تحليل: أحمد مصطفى
رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة
عضو المجلس الافريقي لدراسات بحوث العلوم الاجتماعية كوديسريا – السنغال
وكذلك مجموعة رؤية استراتيجية روسيا والعالم الإسلامي
ماجستير في الاقتصاد السياسي والدراسات الروسية – المدرسة العليا للاقتصاد – موسكو
عدة ملفات فشل في طرحها أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي عند توجهه لزيارة المملكة العربية السعودية بعد أقل من يوم من ترأسه للجنة الشئون العامة الامريكية الإسرائيلية (آيباك)، بعد أن أوهم الحضور بإتمامه ملف التطبيع ما بين الرياض وتل أبيب – ناهينا أن بلينكن لغير الملمين هو (يهودي الديانة) وطبعا من مصلحته خدمة مصالح الصهيونية العالمية، ومنها مصالح إسرائيل التي باتت في مأزق في المنطقة بعد هزيمتهم الأخيرة من قبل جماعات المقاومة الفلسطينية ثم عملية محمد صلاح وأخيرا كفر فوعة اللبنانية – وقبلها إعلان تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية بإدارة صينية ووساطة عمانية عراقية.
كذلك فوز الرئيس إردوغان بالرئاسة التركية للمرة الثالثة، مع شبه توتر في العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط مع أكبر شريك بالناتو (تركيا) ومحاولة فاشلة من أمريكا وأوروبا لـ دعم المعارضة التركية (نكاية) في أردوغان في الانتخابات الأخيرة، والذي أصبح أكثر قربا من القوى الجديدة في المنطقة التي تقف في ظهره (روسيا والصين وطبعا إيران) بما يضر أكثر وأكثر بالمصالح الأمريكية.
وللمراجعة لم يكن الاستقبال حارا كما توقع بلينكن في جدة كما كان لرئيسه (بايدن) العام الماضي والذي فشل في إنشاء ما يسمى (ناتو عربي ضد إيران) – وتقريبا كان السعوديون على دراية بما تم في آيباك ومستعدين لكافة الملفات والطروحات الخاصة به – ليس هذا فقط، فقد تواكبت زيارة بلينكن الموالي لإسرائيل الثلاثاء الماضي مع يوم افتتاح السفارة الإيرانية في الرياض، بعد 7 سنوات من الإغلاق والقطيعة، وكانت أول صفعة يتلقاها في زيارته للسعودية.
لعبت الدبلوماسية السعودية والتي باتت تفاجئنا يوميا بإحترافيتها دورا كبيرا في هذه الزيارة، فجزيل الشكر للوزير (بن فرحان)، وطبعا لـ ولى العهد السعودي الشاب (محمد بن سلمان) على هذا المسار الرائع الجديد الذي يرضي كل العرب والمسلمين بل والجنوب في العالم.
وبهدوء وثبات رد (بن فرحان) على نظيره (بلينكن) أن ملف (التطبيع مع الكيان) غير وارد حاليا على أجندتنا، إلا إذا التزمت إسرائيل بالمبادرة العربية التي قدمتها السعودية في بيروت عام 2002، والتي تفرض إعطاء حقوق الفلسطينيين المغتصبة، وإعلان حل الدولتين بين الكيان وفلسطين.
ناهينا عن الوضع الاقتصادي في أمريكا – فمع رفع سقف الدين الذي وصل طبقا لساعة الدين العام في امريكا الى 31.5 تريليون دولار، حيث أصبح كل مواطن أمريكي مدين بحوالي 95.000 دولار – فحاول بلينكن أن يثني المملكة كأحد مؤسسي الأوبك عن موضوع خفض الإنتاج والذي يأتي في صالح القوى الجديدة (الصين وروسيا وإيران) على حساب القوى العجوز (أمريكا وأوروبا) – لكنه فشل.
فأي رفع آخر في أسعار الطاقة في أمريكا سيؤدي إلى اختلال اجتماعي كبير، وكذلك رفع سعر الفائدة من قبل الفدرالي لمحاولة حل أزمة التضخم سيؤدي إلى مشاكل كبيرة أخرى لأن هذا يعني طالما أننا لسنا في ظروف الرفاهية، ستضاءل القيمة الحقيقية للودائع في البنوك الأمريكية مع احتمالية إفلاس بنوك أخرى لانعدام الثقة ما بين المواطن الأمريكي والنظام الحاكم بحزبيه ولوبياته وخصوصا لوبي السلاح، والذي يتوافق مع سحب إيداعات صناديق الرعاية الصحية والتقاعد الخاصة بموظفي الحكومة الأمريكية دعما للحكومة وبرامجها بالرغم من فشلها.
الشيء الملفت، انتقال العلاقة ما بين السعودية وروسيا من مرحلة (الإذعان التام) وحتى وقت الرئيس السابق (ترامب) والذي حاول حلب دول الخليج – إلى مرحلة الندية، والتي بدأت في التشكل منذ أن أخذت المملكة موقفا حازما مع التدخلات الكندية في عام 2018 – أيضا محاولة استخدام حادثة الصحفي (جمال خاشقجي) لوضع ولي العهد السعودي وإدارته تحت أقصى ضغط بالرغم من علاقته الوثيقة بإدارة ترامب.
الأمر الذي جعله يتجه شرقا للأيادي الممدودة بالاحترام، وعدم التدخل والرغبة في التعاون بداية روسيا والصين في نهاية 2018، واخيرا إيران لأن هذه الدول لا تخذل اصدقائها، وتركيا وقطر أكبر شاهد على هذه المواقف المحترمة للقوى الجديدة في العالم.
كما أن بلينكن لم يبد أي امتعاض من التطورات الاخيرة فيما يتعلق بالملفات الثلاثة إعادة التطبيع مع إيران وكذلك عودة سوريا للجامعة العربية، ووحدة الأراضي اليمنية – ربما كان هناك تخوف من الانتقام السعودي المرتقب من قبل محمد بن سلمان تجاه بايدن وأمريكا بعدما لوح هذا العجوز، الذي دائما ما يتعثر حركيا أمام الكاميرات، بفرض عقوبات على السعودية وعليه استبق محمد بن سلمان القصة، وأمسك بايدن من يده التي توجعه.
فـ السعودية باتت طرف مؤثر في النظام العالمي الجديد وباتت تصرفاتها تنال استحسان الجميع.
أما الإقتصاد الألماني فيعاني من مشاكل مالية لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان – ويتعين حل هذه المشكلات على الثلاثة أطراف المتنازعة المشكلة للائتلاف الحاكم.
فقد أظهرت الأرقام الرسمية أن ألمانيا دخلت رسميًا في حالة ركود، حيث انخفض الناتج الاقتصادي بنسبة 0.3٪ خلال الربع الأول من العام مع الربع الثاني على التوالي مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي. ويعزى الانخفاض إلى حد كبير إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي بسبب ارتفاع الأسعار وسط تضخم يقال أنه فقط بنسبة 7.2 % رغم أن غالبية الخبراء الألمان المحايدين يقولون انه ربما أضعاف ذلك النسبة.
ويضيف هذا إلى الضغط الموجود سابقًا على الثلاثي من شركاء التحالف في حكومة برلين لخفض التكاليف.
فـ حزب الخضر البيئي يريد أن يستثمر أكثر في أشياء مثل حماية المناخ من خلال فرض ضرائب على الأغنياء – وهو احتمال يرفضه الديمقراطيون الأحرار، الذين يريدون المزيد من اللبرنة.
وفي الوسط، يأمل الاشتراكيون الديمقراطيون برئاسة المستشار/ أولاف شولز أن يؤدي جذب العمالة الأجنبية الماهرة والاستثمار في الصناعات الخضراء الجديدة إلى تحقيق النمو، دون إيضاح الكيفية لتحقيق هذا الحلم بعيد المنال – لعلمنا أن الألمان بكل ضغوط الخضر باتوا يستعملون الفحم البني الأكثر تلويثا للبيئة وفق تقارير.
ويدعي شولتز أن “آفاق الاقتصاد الألماني جيدة للغاية”.
ولكن روبرت هابيك، نائب مستشار شولتز ووزير الاقتصاد من حزب الخضر، حذر في وقت سابق من أن ألمانيا تواجه تخفيضات محتملة في الميزانية تصل إلى 22 مليار يورو العام المقبل، وهي المرة الأولى منذ سنوات عديدة التي تقل فيها الميزانية الفيدرالية.
حيث متوقع اشتعال المعارك حول كيفية التخفيف من المشاكل المالية في البلاد داخل الائتلاف الحاكم، وآخرها حظر مثير للجدل على تسخين النفط والغاز في المنازل دفع ألمانيا إلى شفا أزمة حكومية. كانت المرة الأخيرة التي اضطرت فيها برلين إلى اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة لخفض الميزانية في عام 2014 بعد الأزمة المالية العالمية.
حذر وزير المالية وزعيم الحزب الديمقراطي الحر (كريستيان ليندنر) هذا الأسبوع من أن الحكومة بحاجة إلى الاستعداد لمفاوضات “صعبة” بشأن ميزانية العام المقبل، بينما تدفع أيضًا لتعزيز الاقتصاد من خلال خفض الروتين بالإضافة إلى جذب المزيد من الاستثمار والعمال المهرة، وأن عدم القيام بذلك قد يعرض ألمانيا “لخطر” التخلف عن المنافسة الدولية. كما أن دخول ألمانيا في حالة ركود يسبب مشاكل لمنطقة اليورو والاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقاً ، اللذين يعتمدان على ألمانيا.
يجادل ليندنر وفريقه من حزب الديمقراطي الحر بأنه ليس أمام ألمانيا خيار آخر سوى خفض التكاليف: فقد توقع عجزًا قدره 30 مليار يورو في الدخل الضريبي على مدى السنوات القليلة المقبلة حيث يعاني الاقتصاد من عواقب الحرب الروسية في أوكرانيا، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض معدلات الاستثمار.
هناك مشكلة رئيسية أخرى تتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة، وهو ما يؤثر على فترة السماح المالية المتبقية: مقارنة بعام 2021 ، عندما كان على ألمانيا دفع 3.9 مليار يورو فقط كفائدة لديونها ، فمن المتوقع أن تصل هذه النفقات إلى 39.9 مليار يورو هذا العام – أي عشرة أضعاف.
ويؤكد ليندنر “لفترة طويلة جدًا، عشنا جيدًا على معدلات فائدة منخفضة بشكل مصطنع. والآن ، في بيئة اقتصادية مختلفة تمامًا وفي بيئة أسعار فائدة مختلفة تمامًا، لدينا مهمة العودة إلى المالية العامة السليمة واستدامتها على المدى الطويل “.
منذ تشكيل الحكومة الثلاثية في عام 2021، تمكن شولز من حل نزاعات التمويل من خلال إنشاء صناديق دعم خاصة خارج الميزانية العادية، بما في ذلك مبلغ 200 مليار يورو من النقد المثير للجدل لخفض أسعار الغاز والطاقة للمواطنين والشركات، مثل بالإضافة إلى 60 مليار يورو لصندوق المناخ للمساعدة في تحقيق الأهداف البيئية. لكن ما يسمى بميزانيات الظل هذه وصلت إلى حجم ضخم، ولا ترغب الأطراف في الإضافة إليه – حيث بلغت 360 مليار يورو العام الماضي، أو 75 % من الميزانية العادية لهذا العام البالغة 476 مليار يورو (سيتم دفع الأموال الخاصة) على مدار عدة سنوات.
أبدت الوزارات الفردية أيضًا استعدادًا ضئيلًا لخفض التكاليف. على العكس من ذلك، فقد طلبوا 70 مليار يورو إضافية في ميزانية العام المقبل لاستيعاب مجموعة من الطلبات الخاصة فبدلا من المزيد من الأموال لدعم الأطفال وحماية المناخ، إلى مزيد من الأموال لتحديث القوات المسلحة الألمانية وتحقيق هدف الناتو للإنفاق الدفاعي البالغ 2٪.
قال دينيس رودي، المتحدث باسم الميزانية لحزب الديمقراطيين الاجتماعيين في حزب شولتز، لصحيفة بوليتيكو: “ستكون هذه أصعب ميزانية منذ 10 سنوات”.
وقال نظيره الأخضر (سفين كريستيان كيندلر) إن الحكومة يجب أن تستثمر المزيد من الأموال في قضايا مثل حماية المناخ، والتي ينبغي تمويلها من خلال سياسة ضريبية أفضل وأكثر عدلاً تضع مسؤولية أكبر على عاتق الأغنياء”.
جادل أوتو فريك، المتحدث باسم الميزانية في الحزب الديمقراطي الحر، بأن الميزانية المخطط لها للعام المقبل، على الرغم من التخفيضات، ستظل أعلى بكثير من الميزانيات السابقة قبل وباء الفيروس التاجي: لقد سمح النمو الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية لألمانيا بتوسيع ميزانيتها العادية.
تظهر المشكلة الرئيسية للأسف في عدم تصحيح المسار البنكي والمالي في ألمانيا الذي يرتبط بالفيدرالي الأمريكي، بالرغم من كل الخطايا التي وقع فيها الفيدرالي والتيسير الكمي و اللذان تسببا في السقوط المالي المروع في 2008، والذي لا زالت آثاره ممتدة للآن ولم يتم معالجتها.
وكذلك إنفلات أسعار الفائدة والقيام بإصلاحات تقنية شكلية لكي يصبح التضخم في حدود 2% سنويا وهذا مستحيل على مدار العديد من السنوات – وهذا للتذكير، وكذلك الخضوع للتلاعب بأسعار الفائدة التي خربت بيوت العديد من العملاء في الغرب على وجه التحديد، ولـ جهل المواطنين في الغرب بالأمور المالية والبنكية وكيفية تسييرها والتضليل الإعلامي على هذه الأمور اللاأخلاقية لدعم خطط الأنظمة الغربية – لتجنب الاحتجاجات.
يرجى الاسترشاد بما سبق