجية قوية، ويذكر أن أفغانستان قد انضمت إلى هذا الممر في مايو 2023، وتحلت الصين بقدر كبير من الصب في تعاملها مع أفغانستان.

راهنت الصين بعد رحيل الجيش الأمريكي من أفغانستان على إعادة ربط السكك الحديدية بشكل تدريجي مع إيران والشرق الأوسط عبر أفغانستان، وتأمل الصين في ضم أفغانستان في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، كذلك دمجها في طريق الحرير الجديد ضمن جناحها في آسيا الوسطى.

أكد وزير الخارجية الصيني خلال مشاركته في الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي الصيني الباكستاني على اتفاق الجانبان على مواصلة تطوير الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، كذلك استعادة المشاورات الثنائية على مختلف الأصعدة.

 انعدام الاستقرار

أن النتائج الصادرة عن الاجتماع الثلاثي الأخير بين كل من الصين وأفغانستان وباكستان ستصبح دون جدوى أن لم تبذل طالبان جهداً في مسار تعليم المرأة واحتضان الجماعات الإرهابية.

أن المشاكل الأمنية في أفغانستان تعتبر بمثابة حجر عثر أمام الصين حيث تمنعها من تحقيق مصالحها من وراء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، لا سيما إقامة الصناعات التصديرية في المناطق التي حددها الممر الاقتصادي.

كما توقفت مشروعات أخرى بسبب الأوضاع غير المستقرة في أفغانستان، على سبيل المثال مشروعات التنقيب عن النحاس، الأمر الذي دفع الصين إلى التخلي عن العديد من الاستثمارات الهامة بسبب سوء الأوضاع الأمنية.

خلاصة القول، تمتلك أفغانستان موارد منجمية ضخمة، فوفقاً للتقديرات التي أجريت أثناء تواجد القوات الأمريكية بها، تحتوي التربة الأفغانية على مليارات الدولارات من الثروة المعدنية، ولم تتوقف النبوءات التي تشير إلى رغبة الصين في حمل الراية في أفغانستان من بعد الولايات المتحدة الأمريكية من أجل توقيع الاتفاقيات الحصرية والتنقيب عن الثروات المعدنية، وقد حال عدم استقرار الأوضاع في أفغانستان دون مشاركة الصين في العديد من المشروعات الهامة، كمشروع خطوط أنابيب الغاز TAPI الذي يجمع بين تركمانستان وأفغانستان والهند وهو قيد المناقشة منذ سنوات، كذلك خط الكهرباء CASA 1000، الذي يربط كل من قيرغستان، وطاجيكستان، وأفغانستان، وباكستان، وتخلى البنك الدولي عن تمويله.، ومشروع السكك الحديدية التي تربط أوزبكستان بباكستان، وأخيراً مشروع مد نطاق الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ليصل إلى أفغانستان.

أن تحقيق الاستقرار في أفغانستان قد يغير من قواعد اللعبة ويفتح المجال أمام الانتعاش الاقتصادي للمنطقة بأسرها.

وما يتبادر إلى الاذهان آلان هو: هل ستمضي الصين في التعامل مع حركة طالبان لتحقيق مصالحها الاقتصادية وتأمين البعد الأمني لديها فيما يتعلق بالإيغور أو عدم التعاون مع طالبان وزعزعة أمنها القومي والأضرار باستثماراتها في أفغانستان، وهو الأمر الذي لا ترغب فيه، خاصة أنها أصبحت قوة عالمية عظمى لا يستهان بها.

* ويبقى السؤال: الصين فى أفغانستان.. صياد أم فريسة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى