سلايدرسياسة

عام على إغتيال شيرين أبو عاقلة.. أمجاد ياعرب!

استمع الي المقالة

وفا – تلقت شيرين أبو عاقلة في تمام السادسة والربع من صباح الأربعاء الحادي عشر من أيار/ مايو الماضي اتصالاً هاتفياً من زميلها يعلمها بأن قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت مخيم جنين، وكانت تقيم منذ الليلة الماضية في أحد فنادق جنين برفقة طاقم قناة الجزيرة.

خلال ربع ساعة، كانت شيرين تسير برفقة الصحفيين على مقربة من مخيم جنين، وجميعهم كانوا يرتدون سترات تحمل شارة “صحافة” باللغة الإنجليزية بأحرف بيضاء كبيرة على الصدر والظهر، وأمامهم كانت مركبات جيش الاحتلال.

وثق مقطع فيديو قصير يظهر أبو عاقلة وزملاءها في الشارع، وكانت المنطقة هادئة نسبيا، ويتضح لجنود الاحتلال بشكل جلي أن هناك صحفيين في الموقع.

دوت فجأة ست رصاصات أصابت إحداها الصحفي علي السمودي في كتفه، حاول الصحفيون الاختباء ثم أُطلقت دفعة ثانية من الرصاص، أصابت إحداها أبو عاقلة خلف رأسها في الفجوة الموجودة بين خوذتها وسترتها الواقية من الرصاص، ما أدى إلى استشهادها على الفور.

أجريت عقب اغتيال شيرين، عدة تحقيقات من عدة مؤسسات، كتحقيق من محطة “سي أن أن”، ومؤسسة “الحق” وصحيفة “نيويورك تايمز” وصحيفة “واشنطن بوست”، ووكالة “اسوشييتد برس”، والمجمع البحثي “بيلنغكات”، وجميعها أثبتت أن استهداف جيش الاحتلال لشيرين أبو عاقلة وزملائها الصحفيين كان بنيّة القتل.

ويقول أنطوان أبو عاقلة شقيق الشهيدة شيرين، إن هذه التحقيقات مهمة جداً، وأثبتت بما لا يدعو إلى الشك أن القتل تم بترصد وعن عمد من قناص إسرائيلي، فالذي جرى هو جريمة قتل يجب التحقيق فيها.

ولفت إلى أن شروع وزارة العدل الأميركية بفتح تحقيقها في استشهاد شيرين كونها تحمل أيضا الجنسية الأميركية كان بعد مساعٍ قامت بها عدة مؤسسات حقوقية، معبراً عن أمله في أن يكون التحقيق بناءً على حقائق وقرائن، ومقابلة الشهود، وزيارة موقع جريمة الاغتيال، حتى يكون موضوع التحقيق موثوقا ومقبولا.

وأصدرت قناة “الجزيرة الفضائية” صباح اليوم في الذكرى الأولى لاغتيال شرين بياناً مقتضباً، أكدت فيه أن التحقيقات الدولية المستقلة أجمعت على أن شيرين قُتلت برصاص قناص من جيش الاحتلال، كما أنها ستتابع قضية اغتيال أبو عاقلة أمام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فيما دعت إلى مواصلة دعم قضيتها وتوحيد الجهود لإنهاء إفلات قتلة الصحفيين في أنحاء العالم من العقاب.

ومنذ مطلع عام 2000، استُشهد 20 صحفياً، ووفق لجنة حماية الصحفيين، فإنهم كانوا معرّفين بوضوح بوصفهم صحفيين في وسائل إعلام، أو أنهم كانوا في سيارات تحمل شارة “صحافة” في الوقت الذي استُشهد فيه الصحفيون، ولم يقتصر الأمر على أن جهود الصحفيين للتعريف بأنفسهم لم تنجح في حمايتهم.

ففي نيسان/ إبريل 2008 على سبيل المثال، كان المصور الصحفي فضل شناعة الذي كان يعمل مع وكالة “رويترز” يرتدي سترة واقية من الرصاص زرقاء اللون تحمل شارة “صحافة”، وكان يقف قرب سيارة مكتوب عليها كلمة “تلفزيون” وكلمة “صحافة”، عندما أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخاً تجاهه في منطقة جحر الديك جنوب شرق مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاده، ومواطنين آخرين.

وبعد عشر سنوات على استشهاد شناعة، في نيسان/ إبريل 2018، استُشهد المصور الصحفي ياسر مرتجى برصاص قناص إسرائيلي، بينما كان يغطي مسيرة على حدود غزة، وعقب الجريمة كان وزير الحرب آنذاك أفيغدور ليبرمان أكثر صراحة في تبرير الجريمة، واصفاً الدعوات لإجراء تحقيق بأنها “مساعٍ غبية”.

“كيف حالك بعد سنة؟”، هكذا بدأت شذا حنايشة وصف حالها بعد مرور سنة على اغتيال شيرين، وهي التي كانت برفقتها وقت استشهادها، وكانت قريبة جداً من الإصابة لولا احتماؤها خلف جذع شجرة، وإنقاذها من شاب تحت وابل من إطلاق الرصاص الحي نحوها.

وقالت حنايشة: “إذا سألتموني كيف حالك بعد سنة؟ فسأخبركم أني أشعر بالغضب، أشعر بالغضب لأنني وشيرين متنا تحت تلك الشجرة ذلك اليوم، شيرين تنتظر تحقيق العدالة من السماء وأنا أنتظرها على الأرض، وفي داخلي خذلان وغضب وقهر، يكبر ويزيد بعد كل جريمة تنفذ بحق الفلسطينيين”.

وأضافت: “ليس لدي ما يضاف إلى ما ذكرته منذ سنة، لم يتغير شيء. صار في بلادي أحداث كثيرة، ولم يحاسب أي جندي على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، مثلما لم يحاسب الجندي الذي قتل شيرين أبو عاقلة، وأصاب زميلي علي السمودي، واستمر بإطلاق النار نحوي ونحو شريف العزب (الذي مهما قلت عنه لا شيء يجزيه حقه وسأظل ممتنة له بحياتي ما حييت)”.

وتابعت حنايشة: “أين الجندي الآن؟ هل هو في جنين، نابلس، طولكرم أو أريحا، كم مرة أطلق النار على الفلسطينيين؟ كم قتل منا؟ هل يقف الآن على حاجز بين مدن الضفة ويعيق حركة الناس؟”.

وأردفت: “أنا شخصيًا، أقول لكم إنه بعد سنة، لم يعد لدي أي ثقة بالمجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وبحق كل ما هو فلسطيني على وجه الأرض، لا شيء يردع الاحتلال ويعاقبه، ولا يوقفه عند حده، على العكس، أصبح يتفنن في أساليبه في قتل الفلسطيني في كل مكان”.

وقالت حنايشة: “جريمة قتل شيرين وإطلاق النار نحوي، مصور ومثبت وفيه كل الأدلة على المجرم، ولكن كل ما حدث هو جلسة استماع هنا وبيان استنكار هناك ثم ماذا؟ رسالتي إلى العالم ومنظمات المجتمع الدولي: توقفوا عن الاستنكار والتعاطف معنا، لا نريد تعاطفكم، إما أن تبدؤوا بالعمل على محاسبة المجرم، أو تشاهدونا نُقتل بصمت، لأن هذا الاحتلال لن يتوقف عن القتل باستنكار أو تعاطف!”.

وأضافت: “ما زالت الاعتداءات والانتهاكات بحق زملائي الصحفيين مستمرة حتى هذه اللحظة، ما زال القمع والضرب والطرد متكررا وموجودا، لم يتغير شيء، اذهبوا إلى الصحفيين في الميدان واسألوهم: هل تشعرون بالغضب لأن العدالة لم تحقق لشيرين رغم كل الأدلة على المجرم؟ هل تؤرقكم فكرة أن تُقتلوا خلال عملكم ولا أحد يحاسب قاتلكم؟”.

وتختم حنايشة: “إلى شيرين، بعد سنة على غيابك، أصبحت أقرب منك، أصبحت أراقب كل ما هو مرتبط بكِ، أتابع وأحب كل من يحبك ويحب الحديث عنك. في غرفتي هنا (في بيروت) صورة لكِ وأنتِ مبتسمة، أينما وقفت أركِ تنظرين إلي بابتسامتك الدافئة، فصرت دائما في خيالي بهذه الابتسامة. ذلك اليوم كتب القدر أن نظل معًا وحدنا، ومنذ ذلك اليوم أشعر بك حولي، دائمًا في كل لحظة وكل وقت، كنت أتمنى لو أن الحياة منحتني فرصة أن أشاركك قصة الطفلة شذا التي وقفت تردد يوما: شيرين أبو عاقلة – الجزيرة – فلسطين”.

تصف لجنة حماية الصحفيين أنه في الحالات القليلة التي تفتح فيه إسرائيل تحقيقاً بقتل مدنيين كالصحفيين، بصندوق أسود، حيث تظل نتائج التحقيقات سرية، وحسب رصد اللجنة فإن كل حالات قتل الصحفيين لم تُفضِ إلى محاسبة أحد من القتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى