أحمد مصطفى يكتب
بداية نؤكد على ما قلناه سابقا فيما يخص المسرحية الرائعة التي أدارها الرئيس بوتين عن شركة فاجنر وتأكيد لهذا الطرح ما ظهر في الإعلام الروسي فيما يخص لقائه بقادة فاجنر بما فيهم تلميذه (ريجوزين) وأن منشيء فاجنر هو الوحيد الذي يمكن حلها أو استمرارها (أعني الرئيس بوتين) – الجهلاء والسطحيين يتمنعون.
أما بالنسبة لإعادة معتقلي (فرقة آزوف الأوكرانية) النازيون من تركيا إلى أوكرانيا عقب زيارة (الماريونت) زيلينسكي لأسطمبول منذ عدة أيام فهو أيضا أمر ضمني متفق عليه ما بين (بوتين وأودوغان) لأن خمس أشخاص لم ولن يشكلوا فارق في الميدان، ولكن يعد هذا احدى مكاسب أردوغان التي حققها للناتو وأوكرانيا، ولن يضير روسيا، بالرغم من اعتراض الكرملين، وهو اعتراض شكلي كنوع من استكمال الشو الإعلامي.
وخصوصا بعد فشل الناتو وأوكرانيا في تحقيق أي نصر ممكن في الهجوم المضاد الذي صدعوا رؤسنا به مع سحق الجيش الوطني الروسي أسلحة الناتو، التي روجوا لها إعلاميا، وكذلك الحصول على أحدث صاروخ بريطاني (ستورم شادو) من ميدان المعركة ومعه تكبيد بريطانيا العديد من المليارات بسبب تفكيكهم هذا الصاروخ الذين كان يتفاخر به البريطانيون – ونقول لهم ميدان المعركة شيء واعلامكم الأخرق الكاذب شيء آخر.
بالعودة لموضوعنا الأساسي وعندما قام مركز آسيا بعمل دراسة مصغرة عن التداعيات الاقتصادية لفوز أردوغان بالرئاسة على تركيا – نحمد الله أن كافة النقاط التي ذكرناها جاءت صواب، ومن خلال خمس خبراء أتراك محترفين قمنا بإجراء مقابلات معهم – وأكدوا على قوة و كاريزمية الرئيس أردوغان وأنه يحاول تحقيق ما قال عنه في مؤتمر تسلمه الرئاسة “أن هذا القرن هو قرن تركيا”.
أردوغان كرئيس نجح في جمع (الغرب والشرق) سويا من خلال بارجماتية مدروسة بحكمة وببراعة لا توجد حتى في الغرب مجتمعا، نظرا لأن كافة الانظمة الغربية الحالية لا يوجد بها شخصيات كاريزمية – وايضا الغالبية تخضع لـ “إجماع واشنطن” والشركات عابرة القارات وكما يمليه الاحتياطي الفيدرالي وهذا ما فضحته السير الذاتية لهذه القيادات، وما ذكره موقع بوليتيكو أكبر المواقع الامريكية مصداقية عن هؤلاء بما فيهم الأمريكان أنفسهم.
فكما نجح أردوغان في التقرب خلال الفترة الماضية من الشرق وتهديد مصالح الغرب وكأنه يلعب لعبة مدروسة وخصوصا السنتين الماضيتين، وكذلك طلب عضوية في (مجموعة بريكس بلس) مع الكبيرتين الصين وروسيا، وكذلك إنشاء محطة كهروذرية من خلال روسأتوم الروسية والتسويق الجيد لهذه المحطة في الإعلام التركي وشرح أهميتها، وما ستضيفه من طاقة تستغلها تركيا في نهضتها المقبلة.
وكذلك إنشاء مجمع عالمي الغاز المسال الروسي كبديل عن خطي السيل الشمالي (1 و2)، و اللذان دمرا على يد الناتو في الصيف الماضي، وما ستأمنه مصادر الطاقة هذه لتركيا، وكذلك التنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط، وإعادة العلاقات مع مصر لتشكيل تحالف في الطاقة وضبط ترسيم الحدود حتى تتمكن كل دولة من الحصول على حقوقها الاقتصادية دون الإضرار بالأخرى.
وكذلك محاربة الإرهاب والذي بات يشكل عبئا كبيرا على كل البلاد وخصوصا في مناطق الشمال السوري وبالتعاون مع روسيا وإيران والصين ومصر.
أيضا وجود الصين وبقوة في تركيا كثاني أكبر مستثمر مباشر في تركيا بعد ألمانيا لأهمية تركيا الاستراتيجية للصين، وموقعها على المياه الدافئة، وطبعا قربها وربطها بين آسيا وأوروبا وقوة تركيا الاستراتيجية وهي تعد أقوى دولة في الناتو في أوروبا، وكذلك شراء الصين للعديد من الشركات التركية الناجحة في صفقات تمت الاعوام الاخيرة، وايضا اعتماد اليوان الصيني كعملة دولية بديل للدولار في التعامل بينهما للرد على الضغوط الأمريكية على وجه التحديد.
تحملت تركيا الكثير من ضغوط اوروبية وامريكية وخصوصا أردوغان بسبب الدعم الكبير الذي أعطى للمعارضة التركية للاطاحة به وكذلك تقارير شركات التصنيف الائتماني وخصوصا ما بعد أزمة كورونا وتأثيرات الحرب الأوكرانية – وبعد الفوز في الانتخابات والقيام ببعض التغيرات في فريقه الوزاري تمكن أردوغان من مواجهة الغرب بقوة وخصوصا في ملفات كبيرة.
فبعد حصوله على منظومة إس 400 الصاروخية الروسية منذ أعوام ورفض الإدارة الأمريكية إعطاءه مقاتلات إف 16 – ومع تبدل الأوضاع ورجوع أردوغان للسلطة فيستخدم المقايضات السياسية بشكل كبير كمحترف فربط بين عضوية السويد للناتو، والتي لن تشكل أي فرق مع روسيا بعد تحقيقها ما حققته في مواجهة الناتو بأوكرانيا، وبين الحصول على هذه الصفقة.
أيضا أردوغان يعرف جيدا أن القرار في الاتحاد الأوروبي مرهون بتوافق واشنطن وموافقتها – لقبول عضوية السويد بالناتو وهي من أكبر أعضائها في أوروبا – لا بد أن تعتمد قانون الإرهاب الجديد الخاص بها لمواجهة بعض الجمعيات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني الي تصنفها تركيا جماعة إرهابية. ومثلما وافقت تركيا على قبول فنلندا سابقا في الناتو – فإنها تنتظر رد الجميل فيما يخص قبول السويد بعد عرض الأمر على البرلمان ذو الغالبية من (حزب العدالة والتنمية) التابع لأردوغان لقبول طلب تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي والتي كانت تعرقلها دائما كلا من فرنسا وألمانيا بدعوى انتهاك حقوق الإنسان وكان آخر طلب تقدم به في 2016.
بالرغم من الحقيقة الدامغة أن تركيا افضل من عدة دول مجتمعة في شرق ووسط أوروبا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.
فيكفي أن عدد رحلات خطوط الطيران التركية يوميا في المتوسط يبلغ (1350 رحلة) من وإلى مطار اسطنبول الجديد، والتي تعتبر من أقوى وافضل شركات الطيران في العالم حاليا.
حيث تصل خدماتها لأكثر من 120 دولة عبر العالم، ويستقبل المطار (90 مليون مسافر سنويا) وبهذا يتفوق على مطارات عالمية أخرى، وزادت أهميته طبعا مع الأزمة الأوكرانية حاليا – تلك الشركة التي جعلت تركيا من أكثر الوجهات السياحية والتجارية في العالم بسبب تخطيطهم لهذا العمل منذ سنوات وحسن الإدارة وربطهم الشرق بالغرب.
ولكن السبب الحقيقي هو أن تركيا من أكبر دول العالم الإسلامي والغرب لا زال يخشى من المد الإسلامي في الغرب بسبب شيخوخة الغرب وعدم الرغبة في الإنجاب، وطبقا للحسابات الديموجرافية، أنه ربما يزيد تعداد المسلمين في أوروبا بحلول 2050 ليصل في بعض التقديرات طبقا لـ (دراسة معهد بيو) والتي نشرت على عدة وسائل إعلامية في 2017 سيتراوح ما بين 10-14% من سكان أوروبا.
وهؤلاء طبعا يمكن ان يشكلوا كتلة حرجة تؤثر في صناعة القرار الأوروبية والغربية بشكل عام، وبحلول 2070 سيصبح عدد المسلمين هو الأعلى في العالم.
وإذا رجعنا لقمة الناتو في فيلنيوس ليتوانيا اليوم – سنجد أن حتى (ستولتنبرج سكرتير عام الناتو)، بالرغم من أكاذيبه الكثيرة والتي غالبا كنا ما نسخر منها مثله مثل المسئولين الاوروبيين الكبار عديمي الخبرة، يربط قبول اوكرانيا في الناتو بشيء واحد هو تحقيق انتصار على روسيا، وهو أمر بعيد المنال – حيث يشهد حتى الخبراء الأمريكان أنفسهم بذلك بعد نجاح الجيش الروسي في تدمير كل الدعم اللوجيستي الذي قدم لأوكرانيا.
وايضا خوف كثير من الدول الأوروبية وعلى رأسها المجر وغيرها، وحتى ان لم يبدوا ذلك، أن تقبل أوكرانيا في الناتو فيتم استفزاز روسيا من خلال عملية ارهابية – أو كما تحاول أمريكا وتسوق كذبا بأن ترسل ما يسمى (قنابل عنقودية محرمة دوليا) لأوكرانيا، فتقذف بها أوكرانيا روسيا، فتقوم روسيا بالرد الأقوى.
وبالتالي تطالب أوكرانيا كل دول الحلف بالتدخل بموجب (المادة 5) من النظام الأساسي للحلف لمحاربة روسيا، وننتقل لحرب عالمية ثالثة سيكون أيضا الخاسر فيها هو (الناتو والغرب) لأن روسيا هذه المرة لن تكون وحيدة، وستستخدم كل ما لديها لتدمير اهم دول الغرب وهي قادرة على ذلك، ولأن هناك قوى أخرى جديدة لديها الرغبة في كسر شوكة الناتو وكسر هيمنة القطب الواحد، بما ينذر بتدمير الرأسمالية والنيوليبرالية عالميا.
وستنتهي هذه القمة بالشو الإعلامي اياه نحن نتعاطف مع أوكرانيا وسندعمها في حربها ضد روسيا حفاظا على الديموقراطية وحقوق الإنسان ولكن لن نسمح لها بدخول الناتو إلا إذا حققت شيء ملموس، وأن تركيا بالفعل ستعرض عضوية السويد للناتو على البرلمان التركي للتصويت على الموافقة على القبول من عدمه كدولة مؤسسات، انتظارا لقانون الإرهاب الجديد في السويد الذي يحظر بعض الجماعات الإرهابية، وايضا محاولة استخدام أمريكا للضغط على الاتحاد الأوروبي لقبول عضوية تركيا بالمقابل.
في النهاية توجد نقطتان:
الأولى – وضع أمريكا المالي والخوف الكبير من الصين، كأكبر قوة اقتصادية بالمعايير الواقعية، من محاولة إطاحتها بالدولار، والخوف من الانفصال ما بين الاقتصادين الصيني والامريكي، لأنه لا يمكن أن يحل أي شريك محل الصين في السوق الأمريكي.
وهنا ظهر الأمر بشكل جلي ومن قبل الصحافة الأمريكية بانتقادهم رئيس الاحتياطي الفيدرالي (جانيت يللين) وهي تنحني مذلولة أمام نائب رئيس الوزراء السيد/ هي لايفنج، وهذا كله يؤثر على المشهد العالمي وخوف رجال الاقتصاد في أمريكا من هجرة الأموال لأنهم في ظروف مشابهة جدا لإنهيار 2008 المالي بسبب حجم الدين العام وأمور أخرى مثل انعدام الثقة في المؤسسات وعدم التأكد من حسن المستقبل.
الثانية – أن نفس الحالة أصابت أكبر ثلاث دول في أوروبا (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) زيادة الفقر، مع زيادة في البطالة، مع زيادة عدد كبار السن، والانقسامات الداخلية والعنصرية الشديدة والخوف من الآخر,
وسمعنا منذ عدة ساعات ان السلطات السويدية وافقت على تكرر نفس حادث يوم عيد الأضحى مع (نصوص دينية) ضاربة بعرض الحائط كل ما تعرضت له من انتقاد ولوم من العالم العربي والإسلامي، واكتشاف أن هذا الشخص ذو الأصول الكردية الذي قام بهذا الحادث له علاقة بـ (الموساد الاسرائيلي) على حسب زعم السلطات الإيرانية. كل هذه الأمور تأتي في مصلحة تركيا وروسيا والصين وإيران تلك الدول التي يدعون أنها دول قمعية وراهنوا على زرع الفتنة داخليا فيها وفشلوا إلى أن الفتنة ضربت جدران بلاد الغرب ولم تضرب هذه الدول، فالغرب في وضع مزر ويحتاج لإعادة النظر في كل ما يقترف لرفعة الإنسان في العالم وليس لإعمال أفكار شاذة كـ فكرة (المليار الذهبي من البشر).