آفاق التعاون المشترك بين أوزبكستان والمملكة العربية السعودية
بقلم: دكتور صادق طشبايف
وزير الشؤون الدينية- جمهورية أوزبكستان
بداية، لابد من الإشادة بتنظيم موسم الحج هذا العام 1444هـ/ 2023م، الذي حقق نجاحاً كبيراً من جميع النواحي. وقد اعترف بذلك أكثر من مليون وثمانمائة ألف حاج من مختلف دول العالم، وهم الذين قاموا بأداء المناسك وزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة هذا العام، ومن ضمنهم حجاج أوزبكستان. وبهذه المناسبة، وبالصالة عن نفسي وباسم وزارة الشؤون الدينية بجمهورية أوزبكستان وباسم الحجاج الأوزبك، أشكر من أعماق قلبي خادم الحرمين الشريفين، صاحب الجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، علي جهودهما الكبيرة في خدمة حجاج بيت الله الحرام.
كما أتوجه بالشكر إلي معالي الوزير توفيق بن فوزان الربيعة، على الإستعدادات الكبيرة لموسم حج 1444هـ/ 2023م، من قبل وزارة الحج والعمرة، وعلى التنظيم المثالي للحج بهذا المستوى المتميز.
لقد قامت المملكة بكل استعداداتها بالفعل، لاستضافة أكثر من 1.8 مليون حاج من مختلف أنحاء العالم، وعملت علي توفير أفضل الظروف في أودية منى وعرفات والمزدلفة. فعلي سبيل المثال، خلال أداء المشاعر تم توفير 190 سيارة إسعاف، و 16 مؤسسة طبية، حيث شارك 14 ألف عامل في خدمة الحجاج، كما تم توفير 9 آلاف سيارة لخدمة ضيوف الرحمن على مدار 24 ساعة، وتم إنشاء 32 مستشفى، و140 مركزاً صحياً في مكة، يسع 6132 شخصا، وكما قام 32 ألف من الأطباء والممرضين بتوفير كافة الخدمات الصحية لحجاج بيت الله.
يتم عرض 143 حكما فقهياً تتعلق بالحج، علي 186 شاشة، مترجمة إلي 16 لغة في مطار جدة الدولي. كما يتم توزيع 40 مليون لتر من ماء زمزم على الحجاج من خلال 30 ألف نقطة توزيع، مما يدل على ضخامة حجم المشروع. وفي مكة، وفي أودية منى وعرفات والمزدلفة، تم إنشاء تقنيات حديثة لمساعدة الحجاج. مثل، توفير الخيام الحديثة بالمكيفات، وتوفير السكن والغذاء والماء، وتقديم الخدمات الطبية وخدمات النقل. وهذه الإمكانيات تساعد الحجاج على أداء مناسك الحج بكل سهولة ويسر. كما يتم أيضاً تطبيق الفيزا الإلكترونية.
تقوم حكومة المملكة العربية السعودية باستمرار بتنفيذ مشاريع التوسعة في الحرمين الشريفين لزيادة سعتهما من الحجاج والمعتمرين الذين يأتون من مختلف أنحاء العالم، وتلبية احتياجاتهم خلال أداء المناسك، وهو أمر يستحق الشكر والتقدير. حيث تؤكد علي رأينا هذا، جودة الخدمة المقدمة لأكثر من 1.8 مليون حاج في موسم 1444هـ/ 2023 م. ويسرنا أيضاً أن نعرف بأن مثل هذه العمليات مستمرة ولا تتوقف. وهذا يدل على أن عدد الحجاج سيزداد في المستقبل.
وفقا لهذه الاصلاحات، تسعي أوزبكستان بشكل كبير لإرسال المزيد من الحجاج إلى المملكة العربية السعودية بشكل منتظم. ففي السنوات الأخيرة ازداد عدد الحجاج الأوزبك من 5200 شخص إلى 7200 عام 2019، وفي عام 2022، وصل العدد إلي 12 ألف شخص، وفي هذا العام 2023 زاد عدد الحجاج ليصل إلي 15 ألف حاج. وفي المستقبل تأمل أوزبكستان إرسال المزيد من الحجاج لأداء فريضة الحج. وفي هذا الصدد، وبمبادرة من رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضيائيف، سيتم إدخال نظام جديد لقوائم الانتظار عبر موقع خاص علي الإنترنت مخصص للمواطنين الذين سيؤدون مناسك الحج في السنوات القادمة. كما سيتم إنشاء مراكز الحج في المناطق الـ 14 الموجودة في البلاد، وبحلول عام 2030 سيزداد عدد المواطنين الذين يذهبون لأداء مناسك الحج تدريجياً إلى 24 ألف حاج. وبالمناسبة، فقد أدى حوالي 100 ألف شخص مناسك العمرة العام الماضي.
تم نقل الحجاج الأوزبك إلى المدينة المنورة وعودتهم من جدة إلى أوزبكستان من عشر مطارات دولية إقليمية “طشقند، نمنجان، فرغانة، قرشي، ترمذ، سمرقند، بخارى، نوائي، أورجنتش، نكوص”. وقد ساهمت مبادرات وجهود رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضيائيف، على تحقيق مثل هذه المشاريع. ويتم تقدير الخدمات المميزة والمشاريع الحديثة والمبتكرة التي تقدمها حكومة المملكة العربية السعودية للحجاج والمعتمرين. ويأتي ذلك استمراراً لجهود منظومة الحج والعمرة في تقديم الخدمات والحلول المبتكرة للارتقاء بجودة الخدمات المُقدمة لضيوف الرحمن القادمين من جميع دول العالم، وتسهيل وصولهم إلى الحرمين الشريفين، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية. ونسأل الله أن يوفقهم ويجزيهم كل خير!
في السنوات الأخيرة، بدأت حقبة جديدة في تاريخ العلاقات بين أوزبكستان والمملكة العربية السعودية، والتي كان من أهم ثمارها تحقيق نتائج مهمة في علاقات البلدين السياسية والاقتصادية، حيث تم اجراء العديد من اللقاءات علي مختلف المستويات. فقد قام رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضيائيف، بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية في أغسطس 2022 بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. وتم خلال الزيارة، وبحضور الرئيس شوكت ميرضيائيف وصاحب السمو ولي العهد محمد بن سلمان، التوقيع علي البيان المشترك للزيارة، إلي جانب التوقيع علي 15 وثيقة في مختلف مجالات التعاون المشترك بين البلدين، وقد أدي ذلك إلى انتقال العلاقات بين البلدين إلي مستوى جديد.
وضعت زيارة الرئيس شوكت ميرضيائيف أسس قوية للتعاون بين أوزبكستان والسعودية في المجالات الدينية والتعليمية والعلمية والاقتصادية والثقافية وغيرها. وقد أصبحت الزيارات واللقاءات المتكررة للوفود على مختلف المستويات بين البلدين أكثر نشاطاً. ففي أغسطس 2022، قام وفد برئاسة وزير الحج والعمرة توفيق بن فوزان الربيعة، بزيارة إلى أوزبكستان. وفي يناير 2023، شارك وفد من أوزبكستان في المؤتمر الدولي الذي عقد برعاية أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، حيث انطلقت فعاليات المؤتمر ومعرض خدمات الحج والعمرة “اكسبو الحج”، والذي نظمته وزارة الحج والعمرة، برعاية وتشريف سموه. وفي 20 يونيو 2023، اشترك وفد من أوزبكستان لأول مرة في المؤتمر الدولي بجدة.
تقوم العلاقات بين أوزبكستان والسعودية علي أسس المصالح والمنافع المتبادلة بين البلدين، حيث تتلاقي أهداف “استراتيجية التنمية لأوزبكستان”، مع خطط وأهداف “رؤية السعودية 2030″، التي تشكل أكبر خطة وطنية طموحة للتنمية، حيث تقوم أسسها علي استثمار تاريخ المملكة العريق، وثقافتها الأصيلة، وموقعها الاستراتيجي، وقوتها الاقتصادية، وشعبها الطموح، وإمكاناتها الهائلة، لتحقيق تحول اجتماعي واقتصادي يلمسه العالم ويتأثر به.
تهدف “رؤية السعودية 2030” إلي التوسع في مشروعات إنتاج الطاقة المتجددة، وتعزيز دور المملكة الريادي في معالجة التحديات المناخية العالمية، وتمكين قطاع البحث والتطوير والابتكار، والاستثمار فيه بخطوات متسارعة وامكانيات كبيرة. ومن مرحلة الحلم إلى مرحلة الواقع، كان من النتائج التي تحققت حتي الآن من “رؤية السعودية 2030″، أن شهدت المملكة تحولاً تاريخياً، وتحقيق نمو اقتصادي بوتيرة متسارعة لم يتوقعها أحد، حيث يتم التواصل بشكل أكبر مع العالم، وتعزيز مستقبل التنمية المستدامة المليء بالفرص للجميع.
يبدو لنا أن التعاون الأوزبكي السعودي سوف يشهد توسعاُ أكبر في المستقبل. ولا شك أن العلاقات القوية بين البلدين ستصب في مصلحتهما وتعمل علي تعزيز رفاهية شعبي أوزبكستان والمملكة العربية السعودية في المستقبل القريب. إن شاء الله تعالى!