رأى

حاسب تحلم

استمع الي المقالة

بقلم: محمد محسوب السنباطي

لعلها تلك التجربة الذاتية التي  مررت بها ليس “مرة واحدة بل مرتين” التي لفتت انتباهي أن كثيرا ممن يحاولون التفكير والابداع خارج المألوف  في جميع المجالات، العلمية، والفنية، والأدبية قد اتفقوا على أن معاناتهم الكبرى تتمثل في العراقيل التي تشغلهم بتوافه الأمور عن الاستمرار في السعي للتحقيق الإنجاز، ومع الأسف تبين لى أنها سمة عامة يتعثر بها المبدع، حيث تصر بعض الأطراف ” غالبا من زملاء المجال ذاته ” على جره إلى منطقة النزاع للذوبان في المعارك الصغيرة، بدلا من تشجيعه ودفعه إلى المزيد من العطاء، ومده بالتسهيلات التي تشبع حاجته المستمرة لمساحات واسعة للانطلاق.

ومن اللافت للنظر أن العامل المشترك لجميع صناع العراقيل، هو أنهم بلا أي انجاز أو حلم حقيقي يشغلهم، وهذا ما يجعلهم يقضون غالبية وقتهم فى التفكير في كيفية تعطيل الطرف الآخر فقط، والمؤلم أن العراقيل لا تقتصر على تعطيل الإبداع الفردي فحسب، بل تمتد إلى تصيد الأخطاء وصنع زوبعة حولها، مما يؤدي إلى تعطيل المشاريع، وتجميد الإنجازات، والمدهش أنهم يقومون بذلك مستخدمين ثلاثة خطوات لا أكثر.

الخطوة الأولى: هى رفض كل الوسائل المختلفة التي يستخدمها المبدع للخروج من الصندوق، فإذا جاءهم بفكرة جديدة حاربوه، وإذا حاد عن نهجهم ومسارهم المعتاد وضعوا  له العراقيل، وإذا قدم تجربة مختلفة بحثوا له عن ثغرات، والطامة الكبرى، أنهم يعترضون على التجارب الجديدة قبل أن يطلعوا عليها ودون مناقشة تفاصيلها، ، فهدفهم الأساسي هو وأد التجربة لا غير.

ثاني تلك الخطوات التدميرية: نصب «محكمة تفتيش» صغرى، كما في العصور السابقة، والتي كانت تهدف لقتل كل نفس مختلف، سعيا لصناعة جيل لا رأي له، كأن تتم محاسبة مبدع على تطرقه لموضوع معين بدلا عن مناقشته في آلية الطرح، أو أن يحاسب أساتذة جامعيون زميلا لهم لاختلافه في آلية توصيل المعلومة، عن تلك التي يستخدمونها منذ الأزل.

ثالث خطوة من خطوات تدمير المبدع:  أن يأتوا بأشخاص لا علاقة لهم بالإبداع، بل يكونون معروفين بمحاربته جملة وتفصيلا، ويستعينوا بهم في مؤسسات يفترض أنها إبداعية، والطامة الكبرى حين يتم منحهم صلاحيات تمكنهم من التحكم بانجازات الآخرين، على سبيل المثال، حين تأتي بشخص يحرم الفن في حواراته الخاصة، ولم تطأ قدماه عرضا مسرحيا أو معرضا للفنون التشكيلية منذ سنوات طويلة، لتمنحه فرصة لتحكيم الأعمال الفنية، وهكذا حين تأتي بمن ليس لديه  خبرة أو مهارة أو قدرة على التفكير والابداع، وتجعله قيما على المبدعين، ليقرر السماح أو  رفض ما يمكن تقديمه من المبدع.

لمواجهة هؤلاء، لابد من الاستمرار في العمل قبل كل شيء، فلا يمكن أن يترك لشخص لن يذكره التاريخ الفرصة لقتل طموحات من يسعى للإنجاز، ومن كرم الله عز وجل، أنه تعلو أحيانا بعض الأصوات الداعمة للإبداع، بآراء موضوعية، وكلمات مشجعة، يستمد منها المبدع قوته وطاقته.

ويبقي الاستمرار في الابداع وتقديم ما هو جديد دون النظر إلى المعوقات التي قد تثيرها تلك الأطراف هو التحدي الأكبر  لروح وشخصية المبدع، فكلما كان قويا كلما كان الاستسلام اختياره الأبعد، فالفشل لا يكمن في الخسارة وإنما  يكمن الفشل في الاستسلام والانسحاب.

وكما قال المبدع الراحل “أ. وحيد حامد” على لسان الفنان “عادل إمام”: أنا هاحلم … هاحلم .. هاحلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى